هل تجد العولمة المتعثرة طوقًا للتعافي بمنتدى دافوس؟
في ظرف عالمي عصيب، يجتمع صناع القرار في العالم على طاولة المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، بطموحات منع انهيار العولمة.
مع تعثر العولمة التي انكشفت بشكل ضخم أمام التحديات والأزمات المتسارعة، من وباء كوفيد-19 إلى حرب روسية في أوكرانيا، ومرورًا بتضخم جامح وتغيرات مناخية تتفاقم، أصبح ذلك النظام العالمي الذي رسخته الاقتصادات الكبرى وقوى السوق الحر ومتغيرات الانفتاح على الشعوب والثقافات والحضارات والمجتمعات؛ أمام أزمة وجودية.
من جانبه، أعلن رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغه برنده أن القمة التي تجري في منتجع الألب السويسرية تنعقد هذه السنة "في ظل وضع جيوسياسي وجيواقتصادي هو الأكثر تعقيداً منذ عقود".
وساهم تفشي وباء كوفيد-19 والخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والهجوم الروسي على أوكرانيا في السنوات الأخيرة في تزايد الشقاقات الجيوسياسية وتصاعد السياسات الحمائية.
ورأى مؤسس المنتدى كلاوس شواب أن "أحد الأسباب الرئيسية لهذه الشرذمة هو نقص في التعاون" ما يؤدي إلى اعتماد "سياسات قصيرة الأمد وأنانية" مندداً بـ"حلقة مفرغة".
وحمل هذا الوضع البعض على التساؤل حول مستقبل العولمة التي تشكل منذ نصف قرن محور فلسفة دافوس.
فيما يتوجه عشرات القادة إلى جبال الألب السويسرية هذا الأسبوع لبحث «التعاون في عالم غير مترابط»، أصبحت «مسلَّمات» هيمنت على النظام الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية محطَ شكوك. فقد فشلت التجارة الحرة في منع اندلاع حرب استنزاف طاحنة في أوروبا، ونجحت الصين في الصعود باقتصادها دون الالتزام بـ«قوانين العالم الحر»، بينما لم تتردد كبرى اقتصادات العالم في اعتماد سياسات حمائية وإغلاق حدودها لمواجهة تفشي جائحة «كورونا» وردع موجات اللجوء.
يدرك المشاركون في الدورة الـ53 للمنتدى الاقتصادي العالمي حجم التحديات التي تواجههم، وإن كانت أبرز أولوياتهم اليوم تفادي فترة جديدة من الركود الاقتصادي تبدو شبه حتمية. وعشية انطلاق أعمال دافوس، خرج شواب عن تفاؤله المعتاد، وقال إن «أحد الأسباب الرئيسية للانقسام العالمي هو نقص في التعاون» واعتماد «سياسات قصيرة الأمد وأنانية»، مندداً بـ«حلقة مفرغة». بينما أقر رئيس «دافوس» بورغه برنده، أن المنتدى ينعقد هذه السنة «في ظل وضع جيو - سياسي وجيو - اقتصادي هو الأكثر تعقيداً منذ عقود».
وقالت كارين هاريس الشريكة والخبيرة الاقتصادية في مكتب الاستشارات باين أند كومباني لوكالة فرانس برس إنه كان هناك في وقت ما "الأمل بالعودة إلى الوضع الاعتيادي السابق، وضع عالم معولم إلى حدّ ما" مضيفة "أعتقد أن ثمة إقرار اليوم بأن هذه الحقبة في طور الانتهاء" حتى لو أنه سيبقى منها نقاط تعاون "حول مجموعة أكثر انحساراً من المسائل".
ورأت أنه "حتى مسألة المناخ تتحول إلى معركة أكثر انعزالية"، مشيرة بهذا الصدد إلى "قانون الحد من التضخم" الذي ينص على مساعدات كبرى للشركات المتمركزة في الولايات المتحدة في قطاع السيارات الكهربائية والطاقات المتجددة، وضرائب الكربون على الحدود التي يجري اعتمادها في أوروبا.
وبعد حوالى عام على بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، من المتوقع أن يحتل النزاع وانعكاساته على السياسات العالمية في مجالي الطاقة والدفاع، حيزاً كبيراً في مناقشات دافوس.
ومن المواضيع الأساسية المطروحة للبحث أيضاً المناخ، إذ يسعى المنظمون لأن تساعد المباحثات في التمهيد للمفاوضات العالمية المقبلة في إطار مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب28) المقرر عقده في نهاية السنة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
في المقابل يعتزم ناشطون اغتنام الاجتماع لتذكير الدول الغنية ومجموعات الطاقة بضرورة تمويل انتقال الدول النامية في مجال الطاقة وتسديد التعويضات عن الكوارث الطبيعية المواكبة لتغير المناخ.
وستجري أبرز النشاطات في دافوس كما في كل سنة في الكواليس، إذ يغتنم رؤساء الشركات والمستثمرون والسياسيون وجودهم في المكان ذاته لإجراء مشاورات على هامش المؤتمر الرسمي.
ورأى الصحافي الأمريكي بيتر غودمان الذي صدر له كتاب العام الماضي بعنوان "رجل دافوس: كيف التهم أصحاب المليارات العالم"، أنه "خلال أربعة أيام في جناح خاص، يمكنهم إتمام أعمال أكثر مما يفعلون في أشهر من الرحلات حول العالم".
واعتبر أن أكبر إسهام يمكن أن يقدمه دافوس سيكون الدفع باتجاه إصلاح النظام الضريبي العالمي للحد من التباين الاجتماعي.
كما تأمل هاريس في دافوس بـ"محادثات صريحة" حول انعكاس تطور الاقتصاد العالمي ليس في الولايات المتحدة وأوروبا والصين فحسب بل كذلك "للأسواق الناشئة التي غالبا ما تكون الطرف الخاسر جراء التطورات الاقتصادية".