الصين واليابان.. هل يشعل خصما الماضي حربا عالمية ثالثة؟
يشهد الشرق الأقصى تصعيدا خطيرا مما يضع خصوم الماضي في مواجهة قد تشعل حربا عالمية ثالثة.
وتصاعدت التوترات بشكل غير مسبوق بين الصين واليابان، وسط تحذيرات وتهديدات متبادلة ترتبط مباشرة بمصير تايوان وجزر سينكاكو المتنازع عليها وهو ما أعاد التذكير بالخصومة التاريخية بين البلدين والتي قد تتخذ مسارا جديدًا يدفع آسيا نحو حرب واسعة وربما تكون شرارة لحرب عالمية ثالثة.
وبدأ التصعيد الأخير بعدما صرّحت رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة، ساناي تاكايتشي، بأن أي هجوم صيني على تايوان قد يصنف بأنه "تهديد لبقاء" البلاد، وهو مصطلح يعني بموجب القانون الياباني إمكانية دخول طوكيو الحرب دفاعًا عن نفسها وعن حلفائها.
واعتبرت الصين هذا التصريح تدخلًا مباشرًا في قضية تايوان، ووجه وزير دفاعها جيانغ بين تحذيرًا شديد اللهجة لليابان بأنها ستتلقى "هزيمة ساحقة" إذا حاولت عرقلة الصين عسكريًا وذلك وفقا لما ذكره تحليل نشرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية
وأشارت الصحيفة إلى أنه في خضم هذا التوتر الكلامي، رصدت اليابان مسيرة عسكرية صينية قرب جزيرة يوناغوني، التي تعد أقرب نقطة يابانية إلى تايوان، مما دفع طوكيو لإرسال مقاتلات لاعتراضها.
وفي الوقت نفسه، دخلت سفن تابعة لخفر السواحل الصيني لفترة طويلة المياه الإقليمية المحيطة بجزر سينكاكو، التي تسيطر عليها اليابان وتطالب بها الصين.
ويعود التوتر بين البلدين إلى الاحتلال الياباني للصين في الثلاثينيات والأربعينيات، بما في ذلك مذبحة نانجينغ التي لا تزال محورًا أساسيًا في الخطاب السياسي الصيني.
في المقابل، ترى اليابان أن صعود الصين يهدف إلى تغيير ميزان القوى في شرق آسيا وطرد النفوذ الأمريكي من المنطقة.
هذه التوترات ذات الجذور التاريخية لها تأثير سلبي على فرص الثقة وتثير المخاوف من احتمال تحول أي حادث بسيط إلى أزمة أكبر قد تشتعل سريعا.
وتقع تايوان في قلب هذه الأزمة حيث ترى بكين أن إعادة توحيد الجزيرة مع البر الصيني جزء أساسي من "النهضة الوطنية" وتشير تقارير إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أمر جيشه بالاستعداد لفرض السيطرة على الجزيرة بحلول عام 2027.
من جانبها، ترى اليابان أن استقرار تايوان أمر ضروري لأمنها القومي، خاصة في ضوء موقع الجزيرة على طرق بحرية تنقل معظم التجارة والطاقة اليابانية.
وفي 2022، أعلنت طوكيو استراتيجية جديدة للأمن القومي تتضمن امتلاك قدرات "الضربات المضادة"، وهو ما يتيح لها استهداف قواعد عسكرية معادية ورغم عمومية النص إلا أنه تم تفسيره في سياق مواجهة مع الصين.
ورغم تفوق الصين الكاسح من ناحية الأرقام حيث يتكون جيشها من مليوني جندي و754 سفينة حربية و600 رأس نووي إلا أن الموقع الجغرافي لليابان وتحالفاتها يوازنان الكفة حيث تملك طوكيو جيشًا صغيرًا نسبيًا لكنه متطور تقنيًا ومرتبطًا بشبكة من القواعد الأمريكية كما تقع اليابان على ما يسمى "سلسلة الجزر الأولى"، وهي خط دفاع طبيعي يعرقل التوسع البحري الصيني.
وبموجب معاهدة الدفاع المشترك، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن اليابان بما يشمل منطقة جزر سينكاكو المتنازع عليها وهو ما يعني أن أي اشتباك صغير قد يتحول إلى مواجهة أمريكية-صينية مباشرة.
ويحذر الخبراء من أن التوترات في البحر والجو تزيد فرص "خطأ صغير يؤدي إلى حرب كبيرة" في ظل انتشار المسيرات الصينية ودوريات السفن وتكرار الاحتكاكات حول جزر سينكاكو وكلها أمور يمكن أن تنفجر بسهولة بسبب سوء التقدير.
ويقول الخبراء إن أي اشتباك بين سفن أو طائرات البلدين قد يدفع كل طرف للرد خوفًا من الظهور بمظهر الضعيف.
لكن التطور الأخطر هو أن اليابان وهي الدولة الوحيدة التي تعرضت لقصف نووي قد بدأت تفكر في خيار التسلح النووي لأول مرة منذ عقود بسبب التهديدات الكورية الشمالية، إضافة إلى الشكوك في مصداقية المظلة النووية الأمريكية في ضوء تحولات السياسة واشنطن خلال السنوات الأخيرة.
لكن تغيير اليابان لتوجهاتها قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في منطقة شرق آسيا بما يشمل كوريا الجنوبية وربما دولًا أخرى.
وفي حال اندلاع حرب، من المتوقع أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب اليابان وتايوان وقد تقدم أستراليا والفيليبين دعمًا لوجستيًا، في حين قد تفرض بعض دول أوروبا عقوبات وتقدم دعمًا استخباراتيًا في حين ستقف روسيا مع الصين، وقد تشارك كوريا الشمالية بدعم عسكري أو تهديدات صاروخية.
وتثير هذه الاصطفافات المخاوف من سيناريو خطير يرتبط فيه الصراع في شرق آسيا بصراع آخر في أوروبا، مما يجعلها حربا متعددة الجبهات تمهد الطريق لنشوب حرب عالمية ثالثة.
ورغم تصاعد حدة التهديدات، يرى الخبراء أن الصين واليابان قد لا تكونان مستعدتين لحرب فعلية فبكين تعاني من تباطؤ اقتصادي وتراجع في الاستثمار الأجنبي، إضافة إلى تغييرات داخل الجيش وإخفاقات في بعض برامج التسلح.
أما اليابان فتعاني من شيخوخة سكانية حادة، وانخفاض في معدلات الولادة، ونقص في المجندين بالجيش كما يعتمد البلدان اقتصاديًا على بعضهما فالصين شريك تجاري رئيسي لليابان والعكس صحيح وفي الوقت نفسه ستدمر أي حرب سلاسل التوريد العالمية وتضرب الاقتصاد الدولي بشدة.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية المحتملة فقد تتطور الأزمة في عدة اتجاهات فإما تصعيد عسكري مباشر بسبب حادث غير مقصود، مثل إسقاط طائرة أو تصادم سفن أو زيادة الضغط دون حرب مفتوحة من خلال الدوريات البحرية والتهديدات والعقوبات والحرب النفسية.
والسيناريو الثالث والأقل ترجيحا فهو تراجع الصين أو اليابان دبلوماسيًا وهو ما قد يحدث إذا واجهت الصين أزمة داخلية أو إذا غيرت اليابان موقفها من تايوان أما السيناريو الرابع والكارثي فهو اندلاع صراع متعدد الجبهات تتحرك فيه الصين ضد تايوان في حين تضغط روسيا على أوروبا وتهدد كوريا الشمالية اليابان.
وفي كل الأحوال تقف الصين واليابان الآن على "مسار تصادم" فالتاريخ، والجغرافيا، والتنافس العسكري، والقومية المتصاعدة، كلها عوامل تجعل المنطقة قابلة للاشتعال ومع اقتراب عام 2027، الذي تحدده الصين كموعد محتمل للسيطرة على تايوان يترقب الجميع كيف يمكن أن تتصرف بكين وطوكيو وهل تنقذ الحكمة العالم من حرب عالمية ثالثة؟