حلول المزارعين للتكيف مع المناخ.. "خذوا الدرس من الفراعنة" (حوار)
يواجه المزارعون حول العالم تحديات غير مسبوقة بسبب تغير المناخ وعوامل بيئية أخرى تؤثر على الإنتاجية الزراعية وسبل العيش.
وتملك مصر على وجه الخصوص، تاريخا غنيا من الزراعة يعود إلى قدماء المصريين، الذين طوروا نظاما معقدا ومتطورا للزراعة يعتمد على الموارد الطبيعية والنظم البيئية.
وبينما يواجه المزارعون المصريون تحديات جديدة مثل تغير المناخ والتدهور البيئي، لكنهم أيضا في طليعة إيجاد حلول مبتكرة لهذه القضايا من خلال استخدام الحلول القائمة على الطبيعة، فما المقصود بتلك الحلول؟ وما هي أبرز الحلول التي تم اللجوء إليها؟ وهل هناك تجارب شبيهة في دول أخرى..
هذا الأسئلة وغيرها يجيب عنها حسن أبو النجا، الباحث المتخصص في المياه بجامعة كولن بألمانيا، والمدير التنفيذي للشبكة العربية للتنمية المستدامة.
بداية: ما المقصود بالحلول القائمة على الطبيعة؟
الحلول القائمة على الطبيعة، مفهوم يتضمن استخدام العمليات الطبيعية والنظم البيئية لتوفير الخدمات الأساسية مثل تنقية المياه والحفاظ على التربة والسيطرة على الفيضانات، وتم استخدامه في العديد من الدول لاستعادة الأراضي المتدهورة، وحماية موائل الحياة البرية، وزيادة غلة المحاصيل مع الحد من استخدام المواد الكيميائية الضارة والمدخلات الأخرى.
وهل هذا المفهوم جديد؟
ستتعجب أن المصريين القدماء طبقوه، حيث كان لديهم فهم معقد للعالم الطبيعي، وقاموا بتطوير ممارسات زراعية كانت متجذرة بعمق في علاقتهم بالبيئة، واستخدموا تقنيات مبتكرة مثل تناوب المحاصيل والأسمدة الطبيعية وأنظمة الري التي كانت مستدامة وفعالة.
ومن خلال دراسة ممارسات قدماء المصريين وتكييفها مع السياقات الحديثة، يمكننا تعلم دروس مهمة حول قيمة الأساليب المستدامة القائمة على الطبيعة في الزراعة، ويمكننا أيضا إدراك الدور المهم الذي يلعبه المزارعون في تشكيل الممارسات والسياسات الزراعية.
ولماذا في رأيك لم يستطع أحفادهم تطبيق الحلول القائمة على الطبيعة؟
من قال ذلك، فالمزارعون في محافظة الفيوم المصرية، نجحوا في تحويل الأراضي الرطبة المتدهورة إلى محاور زراعية مزدهرة بفضل الحلول القائمة على الطبيعة، واستعادوا الغطاء النباتي الأصلي، وأنشأوا سدودا لإبطاء تدفق المياه، واستخدموا ممارسات الحراجة الزراعية لتوفير الظل وتقليل التعرية، ولم تعمل هذه الممارسات على تحسين سبل عيش المزارعين المحليين فحسب، بل ساعدت أيضا في استعادة الوظائف البيئية المهمة مثل تنقية المياه وعزل الكربون.
وهل توجد تجارب أخرى شبيهة؟
يستخدم المزارعون بالفعل في بعض البلدان الحلول القائمة على الطبيعة للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، فعلى سبيل المثال، في إندونيسيا، يستخدم المزارعون ممارسات الحراجة الزراعية لحماية محاصيلهم من الأحداث المناخية القاسية مثل الجفاف والفيضانات، وكذلك لتوفير الظل وتحسين صحة التربة، وفي غانا، يستخدم المزارعون تقنيات الزراعة المحافظة على الموارد مثل الزراعة البينية وزراعة الغطاء للحد من التعرية وتحسين خصوبة التربة وزيادة القدرة على الصمود في وجه الجفاف.
وكيف يمكن دعم نجاح هذه الممارسات على المدى الطويل لمواجهة تغير المناخ؟
لكي تنجح على المدى الطويل، من الضروري إشراك المزارعين كأصحاب مصلحة رئيسيين في عمليات صنع القرار والسياسات، ويحتاج المزارعون إلى المشاركة في تصميم وتنفيذ ومراقبة مشاريع الحلول القائمة عى الطبيعة، كما يحتاجون أيضا إلى تزويدهم بالمعرفة والمهارات والموارد اللازمة لتبني هذه الممارسات في مزارعهم الخاصة.
وكيف يمكن تحقيق هذه المشاركة الفعالة للمزارعين؟
تتمثل إحدى طرق تحقيق مشاركة المزارعين في المؤتمرات، التي يمكن أن تجمع المزارعين مع صانعي السياسات والعلماء وأصحاب المصلحة الآخرين لتبادل المعرفة وتبادل الأفكار، ويمكن أن تكون هذه الأحداث أيضًا بمثابة منصة للمزارعين لمشاركة خبراتهم وابتكاراتهم الخاصة، والتي يمكن أن تفيد في تطوير مناهج الحلول القائمة على الطبيعة ذات الفاعلية الكبيرة، وذات الصلة محليا.
وهل هذا هو الحل الوحيد؟
هناك حلول أخرى، ومنها "الابتكار التعاوني مع المجالس الاستشارية"، حيث يمكن لواضعي السياسات إنشاء مجالس استشارية للمزارعين توفر آلية رسمية للمزارعين لتقديم مدخلات وتوجيهات بشأن السياسات والقضايا التنظيمية، ويمكن أن تتكون هذه المجالس من مزارعين من مناطق وقطاعات مختلفة، ويمكن أن تساعد في ضمان أن السياسات ترتكز على الحقائق العملية للزراعة.
ومن الحلول أيضا، ما يعرف بـ"تعاونيات ورابطات المزارعين"، حيث يمكن لواضعي السياسات العمل مع جمعيات المزارعين لضمان تمثيل وجهات نظرهم واحتياجاتهم في صنع السياسات، ويمكن لهذه المنظمات أيضًا المساعدة في تثقيف أعضائها حول قضايا السياسة والدفاع عن مصالحهم، وأحب ان أؤكد هنا على أهمية عدم إغفال دور النساء في أي حل من الحلول، فيجب أن يكون هناك ممثلون لهم في كل تلك الحلول.
وما السر وراء هذا التأكيد؟
النساء يلعبن أدوارا مهمة في الحلول القائمة على الطبيعة، حيث تشكل جزءا كبيرا من القوة العاملة الزراعية العالمية، لا سيما في البلدان النامية، فوفقا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن النساء مسؤولات عن 45 إلى 80% من إنتاج الغذاء في البلدان النامية، وعلى الرغم من مساهماتهن المهمة، تواجه النساء في الزراعة تحديات كبيرة، بما في ذلك التمييز، ومحدودية الوصول إلى الأراضي والموارد الأخرى، والوصول المحدود إلى فرص التعليم والتدريب، وغالبًا ما تتمتع المزارعات بإمكانية محدودة للوصول إلى الائتمان والخدمات الإرشادية والأسواق، مما قد يعيق قدرتهن على تنمية أعمالهن وتحسين سبل عيشهن.
aXA6IDMuMTQ1LjYyLjM2IA== جزيرة ام اند امز