هذا المسار عشوائي ورد فعل غير مدروس من تلك الفصائل وبخاصة "فتح"، على حراك السلام في المنطقة والذي كان موضع ترحيب عالمي.
يمثّل اتفاق حركة "فتح" المسيطرة على السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية وحركة "حماس" التي تحكم قطاع غزة، على إجراء انتخابات خلال ستة أشهر، أحدث محاولة لإنهاء الانقسام الفلسطيني والصراع الداخلي المستمر منذ ما يزيد على 13 عاماً بين الحركتين.
وللتذكير فقط أنه وبعد سنوات من الانقسام، وتحديداً منذ منتصف العام 2007 عندما سيطرت حركة حماس بالقوة على قطاع غزة وانتزعته من السلطة الفلسطينية، لم تنجح اتفاقيات المصالحة التي عقدت بين الحركتين، بوساطات عربية وغير عربية، في إعادة توحيد الفلسطينيين واستعادة لحمتهم الوطنية من أجل بناء الدولة الفلسطينية.
لم يكن ما تعرض له الشعب الفلسطيني على مدى العقود الماضية، كافياً لدفع من يزعمون الحرص على القضية والشعب لإنهاء ذلك الانقسام البغيض خلال جميع محاولات أشقائهم العرب رأب الصدع بينهم، من إعلان الدوحة 2012 إلى اتفاق القاهرة 2012، واتفاق الشاطئ 2014 حتى اتفاق القاهرة 2017.
الاستيطان والقدس، والحروب التي جلبتها حركة حماس على غزة، وحتى الإعلان عن الخطة الأمريكية للسلام التي رفضتها القيادات الفلسطينية، وخطة الضم الإسرائيلية التي كانت ستقضي على أي حلم فلسطيني بالدولة، كل ذلك لم يكن كافياً لتحريك ودفع طرفي الانقسام والمنتفعين منه، لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام وتوحيد القرار، فهل يمكننا تصديق أن من لم يحرّكه كل ما سبق يمكن أن تكون مصلحة الشعب الفلسطيني هي من يحرّكه الآن؟ أم أن مصالح المتاجرين بالقضية والجهات الخارجية المنتفعة من استمرار الصراع هي من كان لها دور أساسي في هذه الصحوة المزعومة.
توقيت هذه "الصحوة" المزعومة يثير التساؤلات خاصة وأنها تأتي مع ارتماء "حماس" و"فتح" في أحضان تركيا لإجراء لقاءات المصالحة علما بأن أنقرة من أكثر المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ومن أكثر المستفيدين "إلى جانب أشخاص في السلطة الفلسطينية وحركة حماس" من حالة الجمود الشامل للقضية الفلسطينية، من خلال مواصلة المتاجرة بالقضية عبر الشعارات.
ألم يكن ممكناً لقاؤهم في رام الله أو غزة أو في أية دولة عربية إن كان لديهم نية صادقة، بدلاً من اختيار بل الارتهان لدولة تحتل شمال سوريا ومناطق في إدلب وشمال كردستان العراق، وتتواجد على الأرض العراقية، ولديها أعداد كبيرة من المرتزقة في ليبيا؟
فتركيا التي تواصل المتاجرة بالقضية الفلسطينية وشعارات المقاومة هي أول دولة ذات غالبية مسلمة اعترفت بإسرائيل، وذلك في مارس 1949، ورئيسها رجب طيب أردوغان هو من يقدّم نفسه في العلن عدواً لإسرائيل، بينما تؤكد الوقائع أنه أكبر داعمي إسرائيل في مختلف المجالات وبخاصة العسكرية.
وبعد كل ذلك وغيره الكثير، هل الذهاب إلى تركيا التي تدعم بشكل واضح طيلة السنوات الأخيرة أحد طرفي الانقسام الفلسطيني "حماس"، هو الخيار الأمثل بالنسبة للفلسطينيين؟!
من الواضح أن هذا المسار عشوائي ورد فعل غير مدروس من تلك الفصائل وبخاصة «فتح»، على حراك السلام في المنطقة والذي كان موضع ترحيب عالمي، وهو يؤكد استمرار النهج الفاشل الذي قاد خلال السنوات الماضية إلى تآكل الأراضي الفلسطينية وتهميش القضية.
فمن المؤكد أنه بعد كل هذه السنوات وما يمكن أن يكون قد ترتب عليها من مأسسة للانقسام الذي جذوره أعمق من مجرد انقلاب "حماس" على السلطة في العام 2007 فقد تبين واضحاً أن الخلاف بين حركتي فتح وحماس ليس سياسياً وإنما صراع على السلطة والنفوذ وتقاسم بعض قادة الفصيلين عوائد استمرار نهج المتاجرة بالقضية الفلسطينية. ومن المؤكد أيضاً أن يقود دخول تركيا على خط المصالحة بين الجانبين إلى مزيد من إضاعة الفرص لتنفيذ مشروع وطني حقيقي لبناء دولة فلسطينية.
نقلا عن البيان الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة