رئيس أقدم معهد دراسات أمنية بالعالم: اتفاق إيران النووي مات إكلينيكيا
هيئة مكافحة غسيل الأموال تستعد لإعادة إيران على القائمة السوداء، في تمهيد لعودتها إلى العزلة الاقتصادية وانهيار الاتفاق النووي.
دق قرار هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (FATF) مسمارا جديدا في نعش الاتفاق النووي الإيراني بعد أن أمهلت المنظمة الدولية المنوطة بمراقبة غسيل الأموال في العالم، طهران حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل قبل أن تعيدها على القائمة السوداء للكيانات التي لا تبذل مجهودا كافيا لمكافحة غسيل الأموال، ما يمهد لعودة إيران إلى العزلة عن الاقتصاد العالمي مرة أخرى.
ورأى توم كياتينج، مدير معهد الخدمات المتحدة الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية في بريطانيا، أن استمرار إيران في إخفاقات الجرائم المالية يقوض مستقبل الاتفاق النووي مع حكومات الغرب، مشددا على أن محاولة الاتحاد الأوروبي لتجنب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو/آيار الماضي، وإنقاذ شركاتها المنخرطة في التجارة والأعمال مع إيران، هي محاولة ضعيفة وتحيطها الشكوك.
وقال كياتينج، الذي يرأس أقدم معهد للدراسات الأمنية في العالم، إن انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان بمثابة عقوبة الإعدام للاتفاق النووي الإيراني، وهو مازال الاعتقاد السائد بأن الاتفاقية انهارت في 8 مايو/آيار الماضي عندما أعلن ترامب انسحابه منها رغم المحاولات التشريعية الجريئة والوهمية لإنقاذ الاتفاق.
لكن مازال البعض يعتقد موهوما أن الاتفاق يمكن إنقاذه رغم تحركات ورسائل ترامب وإدارته، إلا أن بيان الإدانة الذي أصدرته هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، الجمعة الماضي، جاء ليؤكد أن إنعاش الاتفاق النووي الإيراني تجاوز مرحلة الإنقاذ وقارب على الموت التام.
والاتفاق النووي الذي دخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2016 تم تصميمه على أساس إعادة إيران إلى الاقتصاد العالمي تدريجيا، وهو ما حدث بالفعل عندما بدأت عدة شركات أوروبية في استعادة علاقاتها التجارية مع طهران، وظهر تأثيره على سبيل المثال في تضاعف صادرات فرنسا إلى إيران وارتفاع صادرات ألمانيا لإيران إلى 3.5 مليار دولار أمريكي مع تعامل 10 آلاف شركة مع نظيراتها الإيرانية.
إلا أن انسحاب ترامب من الاتفاق وضع الاتحاد الأوروبي في موقف لا يحسد عليه، فمن ناحية لا يمكنه تجاهل تحركات واشنطن، ومن ناحية أخرى يواجه ضغط الإيرانيين الذين يطالبونه بإظهار قدرته على القيادة والالتزام.
وأشار كياتينج إلى أن الاتحاد الأوروبي قام بتحديث قانون الحظر لعام 1996، والذي يهدف إلى إزالة أو تحييد أو حظر أو مكافحة أي تهديد تشكله قوانين ولوائح دولة خارج التكتل على مصالح الاتحاد الأوروبي أو كياناته الشخصية والقانونية.
نظريا، يوفر هذا القانون الحماية للشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية التي سيعاد فرضها على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي، حيث سيتيح للشركات الأوروبية عدم الانصياع للقرارات الأمريكية كما يسمح للدول الأوروبية بفرض عقوبات على أي كيان يلتزم بقوانين الطرف الثالث، في هذه الحالة العقوبات الأمريكية ضد إيران.
وشدد كياتينج على أن هذا القانون الأوروبي المعدل لم يتم تجربته من قبل على الإطلاق، كما سيجبر الشركات الأوروبية ذات العلاقات التجارية مع إيران على الاختيار بين الخروج من النظام المالي الأمريكي الأقوى في العالم أو أن تبقى عرضة لسلطات إنفاذ القانون الأمريكي.
ورجح كياتينج أن الشركات الأوروبية التي تواجه تلك المعضلة ستسعى قدر الإمكان للاستفادة من بنود قانون الحظر الأوروبي؛ للحصول على استثناءات إذا تسبب عدم التزامها بقوانين أو عقوبات الطرف الثالث، الولايات المتحدة، في تهديد أعمال وتجارة تلك الشركات في إيران.
وعاد كياتينج مجددا إلى الهيئة الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب التي تحذر أعضاءها ومؤسساتها المالية منذ مدة طويلة من مخاطر الانخراط مع إيران، مشيرا إلى أن إيران وكوريا الشمالية وجدتا أنفسهما على القائمة السوداء للمنظمة لسنوات عديدة حتى علقت المنظمة وضع إيران على القائمة السواداء في يونيو/حزيران 2016 بعد توقيع الاتفاق النووي.
ورغم أن هيئة مكافحة غسيل الأموال أعادت التأكيد على تعليق إجراءاتها ضد إيران في اجتماعاتها الدورية منذ ذلك الحين، إلا أنها في فبراير/شباط الماضي أشارت إلى أن إيران لديها مجموعة من القصور المادية الهائلة، وهو ما ردت عليه طهران مرارا بأنه ليس بالضرورة أن تتبع الأعراف الدولية فيما يخص غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ولذلك أعلنت هيئة مكافحة غسيل الأموال، الجمعة الماضي، أن وضع إيران انتهت صلاحيته مع استمرارها في عدم الوفاء بأغلب بنود وإجراءات مكافحة غسيل الأموال، مطلقة تحذيرها الأخير لطهران حيث أمهلتها حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل لتتخذ الإصلاحات الضرورية وإلا ستقرر الهيئة إجراءاتها اللازمة والملائمة، وهي عودة إيران إلى القائمة السوداء.
وأشار كياتينج إلى الأهمية البالغة لبيان هيئة مكافحة غسيل الأموال التي أظهرت صبرا مهولا مع إيران، لكن البنوك الدولية والشركات التي تقيم التزامها المستقبلي بالاتفاق النووي الإيراني ستكون أقل صبرا.
وأوضح كياتينج أنه سواء أدرجت الهيئة إيران على القائمة السوداء أم لا، فإن بيانها الأخير رغم قصر المدة التي أملهتها لإيران قبل اتخاذ إجراءاتها، سيعطي دعما للولايات المتحدة والدول المناهضة للاتفاق النووي الإيراني، وهو ما سيؤدي إلى عزل إيران عن الاقتصاد العالمي مرة أخرى.