المخصبات الزراعية في غزة.. تدوير المخلفات لمواجهة الغلاء والبطالة
في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة، وكثرة إغلاقات المعابر، لجأ المزارعون إلى إعدادة تدوير المخلفات لتعويض غياب الأسمدة والمخصبات
ألقت سنوات الحصار بظلالها على قطاع غزة، فأضرت جميع مناحي الحياة، خصوصاً الزراعة، فغياب المراجع الضابطة لحماية المزارع والأسمدة المستوردة أدخل المهنة في مشاكل جمة، مما دفع المزارعين إلى التحايل على المسببات واللجوء إلى بدائل بسيطة تعينهم على قوت يومهم.
الحاجة أم الاختراع
المزارع صالح داود الأسطل، من محافظة خانيونس جنوب غزة، يقول لـ"العين الإخبارية"، إن الأراضي الزراعية في القطاع كانت تعتمد بشكل كبير على الأسمدة والمغذيات الزراعية والأدوية المستوردة، ولكن هذه المستوردات أصبحت رهينة المعابر، خصوصاً معبر "كرم أبوسالم" الذي يطرأ عليه الكثير من الإغلاقات بسبب أو بدون سبب.
يضيف: "ارتفعت أسعار المواد الزراعية بشكل خيالي فما عاد المزارع البسيط قادرا على شرائها، والموجودة ذات السعر الأقل مغشوشة، وصنعت بحيلٍ لفتح باب رزق لهم في ظل الظروف القهرية التي يعيشها سكان قطاع غزة".
ويتابع: "لهذا كله فكرت في إنشاء مشروع صغير، من خلاله أستطيع استخراج السائل المغذي للمحاصيل الزراعية، وسماد (الكمبوست) الطبيعي الخالي من المواد الكيماوية، من مخلفات زراعية وحيوانية، أي بعملية تدوير للمخلفات بدل رميها في الحاويات وعدم الاستفادة منها".
فكرة على ورق
يلفت الأسطل إلى أنه خطط لمشروعه كله على الورق، فصمم مجموعة من الأحواض الأسمنتية والخزانات البلاستيكية والدافع الكهربائي للسائل، وفتح علاقات مع مربي مواش ومزارعين أصحاب حمامات زراعية لأخذ المخلفات، كما شارك زملاءه من العاطلين عن العمل لتشغيلهم بالمشروع، وراسل العديد من الجهات الدولية والمحلية لتمويل المشروع، ليحصل على موافقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتمويله بمبلغ 5000 دولار، كمرحلة أولى إلى حين ظهور نتائج مرضية لدعم المرحلة الثانية.
يقول: "أقمنا المشروع على أرض الواقع في أرض مملوكة لي، وبنينا الأحواض الإسمنتية، وأقمنا الخزانات البلاستيكية، ولم نشتر الدافع الكهربائي لعدم تغطيته مالياً، واعتمدنا على أنفسنا برفع السائل من الأحواض إلى الخزانات، وبدأنا فعلاً باستخراج المخصب الغذائي للمحاصيل الزراعية، وننتظر مرحلة استخراج الكمبوست، الذي يحتاج إلى عمليات تخمير تخضع للزمن أقلها 3 أشهر في ظروف مخصصة".
أسمدة ومبيدات كيماوية
يفيد أحد التقارير الزراعية المنشورة أوائل 2019 بأن حجم المخصبات الزراعية المستخدمة سنوياً للخضراوات في قطاع غزة بلغ 12 ألف طن، منها 3500 طن من الأسمدة الكيماوية، والباقي أسمدة عضوية (سماد الدجاج أو الماشية).
أما مبيدات الآفات الزراعية فبلغ حجمها 893.3 طن، مكونة من 160 نوعا منها 19 محرمة دولياً، لما لها من آثار مدمرة للبيئة وخصوبة التربة والمياه.
ناهض عبدالحميد، رئيس جمعية خانيونس الزراعية، وضع ضوابط لاستخدام المبيدات والأسمدة وحتى المخصبات الزراعية، بعد استشارات من مهندسين زراعيين مختصين.
يقول: "إنشاء مصانع صغيرة لاستخراج مخصبات زراعية، فكرة جيدة في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة، وكثرة إغلاقات المعابر، الأمر الذي يترك أسواق الأدوية والأسمدة خاوية، مما يؤثر سلبياً على المحاصيل الزراعية، لذا جدّ بعض المزارعين القادرين على الإشراف والعمل الجيد في إنشاء مصانع صغيرة لاستخراج المخصبات الزراعية من مخلفات زراعية وحيوانية، واستخراج السماد الطبيعي الذي يطلق عليه اسم الكمبوست".
ويضيف لـ"العين الإخبارية"، أن إخضاع عملية استخدام هذه المواد الكيماوية لاستشارات من قبل مهندسين زراعيين مختصين هو الأهم لأن مشاكل التربة في قطاع غزة بدأت تزداد بسبب سوء استخدام الأسمدة والأدوية الزراعية وغيرها، لذا لا بد من عقد ورش توعوية للمزارعين لإرشادهم إلى الطرق الصحيحة في استخدام هذه المواد.
ويلفت عبدالحميد إلى ضرورة مطابقة المخصبات الزراعية قبل استخدامها للتربة، للمواصفات، لتفادي الأضرار الناجمة عن سوء الاستخدام فمعالجة أمراض التربة تحتاج مواد غالية الثمن وأوقاتا طويلة وهذا كله يكون على حساب المحاصيل وكمية الإنتاج.
فرصة عمل.. فرصة للرزق
عبدالله حسين، عامل في مصنع صالح الأسطل، يرى أن أهم ما يوفره المصنع لسكان القطاع يكمن في إمدادهم بفرص للعمل، بعد أن تعطّل لسنوات فدخل في حالة يرثى لها هو وأسرته.
يقول: "هذه المشاريع تفتح لنا أبواباً للرزق، ولو كبرت وتوسعت لاستوعبت أيادي عاملة كثيرة، وستكون علاجاً لأزمة البطالة المنتشرة، فأحد الخريجين الجامعيين وهو حامل شهادة هندسة إلكترونية يعمل معنا في هذا المشروع الصغير، ولو وجد له مكاناً أفضل وأنظف لما تأخر، ولكن الحياة في غزة تضطر الغالبية إلى التنازل عن المنازل التي يستحقونها لأنها لقمة العيش ومطالب الحياة".
الرقابة الحكومية.. قرارات لا ترى النور
قرر مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسة له في 2018، ضرورة إخضاع المخصبات الزراعية للرقابة الفنية من قبل وزارة الصناعة ووزارة الزراعة، وأن يكون الترخيص "خطيا" على تداول المخصب الزراعي، وفقاً للإجراءات الخاصة بذلك.
ولكن هذا القرار ظل حبراً على ورق في قطاع غزة، بسبب حالة الانقسام الداخلي، وعدم وجود سلطة الرقابة من قبل الجهات المختصة على المزارع، ولا على مصادر إنتاج المخصبات، لذا يبادر المزارع من خلال حاجاته الملحة لإنشاء مصانع صغيرة ومدعومة من جهات دولية ومحلية، لعله يسد العجز الموجود في سوق المخصبات والأسمدة، كما أن في صناعة المخصبات من المخلفات الزراعية والحيوانية فائدة أكثر حاجة وهي التغلب على ارتفاع أسعار المخصبات المستوردة من خارج قطاع غزة.
aXA6IDE4LjE4OC4yMjcuMTkyIA==
جزيرة ام اند امز