بالصور.. "مهرجان ثافسوث" حكاية مرئية لتراث "الشَّاوية" الجزائري
مع حلول شهر مارس من كل عام، يستقبل سكان المنطقة (إيشاوين) في الجزائر فصل الربيع بمهرجان يقام في مدينة "منعة".
"شهلي غي شم آثمورث إينوغ"، جملة باللهجة "الشَّاوية" الجزائرية، يتغنى من خلالها سكان هذه المنطقة بحبهم لبلادهم، ومعناها باللغة العربية "أحبك فقط أنت يا بلادي".
الشَّاوية هم أمازيغ الشرق الجزائري، الذين لديهم تاريخ يمتد إلى قرون، ومنها انطلقت الشرارة الأولى للثورة التحريرية ليلة الفاتح نوفمبر 1954، وبالتحديد من عاصمة الأوراس باتنة.
يقول شيخ المؤرخين الجزائريين، أبو القاسم سعد الله، إن معنى كلمة "الشَّاوية" عند المؤرخين لا تعني عرقا معينا، بل قد تضم داخلها عدة أعراق تحالفت مع بعضها، وليست مرتبطة بجبال أو هضاب، بل هي مرتبطة بمهنة الأجداد الشَّاوية، وهي تعني في جميع القواميس اللغوية "البدو رعاة الماشية".
كما نجد أن المؤرخ، ابن خلدون، يذهب إلى التعريف نفسه، حيث قال عن الشَّاوية: (ومن كان معاشه في السائمة مثل الغنم والبقر، فهم في الأغلب ظعن، أي يلجؤون للترحال، سعيًا وراء المسارح والمياه لحيواناتهم؛ إذ إن الترحال والتقلب في الأرض أصلح بهم، وهؤلاء هم من يُطلق عليهم اسم شاوية ومعناها "القائمون على الشاه والبقر).
يتكلم أهلها اللهجة "الشَّاوية" التي تعتبر من اللهجات الأمازيغية، وتنتشر بالأساس في عدد من ولايات الشرق الجزائري، وهي: أم البواقي، باتنة، تبسة، خنشلة، كما تستعملها نسبة لا بأس بها في قالمة، بسكرة، سطيف، قسنطينة، برج بوعريريج.
ويُرجع المؤرخون تعقيد اللهجة الشاوية وتنوعها حتى ضمن نطاق اللهجة إلى التاريخ الطويل والغني لمسيرة تطورها، وكذا لاحتكاك أهلها بحضارات عديدة، كالفينيقيين والرومان والوندال والبيزنطيين والعرب والأتراك والفرنسيين.
مهرجان سنوي للتراث الشَاوي
مع حلول شهر مارس/أذار من كل عام، أو كما يسمى باللهجة الشَّاوية "مغرس"، يستقبل سكان المنطقة (إيشاوين) فصل الربيع بمهرجان يقام في مدينة "منعة"، وهي مدينة صغيرة تقع في قلب الأوراس، تابعة إدرايا لولاية باتنة.
بدايات المهرجان كانت عبارة عن طقوس تحولت مع مرور السنين إلى مهرجان فولكلوري، يجذب مئات الزائرين من مختلف مناطق الجزائر، حيث يحتكون بأهازيج الشَّاوية وتراثهم الفلكلوري الثري.
مهرجان منعة يسمى "ثافسوث"، وهي كلمة شاوية أمازيغية جاءت من كلمة (ثَــفْــسَ) بمعنى "أورقت في الربيع فتبتهج الدنيا ويبتهج معها الإنسان"، حيث تنظمه "الجمعية الثقافية التراثية ثافسوث منعة"، بهدف استظهار الموروث الثقافي الشاوي.
وإضافة إلى النشاطات المختلفة التي يتضمنها المهرجان، من عروض للأطفال، كالمسرحيات الفكاهية والقصص، إضافة إلى المحاضرات والشعر والمعارض التي تُبرز عادات وتقاليد المنطقة من ألبسة ومأكولات وغيرها، فإن لليوم الأخير من هذا المهرجان طقوسه الخاصة.
وفي المهرجان تخرج النساء (كعادتهن منذ عقود) إلى المروج في مجموعات لإحضار حُزم من الحلفاء والأعشاب التي تصنع منها كرة تسمى" ثاكورث"، وهي عبارة عن كرة مشكلة من حشائش مختلفة وضفائر الحلفاء وشمع العسل، لينطلق بعدها موكب تتقدمه النسوة والخيالة وفرق البارود والموسيقى الفولكلورية نحو المنطقة الأثرية في منعة التي تسمى "الدَّشْرة"، حيث تقام "لعبة ثاكورث التقليدية العريقة" التي تشبه رياضة "الهوكي"، ليختتم المهرجان بعروض موسيقية فلكلورية من تراث الشَّاوية.
غير أن منظمي هذا المهرجان، وكذا سكان مدينة منعة، ظلوا لسنوات يطالبون بترميم "دشرة منعة" التي تعتبر معلما أثريا يفوق عمره 700 سنة، وكذا تصنيفه وحمايته باعتباره معلما معماريا وأثريا، وأيقونة للعمارة الشاوية، الذي لا يزال واقفا بفضل سكان المنطقة وجميعاتها، والغريب أيضا أن هذا المهرجان ليس مُرسما ضمن المهرجانات التي تقام في الجزائر، وتبقى مطلبا لسكان منعة بضرورة ترسيم "ثافسوث" بوصفه مهرجانا سياحيا ثقافيا، يملك كل المقومات ليتحول إلى مناسبة سياحية وثقافية دولية.