الفيفا أمام قرار تاريخي منتظر ينقذ فيه سمعته، ومكانته الدولية، ويضع حدا لأي دولة قد تسلك طريق قطر للتلاعب بالتصويت.
تتوالى التسريبات الإعلامية عن ملف استضافة قطر كأس العالم 2022؛ كان أحدثها ما كشفته صحيفة الصنداي تايمز البريطانية عن وثائق تشير إلى أن مستشارين قطريين حاولوا التدخل في عروض المنافسة للمونديال ونزعه من الولايات المتحدة وأستراليا بشكل غير قانوني، إلى جانب التعاقد مع متنفذين لتصدير انطباعات بأن ملفات الدول المنافسة لا تلقى دعماً داخلياً.
كذلك ما أعلنه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) السيد جوزيف بلاتر في تغريدة على حسابه عن تدخل الرئيس الفرنسي السابق نيوكولا ساركوزي لدى نائب الفيفا ميشيل بلاتيني لفوز قطر باستضافة المونديال، وما وعد به في تغريدة أخرى من أن كتابه الجديد بعنوان «حقيقتي» يحمل معلومات كثيرة في الفصل العاشر حول الأخبار القطرية السيئة.
كيف يثق الفيفا بدولة تدعم الإرهاب لتنظيم كأس العالم، وتوظّف المال السياسي للتلاعب بالتصويت في أهم مناسبة ينتظرها العالم كل أربع سنوات؟ ثم كيف يضمن النجاح لبطولة تقام في جزيرة معزولة، ومنطقة غير مستقرة من الحروب المتواصلة؟
هذه التسريبات مهمة في توقيتها بعد انتهاء مراسم كأس العالم في روسيا، حيث من المفترض أن يتفرغ الفيفا لحسم الجدل حول ملف قطر المشبوه لتنظيم المونديال المقبل، ومراجعة جميع التقارير والوثائق التي تثبت تورطها في دفع رشى مالية ضخمة لمتنفذين ورؤساء اتحادات دولية، فضلاً عن تدخلات سياسية لا تليق بمنظمة دولية تنادي بفصل الرياضة عن السياسة.
الضغوطات التي أخذت تتصاعد على إدارة الفيفا الحالية لا يجب السكوت عنها، أو تجاهلها، أو التقليل منها؛ لأسباب كثيرة أهمها حماية أخلاقيات اللعبة من أي تجاوزات مشبوهة، وتعزيز المنافسة العادلة بين المتقدمين للاستضافة، كذلك تطهير الفيفا من أي شبه فساد قد تطالها، وهو ما يعني باختصار إعلان لجنة تقصي حقائق محايدة حول ما يثار عن ملف قطر، لأن من تحدّث عن التدخل السياسي في عملية التصويت هو رئيس سابق للفيفا، وهو أيضاً مَن أعلن فوز قطر، ومن ساعد كذلك على استكمال مسرحية الإعلان مقابل عدم ترشح محمد بن همام لمنصب رئيس الفيفا، وبالتالي يجب عدم السكوت عن تلك الحقائق، وضرورة التعامل معها بجدية إذا ما أراد الفيفا تحقيق النزاهة وتعزيز الثقة بعمله ولعبته الشعبية.
ضغوطات أخرى تواجه الفيفا تجاه قطر الدولة وليس الملف المشبوه من أوله إلى آخره، وتحديداً في هذه المرحلة، حيث ثبت تورط قطر بما لا يدع مجالاً للشك في دعم الإرهاب وتنظيماته وأحزابه، وآخرها «فدية القرن» التي تسلمها الإرهابي قاسم سليماني ومليشياته نقداً بقيمة مليار دولار، إلى جانب نشر الفوضى وتجارة السلاح في المنطقة، ودعم الثورات العربية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من البشر، يضاف إليها إيواء إرهابيين مطلوبين للعدالة في بلدانهم، وأسوأ من ذلك دعم إعلام رخيص يظهر على قنواته من يفتي بجواز العمليات الإرهابية، وتسييس الرياضة في مهمة تشويه الحقائق، والنيل من الرموز الوطنية، وتأزيم الرأي العام.
السؤال الكبير: كيف يثق الفيفا بدولة تدعم الإرهاب لتنظيم كأس العالم، وتوظّف المال السياسي للتلاعب بالتصويت في أهم مناسبة ينتظرها العالم كل أربع سنوات؟ ثم كيف يضمن النجاح لبطولة تقام في جزيرة معزولة، ومنطقة غير مستقرة من الحروب المتواصلة؟
لو فكّر الفيفا بكثير من العقلانية فضلاً عن الوثائق التي تدين قطر؛ لوجد نفسه مضطراً أن يعلن سحب تنظيم قطر للمونديال من الإجابة عن تلك التساؤلات المثارة على أكثر من صعيد، إلى جانب أن المبررات القانونية لن تأخذ وقتاً طويلاً في إثباتها، والاتكاء عليها كمسوغ لقرار السحب، ويكفي شهادة جوزيف بلاتر للإدانة، وكتابه المنتظر «حقيقتي» لتوضيح «ما خفي أعظم»!.
الفيفا أمام قرار تاريخي منتظر ينقذ فيه سمعته، ومكانته الدولية، ويضع حداً لأي دولة قد تسلك طريق قطر للتلاعب بالتصويت، أو توزيع رشى مالية لكسب المزيد من الأصوات لصالحها، وهذا القرار لا يحتمل التأخير على الأقل حماية إنسانية وقانونية لآلاف العمال الذين يواجهون الموت كل يوم في جزيرة لا تملك مقومات استضافة حدث عالمي، إلى جانب مقاطعة جيرانها لها لأسباب تتعلق بالأمن والاستقرار في المنطقة.
سؤال أخير لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السيد جياني إنفانتينو: كيف لدولة عجزت عن حماية أرضها وشعبها واستدعت جنوداً من دول أخرى لضمان ذلك، أن تحمي مئات الآلاف من المشجعين الذي سيحضرون لمتابعة مباريات المونديال؟
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة