نظام "المرجعقراطية" على العكس تماما من الديمقراطية، وليس حكما ثيوقراطيا إلهيا مباشرا، وإنما هو حكم ظاهره وسائل الديمقراطية.
منذ عصر اليونانيين القدماء، قبل أكثر من ألفي عام، عرف العالم أنظمة للحكم مختلفة ومتعددة أشهرها الديمقراطية والأرستقراطية والأوتوقراطية.. جميعها تنتهي بمقطع "قراطية" أو "كراتوس" باليونانية، وتعني "حكم" أو "سلطة"، وتختلف بداية كل منها طبقاً لطبيعة من يتولى السلطة؛ فإذا كانت السلطة للشعب الذي يعني باليونانية "ديموس" كان الحكم ديمقراطيا؛ أي حكم الشعب، وإذا كانت للنخبة التي يطلق عليها اليونانيون "ارستوس"، كان الحكم للأقلية المميزة في المجتمع، وكان حكما أرستقراطيا، وإذا كانت السلطة في يد فرد واحد فرض نفسه ولم يختاره الشعب كان الحكم أوتوقراطياً.
جميع الأحزاب الأيديولوجية سواء السنية منها مثل الإخوان، أو الأحزاب الشيعية التي توجد في العراق ولبنان يتناقض فكرها جوهريا مع قيم ومبادئ الديمقراطية، رغم أنها تستخدمها بطريقة برجماتية ذرائعية للوصول إلى نظام "المرجعقراطية".
وفي عصرنا هذا أضاف فكر ولاية الفقيه، الذي بني على أن الفقيه المجتهد هو نائب عن الإمام الغائب الذي كان ينبغي أن يحكم المسلمين نيابة عن الله سبحانه، وباسمه، ويتلقى الرؤى والأفكار مباشرة عنه، بحيث لا يُرد له قول ولا يُراجع له حكم، ولا يُناقش له رأي، لأن كل ما يقوله هو وحي يوحى، هذ الفكر الكهنوتي أسس لنظام حكم جديد لم تعرفه البشرية من قبل؛ هو نظام "المرجعقراطية"، أي حكم المرجع الديني الذي هو في عصرنا علي خامنئي، أو علي السيستاني، كلاهما مرجع لنظام سياسي كامل، الأول لإيران والثاني للعراق، وبالطبع الثاني تابع للأول.
فماذا يعني نظام "المرجعقراطية"؟.. بعد تأمل لواقع وممارسات هذا النوع من نظم الحكم في إيران والعراق نجد أنه يقوم على وجود شخص واحد يملك العقل والفكر والإرادة، ومعه عشرات الملايين بلا عقل ولا فكر ولا إرادة، يقفون كالبلهاء العاجزين منتظرين تصريحات وكيل المرجع وتوجيهاته في أي موضوع أو قضية، وما أن ينطق وكيل المرجع حتى ينطلقوا بلا عقل ولا تفكير كالآلات في الاتجاه الذي أشار إليه المرجع، إنها حالة جديدة على البشرية لم تعرفها في تاريخها الطويل إلا بعد ثورة الخميني في إيران 1979.
في نظام "المرجعقراطية" يكون هناك صوت واحد في الدولة والمجتمع، وباقي الأصوات مجرد أصداء باهتة له، أو رجع صوت ضعيف، فعلى مدى الأسابيع الماضية خرجت مظاهرات في جنوب العراق، وهي نفس المناطق التي تنتمي إليها الحكومة الطائفية هناك، تطالب هذه المظاهرات بأبسط المطالب الإنسانية: الماء والهواء، حيث لا كهرباء تأتي للبشر بهواء يصلح للتنفس، بعد أن قطع نظام "المرجعقراطية" الإيراني الكهرباء عن جنوب العراق، ولا مياه لأهل الجنوب بعد تآمر سلطان السنة أردوغان عليهم، وإمام الشيعة خامنئي ببناء السدود وتحويل الأنهار في تركيا وإيران.. لم تلتفت الحكومة الطائفية لأصوات الملايين لأنها لا قيمة لها، وما أن تحدث وكيل المرجع حتى انتفض مجلس الوزراء لتلبية أوامر المرجعية.. هكذا يعمل نظام "المرجعقراطية"، هناك صوت واحد في الدولة والمجتمع له وزن وقيمة، والباقي ضوضاء يجب التخلص منها.
في نظام "المرجعقراطية" لا قيمة لكل أدوات الديمقراطية سواء الانتخابات أو المظاهرات أو البرلمانات، أو أي أشكال المعارضة والتعبير السياسي، لأن الديمقراطية تقوم على مبدأ صوت لكل مواطن، بحيث يكون لكل صوت قيمة ووزن وتأثير، أما نظام "المرجعقراطية" فهناك صوت واحد لمواطن واحد وهو المرجع الأعلى، أو المرشد العام أو أردوغان، والباقي عبارة عن أصداء لهذا الصوت.
لذلك فإن تطبيق القواعد الديمقراطية مع نظام ولاية الفقيه، أو مع الأحزاب التي تقوم على نفس الفكر مثل الإخوان المسلمين وكل امتداداتهم في تركيا وغيرها، هو نوع من الخداع، لأن هذه الأحزاب والمجتمعات التي تؤمن بوجود مرجع أعلى أو مرشد عام يقرر ويختار، والجميع لا يملكون إلا السمع والطاعة، هذه الأحزاب لا قيمة لأصوات الأفراد مهما بلغ عددهم بالملايين أو بعشرات الملايين، لأنهم جميعا قد تنازلوا مختارين طائعين بكامل إرادتهم عن إرادتهم وعن حقهم في الاختيار، وفي القرار للمرشد العام أو المرشد الأعلى أو المرجعية أو لشخص أردوغان.. هنا تكون أرقام صناديق الاقتراع زائفة ومضللة لأنها لم تنبع من اختيار فردي وإنما تمت بقرار من المرجع أو المرشد، وتحركت ملايين الآلات أو الروبوتات التي تمت برمجتها بإرادة المرشد.
جميع الأحزاب الأيديولوجية سواء السنية منها مثل الإخوان، أو الأحزاب الشيعية التي توجد في العراق ولبنان يتناقض فكرها جوهرياً مع قيم ومبادئ الديمقراطية، رغم أنها تستخدمها بطريقة برجماتية ذرائعية للوصول إلى نظام "المرجعقراطية"، هذه الأحزاب تحرك أتباعها كالآلات أو الروبوتات، لا يملك الفرد من الأتباع حق الاختيار في التصويت، وإنما يصوّت ويختار من اختاره المرجع أو المرشد، وهو لا يعرف لماذا يختار، لأنه يختار من اختاره صاحب القرار في الجماعة أو الحزب، وهذا في حد ذاته ضد قيم الديمقراطية التي تعتمد على ضمائر الأفراد الأحرار الذين يختارون خلف الستارة ما تمليه عليهم ضمائرهم، وهذا هو جوهر مفهوم الجماعة في الإسلام، وتطبيق عملي للحديث الشريف "لا تجتمع أمتي على ضلالة" لأنه من المستحيل عقلاً أن يجمع الأفراد مختارين أحراراً على شيء ويكون فيه الخطأ أو الضلال.
لكن الأحزاب الأيديولوجية التي تعتمد نظام "المرجعقراطية" لا تقوم على ذلك، حيث هناك إنسان واحد، وعقل واحد، وضمير واحد، والباقي عدم معدوم لا قيمة له إلا في تنفيذ إرادة المرجع، لذلك فإن التعامل مع هذه الأحزاب بقواعد الديمقراطية هو عملية خداع تاريخية تتعارض مع أبسط قواعد ومبادئ الديمقراطية، حيث يتم توظيف وسائل الديمقراطية مثل الانتخابات لصوت واحد هو صوت المرجع أو المرشد الذي سيتحول بعقلية القطيع إلى عشرات ملايين الأصوات، وهذا مع حدث في التصويت للأحزاب الدينية في مصر وتركيا والعراق وغيرها، الأتباع يختارون ما قرره لهم وعليهم المرشد أو المرجع، ولا يملك أحد منهم إرادة غير ذلك.
إن نظام "المرجعقراطية" على العكس تماما من الديمقراطية، وليس حكما ثيوقراطياً إلهياً مباشراً، وإنما هو حكم ظاهره وسائل الديمقراطية: كالانتخابات والبرلمانات وغيرهما، وباطنه اختزال الشعب في شخص واحد هو المرجع الأعلى أو المرشد العام، فهو نوع من الثيوقراطية المقلوبة، حيث الحاكم لا يستمد شرعيته من الله، وإنما يستمد شرعيته من مواطن من مواطني الدولة؛ هو المرجع أو المرشد، وهو الذي يتحدث باسم الله سبحانه. إنه نموذج كارثي سوف يتوسع ويتمدد ويدخل العالم العربي في حالة من التخلف، يكثر فيها مَن يتجاهلون شعوبهم ويتحدثون زوراً باسم الله سبحانه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة