تعليم الفتيات ومنع اللحوم.. سيناريو جديد ومختلف لكبح تغير المناخ
ابتكر فريق من العلماء سيناريو جديدا يقدم تفكيرا مختلفا حول استخدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
في بحث جديد نُشر هذا الأسبوع، أظهر الباحثون من جامعة ولاية أوريغون أن المزيد من التعليم للفتيات والنساء، وتحقيق المساواة في الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم، والتغيير الجذري في النظم الغذائية والممارسات الزراعية، من بين أهداف أخرى، قد يساعد العالم على كبح تغير المناخ.
قال ويليام ريبل، عالم البيئة بجامعة ولاية أوريغون، المؤلف الرئيس للبحث: "إذا كنا نطمح حقًا إلى أن نكون أفضل ما يمكن أن تكون عليه البشرية، فيجب أن تكون العدالة الاجتماعية والاقتصادية في مقدمة وقلب حلول أزمة المناخ، والوقت الآن مناسب ليكون هذا جزءًا من النقاش.".
- الغليان العالمي.. كيف نبه COP28 العالم من الخطر القادم؟
- منتدى دولي في باريس.. العالم يجني ثمار مبادرات COP28 بشأن البناء
سيناريو جديد
يستخدم مصممو نماذج المناخ في جميع أنحاء العالم حاليًا 5 سيناريوهات، تُعرف باسم المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، لرسم مستقبل مناخ الأرض.
تقدم السيناريوهات، التي نشرها لأول مرة في عام 2016 فريق دولي من علماء المناخ والاقتصاديين، 5 طرق بديلة لكيفية تطور العالم في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة، بما في ذلك النمو السكاني، والتقدم التكنولوجي، والحصول على الصحة والتعليم والنمو الاقتصادي.
تُفيد هذه السيناريوهات التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، والتي توفر لصانعي السياسات تقييمات منتظمة حول تأثيرات المناخ وحلولها، وتكون بمثابة خط أساس علمي في المفاوضات الدولية لمعالجة تغير المناخ.
يتوقع السيناريو الخامس، وهو الأفضل بين السيناريوهات، عالما يتسم بالنمو الأكثر تركيزا على الاستدامة، وانخفاض الانبعاثات، وتزايد المساواة، وهو الوحيد الذي يفترض أن الأرض ستصل إلى أهداف اتفاقية باريس، والتي تشمل الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية، فوق مستويات ما قبل الصناعة.
لكن باحثو جامعة ولاية أوريغون أدركوا أنه حتى أفضل السيناريوهات لا يذهب بعيداً بما فيه الكفاية فيما يتعلق بالمساواة والعدالة الاجتماعية، لأنه متجذر في النمو الاقتصادي المرتبط بارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة.
لذا وضعوا سيناريو جديدًا، يختلف تمامًا عن السيناريوهات الخمسة المعروفة، وهو أكثر تركيزًا على الإنصاف، ومن شأنه أن يوفر صورة أكثر شمولاً لما يمكن أن ينتظرنا، وكذلك يساعد صناع القرار على الاستعداد لمستقبل مستدام قد يبدو مختلفًا إلى حد كبير عن النموذج الحالي للنمو السكاني والاستهلاكي.
"المسار التصالحي"
أطلق الفريق البحثي على السيناريو الجديد اسم "المسار التصالحي"، وهو يفترض أن تغير المناخ لا يكون مدفوعًا فقط بالنمو الاقتصادي وانبعاث الكربون، بل هو عرض لمشكلة أكبر تسمى التجاوز البيئي، أو الإفراط في استغلال موارد الأرض، وأن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ترتبط ارتباطا وثيقا بهذا التجاوز.
بموجب السيناريو المقترح، سوف يتعادل الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2100، ومن الناحية العملية، يعني هذا تباطؤًا في الاستهلاك في الدول الغنية بالشمال العالمي.
قال ريبل إن الناتج المحلي الإجمالي المرتفع يرتبط بارتفاع الانبعاثات، كما أن الجهود المبذولة لفصل نمو الناتج المحلي الإجمالي عن الانبعاثات لم تصل إلى المستوى المطلوب حتى الآن، لذا فإن انخفاض استهلاك الدول الغنية من شأنه أن يقلل تلك الانبعاثات بشكل كبير.
أظهر الباحثون في تحليلهم أن التعليم الأفضل للفتيات والنساء من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض معدلات الخصوبة، مما يؤدي إلى إبطاء النمو السكاني على الأرض.
في المقابل، سيستخدم عدد أقل من السكان موارد وأراضي أقل، ما يعني انبعاثات أقل، وبيئة أكثر صحة.
كما يعد الاعتماد على نطاق واسع للأنظمة الغذائية النباتية، وممارسات الزراعة المتجددة، والاستخدام الأكثر كفاءة للأسمدة من الافتراضات الرئيسة في السيناريو.
قال ريبل: "يعد تناول النباتات بدلاً من اللحوم ومنتجات الألبان أحد أهم الأعمال البيئية التي يمكننا القيام بها عدة مرات كل يوم".
وفقا للباحثين، فإن هذه التغييرات ستؤدي إلى انخفاض في التعدي على الغابات التي تتحول إلى أراضٍ زراعية وأراضٍ لرعي الماشية لتأمين الغذاء، مما يعزز مستقبلًا دور الغابات في الحفاظ التنوع البيولوجي واحتجاز الكربون.
من شأن هذه الممارسات أيضًا أن تقلل من أكسيد النيتروز، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية المرتبطة بالاستخدام الزراعي الذي لا تضعه السيناريوهات الأخرى في الاعتبار.
قال ريبل: "يمكن لهذه العوامل أن تعمل جنبًا إلى جنب لتحقيق مستقبل مثالي، نحن بحاجة إلى التركيز على العدالة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية بشكل أكبر في تخطيطنا للمناخ".
للتوصل إلى السيناريو المستقبلي الجديد، فحص فريق البحث مجموعة متنوعة من البيانات المناخية والاجتماعية والاقتصادية التي تعود إلى 500 عام، ثم قام بنمذجة البيانات حتى عام 2100.
وجدوا أن استهلاك البشرية للموارد تسارع بشكل كبير بعد منتصف القرن التاسع عشر، مما أدى إلى تأثيرات شديدة على البيئة.
لكن في ظل السيناريو المقترح حديثا، فإن العلامات الحيوية الكوكبية الرئيسة، من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي ومساحة الأراضي الزراعية إلى الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، ستشهد تحولا كبيرا للأسفل.
بصمة أصغر
لتحقيق السيناريو الجديد، ستضطر البلدان إلى إقرار سياسات جديدة وصارمة، مثل ضريبة الكربون، لإجبار الأثرياء على دفع المزيد مقابل انبعاثاتهم.
سيتعين على البلدان أيضًا إعطاء الأولوية للتعليم والحفاظ على الطبيعة وتغيير النظام الغذائي، وكلها تغييرات صعبة بالنسبة للكثير من الدول النامية.
قال ريبل: "إذا لم نناقش السيناريو المستقبلي الأكثر استدامة، فلن تكون أمامنا فرصة كبيرة لأن يصبح ذلك حقيقة".
حث البحث خبراء المناخ والسياسيين في جميع أنحاء العالم على استخدام السيناريو الجديد للنظر في حلول المناخ بطريقة أكثر شمولية ووضع أهداف أكثر شمولاً لمستقبل المجتمع البشري.
وإلى جانب تشجيع الدول على معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري وعدم المساواة في أسرع وقت ممكن، قال ريبل إن كل شخص يمكن أن يتبنى بصمة كربونية أصغر عن طريق شراء كميات أقل من السلع، واختيار المشي أو ركوب الدراجة بدلاً من القيادة، وتعليق الملابس لتجف بدلاً من استخدام المجفف، والتقليل من أكل اللحوم لأدنى درجة.
رغم النتائج المبشرة، لا يزال العلماء بحاجة إلى إجراء حسابات ونماذج أكثر دقة للتأكد من أن السيناريو الجديد معقول ومتسق داخليًا.