ليست كلها كارثية.. تقرير يرصد الوجه الآخر للتغيرات المناخية
خفض وفيات الشتاء وازدهار الزراعة وفتح ممرات بحرية جديدة
يعتبر تغير المناخ قضية حاسمة في عصرنا، ويقصد به التحولات طويلة الأجل في أنماط الطقس ودرجات الحرارة.
وقد تكون هذه التحولات طبيعية سببها تغيرات في الدورة الشمسية، ولكن منذ بداية القرن التاسع عشر أصبح الإنسان السبب الرئيسي في تفاقم قضية تغير المناخ، وذلك من خلال أنشطته المختلفة المتمثلة بحرق الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم والغاز.
تتسبب التغيرات المناخية بآثار غير مسبوقة على الأماكن الجغرافية المختلفة التي يستقر فيها الإنسان ويمارس نشاطاته عليها، مثل الزراعة والبناء، كما أصبحت تشكل تهديداً على مقومات حياة البشر على الأرض، لما تسببه من فيضانات وأعاصير وموجات جفاف حادة، وارتفاع مستوى سطح البحر، بل وتؤثر أيضاً على النظم البيئية، وتنذر بمزيد من تدهور التنوع البيولوجي.
في المقابل، قد يكون للتغيرات المناخية بعض التأثيرات الإيجابية من جهة أخرى، فعلى سبيل المثال، قد يكون لارتفاع درجات الحرارة، وهطول الأمطار بغزارة، تأثيراتٌ سلبية في بعض المناطق، في حين أنها يكون لها تأثيرات إيجابية في مناطق أخرى.
الآثار الإيجابية لتغير المناخ
يطغى على كثير من الأوساط العلمية والمؤتمرات والمحافل الدولية، بطبيعة الحال، مناقشة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وآثارها على البيئة وعلى الإنسان، لكن قليلاً ما يتم تسليط الضوء على الآثار الإيجابية، التي من الممكن أن تتسبب بها التغيرات المناخية على المدى البعيد.
العديد من الدراسات ناقشت التأثيرات والاتجاهات المناخية المستقبلية، بشقيها السلبي والإيجابي، من ضمنها دراسة لمنظمة «انقذ الأرض»، أو (Saving the Globe)، تؤكد أن التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية ليست بالضرورة جميعها «كارثية»، وإنما قد تكون لها تأثيرات إيجابية، قصيرة أو طويلة الأجل، بشكل مباشر أو غير مباشر.
تستعرض «العين الإخبارية» أبرز هذه التأثيرات الإيجابية للتغيرات المناخية، وفقاً لما ورد في الدراسة، التي جاءت بعنوان «إيجابيات تغير المناخ : هل هي موجودة حقاً؟»، إضافة إلى دراسات وتقارير أخرى، تقدم بعض ملامح الوجه الآخر للتغيرات المناخية.
ازدهار الزراعة وزيادة معدلات نمو النبات
في بعض المناطق، التي تتأثر بارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ، يبدأ فصل الربيع مبكراً، كما يطول الموسم الزراعي، ولهذا الأمر تأثيرات إيجابية على زراعة المحاصيل، واستفادة المزارعين منها، بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في بعض المناطق، إلى جعل النباتات والمحاصيل أكثر تحملاً للجفاف، كما يساعد في نموها بشكل أفضل.
يعتبر ثاني أكسيد الكربون مادةً خام تُصنع منها النباتات الكربوهيدرات، ومن ثم الدهون والبروتينات، وهو غاز نادر تحتاجه النباتات أثناء عملية النمو، وتكافح لامتصاص ما يكفي منه، حيث أدى الاحتباس الحراري لزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء في القرن الماضي، بمعدل يتراوح بين 0.03% إلى 0.04%، مما يعزز قدرة النباتات على تصنيع طعامها، والذي يتمثل في الكربوهيدرات والبروتينات والدهون.
تؤكد الدراسة أن الاحتباس الحراري كان له تأثير ملموس على معدلات نمو النبات، كما أنه قد يستفيد المزارعون في بعض المناطق الزراعية، من بداية الربيع مبكراً، ومن موسم دافئ أطول مناسب لزراعة المحاصيل، ورفع نسبة إنتاجيتها.
انخفاض معدل الوفيات في فصل الشتاء
تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير في فصل الشتاء، حيث يشكل البرد عامل تهديد لحياة الإنسان في المناطق شديدة البرودة، خاصةً للفئات الضعيفة، مثل كبار السن والفقراء، حيث تتسبب فصول الشتاء الباردة خصوصاً، في ارتفاع حالات قصور القلب، بشكل أكبر بكثير من ارتفاع الوفيات خلال موجات الحر.
ويشكل الاحتباس الحراري عاملاً مساهماً في رفع معدل درجات الحرارة، وخفض حالات الوفاة التي يتسبب بها البرد الشديد، ويعود تغير المناخ والاحتباس الحراري بالنفع على الفقراء، وهم الأكثر عرضة للوفاة بسبب البرد الشديد، وذلك لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف التدفئة، مما يسهم في تقليل الوفيات الناجمة عن البرد.
تراجع المجاعات بمنطقة الساحل الأفريقي
تتميز منطقة الساحل الأفريقي بأنها منطقة شبه قاحلة، تقع في غرب وشمال وسط قارة أفريقيا، تمتد من السودان شرقاً، حتى السنغال غرباً، وبسبب زيادة هطول الأمطار، وارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في هذه المنطقة، نتيجة التغير المناخي، فقد ساهم هذا في تقليل المجاعة في الساحل الأفريقي، كما ازدادت المساحات الخضراء، التي وفرت الكلأ للحيوانات هناك، مثل الغزلان والماعز.
تأثيرات إيجابية بمناطق الغابات والمحيطات
تؤكد الدراسة أن هناك تأثيرات إيجابية للتغيرات المناخية على الصعيد البيئي، من أبرزها زيادة الغطاء النباتي في خطوط العرض الشمالية، بالقرب من مناطق القطب الشمالي، بالإضافة إلى ما قد تتعرض له بعض أجزاء المحيطات من زيادة في الكتلة الأحيائية للعوالق، كما أن التغير المناخي قد يطال منطقة الأمازون بتأثيراته الإيجابية، من خلال زيادة خضرة الغابات المطيرة، وتعزيز نمو النباتات فيها.
ممرات مائية جديدة أمام حركة الشحن التجاري
تتسبب التغيرات المناخية في ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي، ومن المتوقع أن تستفيد حركة الشحن التجاري على المدى الطويل من هذا الأمر، إذ أنه سيؤدي إلى إبقاء الممر الشمالي الغربي مفتوحاً لفترات طويلة في العام، وهذا الممر هو طريق شحن يربط المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، وتكمن أهميته في أنه يقلل من مدة وتكلفة الشحن بالنسبة للشركات التي تسافر من آسيا إلى أمريكا الشمالية.
كما يمكن أن يؤدي ذوبان الجليد في القطب الشمالي إلى فتح ممرات شحن جديدة، تخضع حالياً للدراسة، أو ينظر إليها على أنها معابر محتملة.
انخفاض فواتير التدفئة واستهلاك الكهرباء
يؤدي الاحتباس الحراري إلى خفض فواتير التدفئة حتى الآن، أكثر مما يؤدي إلى زيادة فواتير التبريد، وفي حالة استخدام منظومات لكفاءة الطاقة في المنازل، فمن المُحتمل أن تتجاوز تكلفة التبريد، في وقت ما، تكلفة التدفئة، كما يساهم استغلال الطاقة الشمسية، والاعتماد عليها في توليد الطاقة، وفي تسخين المياه والتدفئة، في خفض التكلفة العامة للاستهلاك الكهربائي بشكل عام.