بعد مؤتمر الأطراف «COP28» في دبي.. ماذا يحتاج العالم لإنقاذ الأرض؟
خطة تحرك على 5 مسارات لوقف فوضى المناخ
تمثل مؤتمرات أطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ فرصة لقادة العالم للاتفاق على آليات للحد من فوضى المناخ، أو التكيف معها.
جاء مؤتمر الأطراف «COP28» في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، باعتباره فرصة محورية لتصحيح المسار، وتسريع العمل لمعالجة أزمة المناخ، في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، وتزايد وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة، التي باتت تؤثر في حياة الناس بمختلف أنحاء العالم.
ورغم الجهود الحثيثة والمعترف بها للحد من تغير المناخ، بما في ذلك القرارات والمبادرات التاريخية وغير المسبوقة، التي أسفر عنها مؤتمر «COP28»، ترى كثير من المنظمات الإقليمية والدولية، المعنية بالعمل المناخي، أن العالم مازال بحاجة ماسة لجهود أكبر وأكثر عمقاً على كل المستويات، لمواجهة تلك المشكلة، التي تهدد الإنسان والحيوان والنبات في كل بقاع الأرض.
ويعتبر الخبراء أن تشتت الجهود الدولية، والأزمات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم، وتزايد المخاوف بشأن مخاطر مستقبلية محتملة، جميعها عوامل تدفع إلى اتخاذ إجراءات بطيئة، أو دون تنسيق، للتخفيف من حدة التغيرات المناخية والتكيف مع تداعياتها، مما يتسبب في مزيد من الظواهر المتطرفة، وفقدان التنوع البيولوجي.
كما أن الخسائر المباشرة الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر، وحرائق الغابات، بالإضافة إلى العواقب غير المباشرة، مثل انخفاض إنتاجية المحاصيل، والصراع للوصول إلى الموارد الأساسية، وتزايد حركات الهجرة المناخية، سوف تهدد سبل عيش كثير من الشعوب في أنحاء العالم، لاسيما في الدول النامية.
في مواجهة كل هذه العوامل، التي من شأنها أن تدفع مناخ الأرض إلى مزيد من الفوضى، يستعرض تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لرئاسة الحكومة المصرية، خطة تحرك عاجلة على عدة مسارات، لإنقاذ الكوكب من تداعيات كارثية للتغيرات المناخية، وكبح جماح الاحتباس الحراري.
- عالم ما بعد COP28.. التعهدات المناخية فتحت باباً واسعاً للتمويل المستدام
- 6 قضايا مناخية كبرى وجه COP28 العالم نحوها
تعزيز الاستثمارات في مجال التحول نحو الطاقة النظيفة
يشير التقرير، الذي حصلت «العين الإخبارية» على نسخة منه، إلى البلدان النامية تواجه تحديات في صياغة واعتماد سياسات واستراتيجيات خاصة بالطاقة المتجددة، ففي حين أن ثلثي البلدان على مستوى العالم قد سنت سياسات وقوانين خاصة بالطاقة المتجددة، فإن نصف البلدان الأقل نمواً (LDCs)، وثلث الدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDS) فعلت ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه في إطار مجال تكنولوجيات الطاقة النظيفة، كانت الجهود الرامية إلى تطوير أطر قانونية وتنظيمية شاملة، تقتصر إلى حد كبير على الاقتصادات المتقدمة والناشئة الكبيرة، وعليه، فإن هناك حاجة ملحة إلى أطر سياسية أكثر توازناً، خاصة في الدول النامية، لتحفيز الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في التحول العالمي من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة أكثر استدامة.
وفي هذا السياق، فقد عمدت الاقتصادات المتقدمة والناشئة إلى دمج آليات تشجيع الاستثمار الخاص في أكثر من 70% من سياساتهما المتعلقة بالطاقة المتجددة، ولكن بالنسبة للبلدان الأقل نمواً، والدول الجزرية الصغيرة النامية، تبلغ الأرقام 24% و17% فقط على التوالي.
وفي الوقت الحالي، تواجه البلدان النامية فجوة استثمارية تبلغ 2.2 تريليون دولار سنوياً، فيما يخص جهود التحول في مجال الطاقة، وفجوة تمويل سنوية تبلغ 4 تريليونات دولار من أجل أهداف التنمية المستدامة.
وبالنظر إلى الأدوات المختلفة التي اعتمدتها البلدان لتعزيز قطاعي الطاقة المتجددة والبنية التحتية للطاقة، تجدر الإشارة إلى أن الاقتصادات المتقدمة تميل إلى تفضيل آليات أكثر تعقيداً واستهدافاً، مع اعتماد التعريفات التفضيلية والمزادات والحوافز المالية بنسبة 91% و74% و70% من البلدان على التوالي.
وفي المقابل، فإن نظراءهم الأقل ثراءً يعتمدون أكثر من غيرهم، على الأدوات العامة لتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة، مثل الحوافز الضريبية على الربح المستخدمة في البلدان النامية (77%)، وفي البلدان الأقل نمواً (90%)، والدول الجزرية الصغيرة النامية (67%).
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة في ظل أزمة المناخ العالمية، فقد وصلت قيمة دعم الوقود الأحفوري إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، لتصل إلى تريليون دولار في عام 2022، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، وهو ما يتجاوز بكثير دعم الطاقة المتجددة.
ويعتبر التقرير أن هذا الدعم يضر بالتخفيف من آثار تغير المناخ، مما يعوق الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في بعض البلدان، كما يؤثر في حوافز الشركات للاستثمار في الطاقة النظيفة، وكذلك بشكل كبير على الموارد الحكومية، لدعم الاستثمار في تحول الطاقة.
وفي ضوء ما سبق، فإن هناك حاجة إلى تبني التكنولوجيات القادرة على الحد بشكل كبير من تأثير انبعاثات الوقود الأحفوري، ومنها الوقود منخفض الكربون، مع تقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.
جعل قطاع الزراعة والأغذية أكثر مرونة واستدامة
المسار الثاني من خطة التحرك التي يستعرضها التقرير، يتمثل في قطاع الزراعة والأغذية، الذي يواجه تهديداً متزايداً من الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، حيث يفقد العالم كل عام مئات المليارات من الدولارات من المحاصيل والإنتاج الحيواني، بسبب أحداث الكوارث، مما يقوض مكاسب التنمية التي تحققت بصعوبة، وسبل عيش المزارعين.
لذلك، هناك علاقة وثيقة بين أنظمة الأغذية الزراعية ومواجهة تغير المناخ، حيث يمكن أن تلعب أنظمة الأغذية الزراعية دوراً مركزياً في توفير الحلول لتغير المناخ، سواء التكيف معه أو التخفيف منه، مع تلبية احتياجات الأمن الغذائي للأجيال الحالية والمستقبلية.
وعلى ضوء أن أكثر من ثلث (حوالي 35%) من خطط العمل المناخية الحالية، تشير صراحةً إلى الخسائر والأضرار، مما يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لهذه القضية على المستوى العالمي، حيث تم تحديد الزراعة باعتبارها ضمن القطاعات الأكثر تأثراً بتغير المناخ.
وتمثل الخسائر والأضرار في النظم الغذائية الزراعية عبئاً اقتصادياً كبيراً، حيث تشير البيانات المستمدة من تقييمات ما بعد الكوارث، التي أجريت بين عامي 2007 و2022، إلى أن الخسائر الزراعية شكلت في المتوسط 23% من إجمالي تأثير الكوارث في جميع القطاعات، وتسبب الجفاف وحده في أكثر من 65% من الخسائر في قطاع الزراعة خلال هذه الفترة، وهو ما يعني فقدان ما يقدر بنحو 3.8 تريليونات دولار من المحاصيل والإنتاج الحيواني على مدار الـ30 سنة الماضية.
كما من المتوقع أن تسبب الأحداث المناخية في المزيد من الخسائر والأضرار، مما يؤثر في الإنتاجية والكفاءة، وسبل عيش أولئك الذين يعتمدون على أنظمة الأغذية الزراعية، حيث يؤكد التقرير أن هناك حاجة ماسة إلى بذل جهود مستهدفة لمعالجة نقاط الضعف في نظم الأغذية الزراعية، مع الاعتراف بدورها المحوري في سبل العيش والتنمية المستدامة.
وللمضي قدمًا في هذا الاتجاه، هناك سلسلة من الإجراءات للتخفيف من تأثير الخسائر والأضرار في أنظمة الأغذية الزراعية، وتشتمل على توضيح معنى الخسائر والأضرار التي لحقت بنظم الأغذية الزراعية الوطنية، وتعزيز تقييم مخاطر المناخ، والاستثمار في جمع البيانات والبحث، وتنفيذ تدابير التكيف، وتعزيز الاستجابة لحالات الطوارئ، واعتماد نهج التعافي القائم على «إعادة البناء بشكل أفضل».
تحييد انبعاثات قطاعي صناعة الطيران والنقل البحري
يتعلق المسار الثالث بقطاعي صناعة الطيران والنقل البحري باعتبارهما من أبرز القطاعات المسؤولة عن تفاقم التغيرات المناخية، حيث يسهمان معاً بنحو 3% من انبعاثات الغازات الدفيئة كل عام، ففي عام 2022، بلغت الانبعاثات الناتجة عن قطاع الطيران حوالي 436 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بينما بلغت انبعاثات قطاع النقل البحري 706 ملايين طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
وحتى الآن، مازالت جهود خفض انبعاثات الكربون دون الهدف المنشود، ففي الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من انخفاض الانبعاثات بنسبة 30% منذ عام 1990، فإن الانبعاثات الناجمة عن قطاعي الطيران الدولي والنقل البحري قد ارتفعت بنسبة أكبر من انبعاثات أي قطاعات أخرى، حيث بلغت نسبة الارتفاع 29% لقطاع الطيران، و26% للنقل البحري.
ولعل إحدى العقبات الأساسية في التعامل مع قطاعي النقل البحري والطيران، تتمثل في تصنيف الكثير من انبعاثاتها على أنها «دولية»، بموجب تقارير اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، وهذا ما يعني أن الحكومات لديها حافز أقل لإزالة الكربون من القطاعين، كما أنها ليست ملزمة بإدراج مسارات واضحة لخفض انبعاثات قطاعي الطيران والنقل البحري في مساهماتها المحددة وطنياً.
ويوضح تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء في مصر، أنه يمكن خفض انبعاثات الكربون في قطاعي الطيران والنقل البحري، من خلال عدة إجراءات، منها:
يتعين على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أن تغير أسلوبها المحاسبي، بحيث تتمكن من توزيع الانبعاثات الدولية على بلدان مغادرة ووصول السفن والطائرات، ويتمثل أحد الخيارات في تقسيم انبعاثات الرحلات بالتساوي بين دول المغادرة والوصول، على غرار ما يفعله الاتحاد الأوروبي بين دوله الأعضاء.
أهمية دمج التدابير الملزمة الجديدة الخاصة بالطيران الدولي والشحن البحري في المعاهدات الدولية، لتوسيع نطاق التدابير القائمة، وإعطاء هذه التدابير صفة الإلزامية.
فرض الحد الأدنى الإلزامي من رسوم الإنتاج في جميع أنحاء العالم على الوقود الأحفوري الذي تستخدمه الصناعتان، واستخدام الإيرادات التي يمكن تحصيلها لتمويل العمل المناخي، مما سيكون حافزاً للشركات العاملة في مجال الطيران والشحن البحري، لتسريع تحولاتها إلى استخدام وقود صديق للبيئة.
تعزيز التحول الأخضر في المعاملات والسياسات النقدية
المسار الرابع من خطة التحرك لإنقاذ كوكب الأرض من التداعيات الكارثية للتغيرات المناخية، يتمثل في تعزيز التحول الأخضر في المعاملات المالية والسياسات النقدية حول العالم، نظراً لأنه أصبح من الواضح أن التغيرات المناخية سيكون لها تأثير كبير على معدلات التضخم والنمو الاقتصادي، واستقرار النظام المالي حول العالم.
وانطلاقًاً من هذه الأهمية، فقد أدركت البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية، بشكل متزايد، أنها لم تعد قادرة على تجاهل التغيرات المناخية والقضايا البيئية الأخرى، لاسيما وأن البنوك المركزية مسؤولة عن تحقيق استقرار الأسعار، في هذا الإطار، من الضروري أن تأخذ البنوك المركزية في الاعتبار مخاطر التغيرات المناخية، لأن عدم القيام بذلك يبقي عملية الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون بطيئة للغاية.
وبينما تقوم الحكومات حول العالم، بالدور الأكثر أهمية في متابعة سياسات التغير المناخي، فإنه يمكن للبنوك المركزية أن تساهم في جهود الحكومات ضمن أولوياتها الحالية، وقد بدأت البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية بالفعل في مناقشة السياسات الاحترازية، واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل مع المخاطر المالية المتعلقة بقضايا المناخ، بما في ذلك تحليل سيناريوهات التغيرات المناخية.
علاوة على ذلك، هناك مناقشات متزايدة حول كيفية تضمين مخاطر التغيرات المناخية فيما يتعلق بتنظيم متطلبات كفاية رأس المال للبنوك، كما يتم تشجيع البنوك المركزية حتى تصبح مثالًاً يُحتذى به من خلال الكشف عن تأثير مخاطر المناخ على الميزانيات العمومية للبنوك المركزية، وتضمين هدف خفض الانبعاثات الكربونية في عملياتها.
ومن أجل جعل الاقتصادات الوطنية أكثر مرونة في مواجهة العدد المتزايد من الكوارث الطبيعية والناجمة عن التغيرات المناخية، تحتاج الحكومات إلى النظر في تحويل مواقع الإنتاج، أو المناطق السكنية إلى أماكن أكثر أماناً، مع اعتماد أنظمة مراقبة الكوارث الطبيعية والإنذار، كما تحتاج الشركات والأفراد إلى التفكير في اتخاذ إجراءات للتعامل مع المخاطر المادية، حال حدوث الكوارث الطبيعية.
تخضير الشركات الرقمية
تقوم شركات التكنولوجيا الرقمية بدور بارز نحو التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، وهي في طليعة الشركات التي تسعى إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من خلال التوجه نحو الاستخدام الكثيف للطاقة المتجددة، والاستثمار في خفض انبعاثات الكربون وتمويلها، من خلال إصدار السندات الخضراء.
وتمتلك شركات التكنولوجيا الرقمية محافظ واسعة ومتنوعة، بعضها ينتج ويبيع المعدات، بينما يقوم البعض الآخر بتشغيل شبكات الاتصالات، أو تقديم خدمات البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات، مثل مراكز البيانات والحوسبة السحابية.
وتظهر دراسة للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) أن إجمالي الانبعاثات في 200 شركة من شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم، يتجاوز 260 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يشكل 0.8% من إجمالي الانبعاثات الناتجة عن استخدام الطاقة في جميع أنحاء العالم.
كما تشير الدراسة إلى أن شركة واحدة، من بين كل 24 شركة، تشتري كل احتياجاتها من الكهرباء، من مصادر الطاقة المتجددة.
وتعمل الشركات الرقمية أيضاً مع الموردين، لتشجيعهم على استخدام مصادر الطاقة المتجددة، من أجل تقليل انبعاثاتها، ويحدث التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مع استمرار نمو الاستهلاك الإجمالي للكهرباء في قطاع التكنولوجيا.
كما تظهر الدراسة أن قائمة أكبر 20 شركة مستهلكة للكهرباء على مستوى العالم، تهيمن عليها الصناعات التقليدية ذات الانبعاثات المرتفعة، مثل شركات المواد الكيميائية، والبناء، والمعادن والتعدين، والنفط والغاز، والمرافق، استثناءً لتلك الشركات فهي شركات التكنولوجيا الرقمية.
كما أن هناك العديد من الشركات تعتزم تجاوز حياد الكربون، لتحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2040، حيث وقعت هذه الشركات الرقمية اتفاقيات شراء طويلة الأجل لإزالة الكربون وتخزينه، وهذا ما يساعد على توسيع نطاق الحلول البيولوجية والتكنولوجية لإزالة الكربون من الغلاف الجوي.