وثائقي "دبي وايلد".. 45 دقيقة من الجواهر البيئية
٤٥ دقيقة يجول فيها وثائقي "دبي وايلد" بين المحميات البرية والبحرية للتعريف بأبرز الكنوز البيئية في الإمارة وجهود الحفاظ عليها.
في ٤٥ دقيقة يجوب الفيلم الوثائقي "دبي وايلد"، على أبرز المحميات الطبيعية للإمارة، ليبحث خلف الواجهة العصرية عن التنوع المدهش في موائل الحياة البرية، حيث تسعى المؤسسات المعنية بالبيئة جاهدة لتحقيق التوازن بين حاجات المدينة المزدهرة وحماية إرثها الطبيعي.
ومن المرتقب عرض الوثائقي الذي أنتجه المكتب الإعلامي لحكومة دبي بالتعاون مع قناة "ديسكفري"، رسميا، في 9 أكتوبر الجاري.
أكبر صحراء رملية في العالم
يبدأ وثائقي "دبي وايلد" بنبذة تعريفية عن جغرافية دبي حيث تقع على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، بمساحة ١٠ آلاف كيلو متر مربع، متربعة على حافة "الربع الخالي" أكبر صحراء رملية بلا انقطاع على مستوى العالم، تمتد على مسافة ١٦٠٠ كيلو متر من الإمارات شرقا وحتى ساحل البحر الأحمر للمملكة العربية السعودية غربا، مغطية مساحة ٦٥٠ ألف كيلو متر مربع. ورغم الغطاء النباتي الضئيل وندرة المياه والحرارة المرتفعة صيفا، لكن هناك كائنات حية في هذا النطاق الجغرافي ذو الظروف البيئية القاسية.
محمية جبل نزوى
أول المحميات التي يزورها المخرج ديفيد جونسون هي محمية دبي الصحراوية، تأسست قبل ١٥ عاما مغطية مساحة ٢٢٥ كيلو متر مربع، وتعادل ٥% من مساحة دبي كاملة، وهي موطن لأكثر من ٣٠٠ فصيلة من الحيوانات النادرة. على بعد ٤٥ دقيقة من مدينة دبي رافقت كاميرا "دبي وايلد" فريقا من علماء دائرة البيئة في بلدية دبي أثناء القيام بمسح ميداني للحياة البرية في جبل نزوى.
جبل نزوى عبارة عن نتوءات من الحجارة الكلسية المليئة بالكهوف، ولذلك يعتبر موطنا لفصائل الخفاش المهاجرة، ويستخدم العلماء "شبكات الضباب" المصممة للإيقاع بالخفافيش دون التسبب بأذيتها، وخلال المساء تم الإمساك بنوعين من "خفاش كوهل" و"خفاش المقابر" عاري البطن، حيث تم اكتشاف أعداد كبيرة من النوعين وأظهر التحليل النهائي أن هذه الفصائل تؤسس لمجاثم دائمة، ما يثبت نجاح عمل محمية دبي.
وتشكل هذه الأبحاث، كما يوضح الوثائقي، إلهاما للشباب الإماراتي حيث يشارك سعود بدان بحماس وفضول في الأعمال الميدانية.
أشهر حيوانات الصحراء
ويتوقف الفيلم عند أكثر حيوانات الصحراء شهرة "المها العربي"، ويستعرض قدرة هذا الكائن على التكيف مع الحرارة، إذ تعكس فروتها البيضاء أشعة الشمس مما يبقيها باردة، كما يسمح نظام دورتها الدموية بتحمل تغيرات درجة حرارة الجسم التي قد تقتل إنسانا. فبينما قد يؤشر ارتفاع حرارة الإنسان درجة واحدة إلى إصابته بالحمى تستطيع المها تحمل تغيير يعادل ٦ درجات. وسيرى المشاهد كيف استطاعت إدارة المحمية رفع أعداد المها العربي من 70 إلى أكثر من 400 حيوان.
"كنوز حتا"
على بعد ١٣٠ كيلومترا جنوب شرقي دبي يتجه وثائقي "دبي وايلد" إلى محمية حتا، حيث يقوم مجموعة من الخبراء بتسلق الجبال الصخرية ونصب كاميرات لعدة أشهر لمراقبة الطهر العربي، الفصيلة المهدد بالانقراض والمتواجد فقط في دولة الإمارات وجبال عمان، حيث تقارب أعدادها الـ ٥ آلاف رأس، وتتنوع الأخطار التي تهددها بين الصيد غير المشروع والتنافس مع الماعز الوحشي وخسارة الموئل، وتعتبر جهود الخبراء جزءا من برنامج على مستوى إمارة دبي بدأ العمل عليه عام ٢٠١٤.
ويرصد الوثائقي كائنات "العلجوم العربي" التي تتواجد في شبه الجزيرة العربية الجنوبية فقط. خلال الصيف يحفر العلجوم جحرا في التربة الرملية، ويدخل سباتا فعالا ليعاود الظهور فقط حينما تلتقط أذنه الداخلية الحساسة صوت المطر.
وفي محمية حتا أيضا تبدو أسماك الماء العذب، ومنها "السمك الماص الصخور" الذي يُبدي تكيفا ذكيا في النجاة، فما أن يشعر بأن مياه البركة بدأت تجف حتى يتسلق الصخور للتسمك بالرطبة منها، وتعكس صفعات الذيل القوية غريزة البقاء لدى هذه الأسماك الصغيرة.
عالم السحالي
كلما مضت دقائق الوثائقي كلما ازداد إثارة وتشويقا للتعرف أكثر إلى كنوز دبي البرية. في الصحراء حيوانات ترحب بموجة الحر، كتلك السحالي الشوكية التي تعيش في جحور يزيد طولها على ١٠ أمتار وعمق متر ونصف. تعتمد السحالي على دفء الشمس لتزيد حرارة جسمها، ففي الصباح يكون جلدها أسود لامتصاص الأشعة، ثم يتحوّل إلى الأصفر ليمنع ارتفاع الحرارة الزائد. وما أن تشعر السحلية بالدفء حتى تبدأ البحث عن الطعام.
تنمو السحالي الشوكية حتى طول ٦٥ سنتمترا، وتفضل البقاء قريبة من جحرها. وعندما تشعر بالخطر لديها آلية دفاع ذاتية حيث تقوم بنفخ صدرها لتبدو أكبر حجماً. وفي موسم التزاوج تجذب الذكور الإناث إلى الجحور أو تصارعها للإذعان بغرض التناسل.
السحالي شوكية الذيل واحدة من ١٩ فصيلة سحالي وأكبرها "الورل الصحراوي" والتي يمكنها أن تنمو بطول متر ونصف ويمكنها تغطية ٨ كيو مترات يوميا للبحث عن فريسة.
أما السحلية ضفدعية الرأس فطولها ١٠ سنتميترات فقط، وهي متكيفة مع الحياة على الكثبان، حيث تبقي حواف الحراشف الطويلة الرمل خارج عينيها، ويؤدي الذيل أغراضاً متنوعة، فالتفافة معقوفة تعني خداع حيوان مفترس لتختلط عليه السحلية مع عقرب خطير، وأحيانا يُستخدم الذيل كجهاز إنذار فيقوم الذكر بتحريكه لتحذير ذكر آخر أن المكان محجوز.
كما رصدت كاميرات "دبي وايلد" عبر الكاميرات الحرارية ليلا، "أفعى الطفى المنشارية السندية" السامة التي تمتاز بالالتواء الجانبي وتشكيل حلقات لنقل وزنها من جزء لآخر، كما تستظلّ تحت شجيرات صغيرة للحفاظ على حرار جسدها.
محمية جبل علي البحرية
الكنوز البحرية حاضرة بقوة في وثائقي "دبي وايلد"، ففي محمية جبل علي البحرية أضاء الفيلم على "السلحفاة صقرية المنقار" والتي تعتبر أكثر أنواع المهددة بالانقراض، حيث تتواجد أعشاش محمية بأقفاص لتحسين فرص البيوض في النجاة والتفقيس. ومن المعتقد أن ١٠٠٠ سلحفاة فقط تضع بيوضا كل عام على مستوى العالم.
وسيُفاجأ المشاهد بالتعرف على أحد المشروعات البيئية في مكان غير متوقع. فندق «برج العرب» هو موطن فريق أبرز علماء الأحياء البحرية، يضم ثلاثة أحواض أسماك عملاقة، تحوي قرابة مليون لتر من الماء، وأكثر من 4000 سمكة، تخضع لفحوص يومية من قبل مختصين لمراقبة صحة "كائنات الحوض المائي"، التي تضاف إلى خدمة الطوارئ المتوافرة لـ"السلاحف صقرية المنقار".
الطيور المهاجرة في رأس الخور
بحسب ما يعرض الوثائقي فإنه على الرغم من أن معظم محميات دبي تقع خارج المدينة لكن هناك واحدة في ظل أطول مبنى في العالم. إنها "محمية رأس الخور" تقع بالقرب من برج خليفة وهي مزيج من مستنقعات مد وجزر طبيعية وسهول فيضية مدارة تجذب مجموعة واسعة من الطيور المهاجرة خلال العام.
طيور "النحام الأكبر" زائر ثابت للمكان، وتعتبر الأكبر والأوسع انتشارا بين ٦ فصائل من النحام وتضم المحمية حوالي ألف طير. خلال الشتاء تأتي طيور مهاجرة من أبو ظبي وإيران وتركيا فيزداد التعداد لأكثر من ٣ آلاف طير. يضع طاقم المحمية طعاما إضافيا لطيور النحام وهذه الطيور متكيفة لصيد قريدس الماء المالح، الرخويات والطحالب وتستمد لونها من صبغات طبيعية في طعامها، فتملك الطيور الأصغر ريشا رماديا وبعد بلوغها ٣ سنوات تمنح لونها المميز مزيجا من الوردي.
وتعد رأس الخور موطنا لقرابة ١٨٠ فصيلة من الطيور معظمها مهاجرة، فهناك مجموعات كبيرة من الزقزاق الرمادي والبقويقة السوداء الذيل ودريجة الألب. كما تمر عدة فصائل من النسور والصقور مهاجرة جنوبا من أوروبا المركزية والشرقية نحو أفريقيا ويصل طول أجنحة بعضها إلى المترين.
تربية الصقور
لا ينسى وثائقي "دبي وايلد" الوقوف عند تقاليد تربية الصقور، حيث تُعد دبي أحد أفضل الأماكن في العالم لهذه الرياضة، والتي يعود تاريخها في شبه الجزيرة إلى ما يزيد على الألف عام. ويكشف الفيلم وجود ١٢ مشفى مخصصا للصقور في دبي.
ويستعرض مشاهد من بطولة "فزاع" السنوية للصيد بالصقور. ويستعرض الفيلم كذلك تقاليد تربية "الهجن" في الإمارات، عبر تنظيم مسابقات سنوية يُشرف عليها نادي دبي لسباقات الهجن.
وثائقي "دبي وايلد" هو دعوى للتعرف على كنوز إمارة دبي الطبيعية، إذ لا تقتصر نهضة الإمارة على تشييد ناطحات السحاب وتصدر مؤشرات التنافسية العالمية، بل أيضا هناك عالم من الحياة البرية والبحرية لا تدخر المدينة جهدا للحفاظ على كنوزه من الكائنات الجميلة والنادرة.