تركيا تاجرت بالأزمة السورية من اليوم الأول، حيث هددت الاتحاد الأوروبي بتصدير أزمة اللاجئين للحصول على معونات اقتصادية
كانت هناك محاولتان لتسويق المشاريع غير العربية بالمنطقة، مرحلة تسويق إيران التي بلغت أوجها في العام 2006، حيث اعتبرت البطل في حرب ويوليو/تموز من خلال حزب الله، والذي نجح في قتل 1200 لبناني في الحرب وتدمير البنية التحتية وتسجيلها نصراً إلهياً، بالإضافة لتسويقها راعياً للشيعة العرب، وللأقليات في سوريا ولبنان.
عندما تشتد المشاريع غير العربية فتكاً بالعالم العربي، لا يعد المشروع العربي المناهض والمتصدي لهذه المشاريع ترفاً، وهو مشروع لا ينقصه سوى تجاوز التفاصيل، للتركيز على الخطر الأوحد.
وقد كان هناك التسويق التدريجي لتركيا أردوغان، عبر الحديث عن النموذج الاقتصادي والسياحي المتميز، مدعوماً بالمسلسلات التركية، وصولاً إلى بعض «الدعاة» على الخيول هناك، لتسويق تاريخ العثمانيين سيئ الذكر.
وازدهرت بطبيعة الحال طموحات المشروعين غير العربيين للتوسع في العالم العربي اغتناماً للحظة الربيع العربي، وكان رهانهما في مواقع عدة على الإخوان المسلمين، خصوصاً في مصر وتونس وليبيا والسودان.
فأحمدي نجاد أول رئيس إيراني يزور مصر منذ إسقاط نظام الشاه، وقد استقبل أردوغان في القاهرة إبان حكم الإخوان استقبال الزعيم الملهم، وتركيا وجدت في سواكن السودانية فرصة للوجود على البحر الأحمر، وطهران اجتهدت في نشر التشيع بغطاء دبلوماسي لمراكزها الثقافية في السودان والجزائر والمغرب وفي القرن الأفريقي.
في العراق عاد عناصر القنصلية التركية في الموصل دون أن يمسهم مقاتلو داعش بأذى، غير أن تركيا كانت البوابة الوحيدة لمقاتلي هذا التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، واليوم تتبجح تركيا بالقول إنها تقاتل داعش في الشمال السوري، بينما تقصف سجناً يحتوي عناصر من داعش.
تركيا تاجرت بالأزمة السورية من اليوم الأول، حيث هددت الاتحاد الأوروبي بتصدير أزمة اللاجئين للحصول على معونات اقتصادية، ثم حاولت تدجين اللاجئين ليصبحوا كتلة انتخابية تركية إذا ما استقر الوضع في سوريا، عبر تبشيرهم بقناعات الإخوان المسلمين.
ومنذ أشهر وتحديداً منذ بدأت المعارضة التركية استغلال ملف اللاجئين السوريين لضرب أردوغان، وهو ما تسبب جزئياً بخسارة حزب العدالة لبلدية إسطنبول وأنقرة، قرر الرئيس التركي إعادة اللاجئين السوريين عنوة للشمال السوري، وهذا يعني لتركيا سور بينهم وبين الأكراد عدوهم الأول، ويعني لبشار حماية محيط دمشق وحمص من السنة العرب، الذين هجرهم برفقة حزب الله عبر تغيير ديموغرافي.
إيران على الجانب الآخر التي لا تملك سلعة تبيعها في العالم العربي أينما وجدت إلا الموت، صدرت خلال الأيام الماضية 7500 عنصر إيراني تحت ذريعة حماية أربعينية الحسين، مع حديث عن قوات احتياط إضافية تبلغ 4000 عنصر.
يأتي هذا القرار بعد مظاهرات خرجت ضد فساد النظام والبؤس الذي يعيشه الشعب العراقي في دولة غنية، خرج جيل ما بعد صدام، جيل لم يعش البعث وليس له مشاعر حوله، جيل خبر نخبة ما بعد 2003 التي لا تحكم إلا بمباركة طهران، ولهذا هتف ضد إيران، لأنه شيعي عروبي يفرق بين المذهب والانتماء للعجم.
لم تظهر المظاهرات في مناطق سنية عربية أو سنية كردية، بل كانت في البيئة الشيعية الحاضنة وهي ليست الاحتجاجات الأولى بل تكررت في العام الماضي وقبل ذلك؛ ولهذا تدرك إيران خطرها، وتدرك أن جزءاً منها هو اعتراض على مليشيا الحشد الشعبي، نموذج حزب الله في العراق؛ ولهذا تدرك أنها تقابل ثورة تشبه الثورة السورية؛ ولذا أرسلت جنودها بزعم حماية الأربعينية، كما أرسلتهم من قبل لدمشق بدعوى حماية السيدة زينب.
عندما تشتد المشاريع غير العربية فتكاً بالعالم العربي، لا يعد المشروع العربي المناهض والمتصدي لهذه المشاريع ترفاً، وهو مشروع لا ينقصه سوى تجاوز التفاصيل، للتركيز على الخطر الأوحد.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة