سيفقد أردوغان ورقة التوت مع الدول الأوروبية التي قام بابتزازها لسنوات طويلة في كل ما يتعلق بالشأن السوري
من يمعن النظر في دور الرئيس التركي أردوغان في سوريا سيجد أنه -كان طوال سنوات الحرب الأهلية السورية- أداة مغرورة وغير واعية بيد القيصر الروسي فلاديمير بوتين، فقد نجح الرئيس بوتين في استخدام أردوغان ضد الولايات المتحدة وضد حلف الأطلنطي وضد تركيا ذاتها، وحشره في مربع إدلب في نهاية الحرب، والآن جاء الدور على الرئيس الأمريكي ترامب ليستخدم بدوره أردوغان كوسيلة مغرورة وغير واعية ضد روسيا وضد تركيا وضد مصلحة أردوغان ذاته، تبدلت الأدوار بين بوتين وترامب، والوسيلة واحدة هي السلطان الذاهل الحالم أردوغان.
هكذا أردوغان يرفع شعارات تجذب قطعاناً من أنصاف المثقفين الحالمين بالمجد والسؤدد، وفي الحقيقة يقودهم إلى الخراب والدمار، في سوريا ستكون نهاية أردوغان، وسيكون قبره المعنوي مع قبر سليمان شاه الجد الأكبر للأتراك في شمال سوريا
تنطبق على أردوغان نظرية عالم النفس الروسي إيفان بافلوف، الذي نجح في اكتشاف العلاقة الشرطية بين رنين الجرس ولعاب الكلب، حيث تعود الكلب على وصول طعامه مع رنين الجرس، فصار يسيل لعابه عند الرنين، سواء حضر الطعام أو لم يحضر، هكذا تعامل الرئيس الروسي بوتين مع أردوغان؛ حيث كان يستدعي تصرفات معينة من أردوغان من خلال وعود معينة أو مواقف معينة، وأحيانا تكون هذه المواقف والأفعال عدائية، والآن يوظف الرئيس الأمريكي ترامب الأمر نفسه مع أردوغان، ولعلنا نتذكر ما قامت به السفيرة الأمريكية في العراق إبريل جلاسبي مع الرئيس الراحل صدام حسين، حين فهم منها أن دخول الكويت أمراً يمكن تفهمه من قبل الأمريكان.
هكذا فعل ترامب في مكالمة مع أردوغان، أعلن بعدها أردوغان أنه سيدخل شرق الفرات، وفي الوقت نفسه سحب ترامب بعضا من قواته التي كانت تقف في طريق القوات التركية، وأعلن ترامب أنه غير مكترث بدخول تركيا شمال سوريا خصوصاً شرق الفرات، وما أن دخل أردوغان بقواته شمال سوريا حتى تحركت كل العواصم الغربية ضده ومعها ترامب ذاته.
لقد تم استدراج أردوغان للدخول إلى شمال سوريا، وهذا بدوره سيحقق الأهداف الآتية، سواء أكانت مقصودة ممن سمح له أم غير مقصودة:
أولاً: إرباك علاقات تركيا مع الصديق الروسي، وإدخال أردوغان في مواجهة مع بوتين، ففي اللحظة التي توشك فيها روسيا على ترتيب الوضع في سوريا؛ إذ بأردوغان يعيد تشكيل جيش من المعارضة السورية المسلحة قوامه 80 ألف مقاتل لمواجهة الدولة السورية والأكراد، وإعادة إحياء الحرب الأهلية السورية، وإعادتها إلى المربع الأول، وهذا ما سوف يغضب القيادة الروسية بصورة ستفقد أردوغان كل رصيده مع بوتين.
ثانياً: سيفقد أردوغان الحليف الإيراني، الذي سوف يضطر لمواجهة الجيش الوطني السوري الذي يمثل المعارضة المسلحة، وستعود الحرب الأهلية السورية في لحظة لا تملك فيها إيران الإمكانيات نفسها، أو الوقت، أو الطاقة السياسية للتدخل في الوضع السوري مثلما فعلت في السنوات الماضية.
ثالثاً: سيفقد أردوغان ورقة التوت مع الدول الأوروبية التي قام بابتزازها لسنوات طويلة في كل ما يتعلق بالشأن السوري، والآن مع دخول القوات التركية مناطق شرق الفرات سيكون الأكراد غير قادرين على التحكم في قوات داعش المحجوزة في معسكرات اعتقال لديهم، وقد يكون هذا سبباً لإطلاق هذه القوات المجرمة لتعيد الانتشار، وتجمع صفوفها في سوريا والعراق، وهذا سيؤكد الحجة الدولية ضد تركيا كداعم إساسي وأصيل لداعش وحامٍ لها، ومدافع عنها، ومحارب لكل أعداء داعش.
رابعاً: ستكون عمليات تركيا في شرق الفرات السوري بداية لتجديد الحرب بين الجيش التركي والأكراد، كل الأكراد في سوريا وتركيا والعراق، وستكون هذه بداية جديدة لتوترات شديدة تربك الجيش التركي، وتفقده المزيد من عناصره، وقد يقود ذلك إلى انقلاب عسكري ضد أردوغان، أو اغتياله من قبل العسكريين الوطنيين الذين لا يخلو منهم الجيش التركي.
خامساً: سيدخل الاقتصاد التركي في حالة إرباك شديدة، وسيواصل الانهيار بصورة قد تدخله في أزمة لا يمكن تجاوزها، خصوصاً بعد الأزمات المتتالية التي سببها فشل السياسات الاقتصادية لأردوغان.
سادساً: ستكون هذه العملية مبررا لفرض المزيد من العقوبات والحصار والضغوط على النظام التركي، مما يقود إلى مزيد من التفكك في الحزب الحاكم، وفي الائتلاف الحاكم، وهذا سيدخل تركيا في أزمة قد تعيدها إلى حالات عدم الاستقرار التي كانت تمر بها في النصف الثاني من القرن العشرين.
سابعاً: ستكون عملية أردوغان هذه طوق نجاة للنظام السوري، وستعجل رجوعه للجامعة العربية، وستعجل كذلك عودة الأكراد إلى حضن الدولة السورية، وسيكون أردوغان بحماقته أكبر داعم لبقاء بشار الأسد ونظامه، بعد أن قامر بأرواح وحياة وشرف ملايين السوريين للتخلص من بشار الأسد ونظامه.
سيذكر التاريخ أن أردوغان من كبار الحمقى في عالم السياسة، والأحمق في لغة العرب هو إنسان عنده أهداف جيدة، ويسعى لتحقيقها بوسائل غاية في الرداءة والسلبية والفشل، وهكذا أردوغان يرفع شعارات تجذب قطعاناً من أنصاف المثقفين الحالمين بالمجد والسؤدد، وفي الحقيقة يقودهم إلى الخراب والدمار، في سوريا ستكون نهاية أردوغان، وسيكون قبره المعنوي مع قبر سليمان شاه الجد الأكبر للأتراك في شمال سوريا.
1
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة