شابة تتحدى البطالة بتربية النحل في غزة
"سمر البع" سيدة في قطاع غزة تخوض ميدان تربية النحل وجني العسل، بعد أن كان حكراً على الرجال، لما فيه من خطورة.
لم تبدأ حياتها بعد التخرج الجامعي بانتظارها وظيفة أو عملا قد لا يأتي بسهولة، ففكرت ودبرت أمرها مع النحل وخاضت التجربة من قريب، بعد أن مهّد لها والدها الطريق لتربية النحل.
وبشيء من الحزم والعزم وضعت "سمر البع" مشروعها البسيط موضع التنفيذ، لتخوض ميدان تربية النحل وجني العسل، الذي عادة يسلكه الرجال، لما فيه من خطورة.
البداية من رماد ودمعة فراق
قالت الشابة سمر عثمان البع (28 عاماً) إن بداية مشوارها مع تربية النحل كانت في سن مبكرة جداً، يوم كانت ترافق والدها وتساعده في تربية النحل، قبل تدمير المناحل بشكل كامل في اجتياح عام 2008 واستشهاد والدها.
إلا أن الواقع المؤلم الجديد لم يثن الشابة عن ترميم الخراب، رغم التحدي الأكبر وهو وجود المناحل قرب الشريط الحدودي في شرق بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، فأعادت صناديق المناحل إلى سابق عهدها بعد إعادة تأهيلها، واستطاعت إصلاح 24 خلية نحل، وسط اعتراضات شديدة من قبل الأهل والمعارف لخطورة مهنة تربية النحل ومشاقها ولأنها شابة في أول عمرها.
إلا أنها كانت ترى في والدها القدوة الحسنة، والحبل المتين، فأبقت عليه في مخيلتها، ليكون معلمها في الحياة.
الإصرار أصل الحكاية.. وأولى الخطى ثمرة
قالت سمر البع، وهي خريجة تعليم أساسي من جامعة القدس المفتوحة لـ"العين الإخبارية": "كان إصراري على خوض ميدان تربية النحل، مستمداً من قناعتي بأن الحياة مشاركة مع الرجال، والنساء قادرات على أن يخضن ميادين كثيرة يعتقد البعض أنها حكر على الرجال".
وأضافت: "ولأن استشهاد الوالد ترك فراغاً في البيت، وخسرنا أكبر مصدر للرزق كان يعيل الأسرة، فكان لا بد أن أعوّض هذا المصدر لسد احتياجات العائلة وتلبية أساسيات الحياة، ولم أنتظر وظيفة بعد التخرج الجامعي، فأخذت على عاتقي نفض الغبار عن خلايا النحل المدمرة، وأعيدها لكي تشتغل وفق الإمكانيات المتوفرة".
وتابعت البع: "بدأت من 24 خلية، وبعدها قدمت مشروعاً لمؤسسة إنقاذ المستقبل الشبابي وإنقاذ الطفل، وتمت دراسة مشروعي والموافقة على تمويله من قبل مؤسسة التعاون الألماني، الأمر الذي فتح لي مجال الخوض في تربية النحل واسعاً، واستعنت بصديقات خريجات وبشقيقتي ووالدتي لنخوض التجربة وننجح مشروعنا الممول".
العسل من النحل.. وللنحل الأزهار
وقالت الشابة الفلسطينية: "خلايا النحل أصبحت 60 خلية اليوم، وهي في طور التوسع، وأحرص على أن يكون نوع العسل صافيا غير مغشوش بطبخ السكر ولا بإدخال مواد كيماوية إليه، وذلك بزراعة الأزهار والأشجار التي يحبها النحل ورعايتها بالسقاية ومكافحة أمراضها، ومتابعة نموها لفصل الربيع، وفتح الخلايا، وخروج النحل ليأكل ويرمي موسمه".
ولهذا الغرض اعتمدت البع على وسائل التواصل الاجتماعي لتبلغ عن مناحلها (مناحل الأصيل)، التي تهتم بصناعة عسل صاف غير ممسوس بغش، وبدأت بإدخال المكسرات إلى العسل ليكون علاجاً وبفائدة أكبر، كما عملت على جعل العسل كهدايا في المناسبات بتزيين العبوات الخاصة بطريقة جميلة.
التحديات للتهديدات.. والأمل باقٍ
لا تنكر سمر البع خطورة مكان المناحل الذي يحاذي الحدود الشرقية لبلدة بيت حانون، شمال قطاع غزة، وهو المكان الذي تستهدفه القوات الإسرائيلية مع كل جولة عنف تحدث، لكنها تصر على أن هذه الأرض لهم، وتثبيتها يكون بإحيائها، وجعلها عامرة بالعطاء، وليس بتهميشها وهجرها، لذا هذا المشروع يعتبر من المشاريع التي تحمي الأرض.
الطموح تميز
لا تخفي البع أن البطالة المنتشرة بين صفوف الخريجين مخيفة، وزيادتها بسبب الأوضاع السائدة، وحالة الركود وتدني الدخل أثّر على مشروعها خصوصا عند بيع العسل في موسمه، فتكلفة الكيلو الواحد قد تصل إلى 70 "شيكل" (20 دولارا)، وتضطر إلى بيعه بسعر أقل من التكلفة لوضع الناس الاقتصادي.
لكنها لا تنظر إلى هذا الأمر من زاوية مادية بحتة بقدر ما تسعى إلى تحسين مستوى الإنتاج، وتأمين مصاريف التكلفة، فبعض الناس يوصونها بحجز احتياجاتهم من العسل قبل الموسم لضمان الجودة، ولاستخدام العسل بنواحٍ طبية، ولكنها في الوقت ذاته تطالب بدعم المؤسسات الرسمية خاصة وزارة الزراعة، وتأمين وسائل ضرورية لعمل المناحل، والتدخل في نشر الوعي المجتمعي للتعريف بالعسل وفوائده بشكل أوسع.
كما أنها تطمح أن توسع مشروعها ليصبح أكبر مشروع لتربية النحل في قطاع غز، ولديها رغبة بتشغيل الخريجين الجامعيين وتأهيلهم بدورات هادفة.
ووفقاً لإحصائيات لهذا العام، فإن قطاع غزة أنتج في السنوات الأخيرة 220 طنا من العسل، وبسبب تراجع عدد المزارع المربية للنحل، فقد تدنت أعداد المناحل إلى 15 ألف خلية فقط، بعد أن وصلت إلى 27 ألف خلية، في السنوات الماضية.
وذلك بسبب عوامل كثيرة أهمها التهديدات الأمنية، وتقلبات الجو، وارتفاع تكلفة التربية، مع تدني حاد بدخل الفرد في قطاع غزة، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 120 ألف طن فقط، وهذا يعد خسارة فادحة لمربي النحل في قطاع غزة.
aXA6IDE4LjIxNy4xMTguNyA=
جزيرة ام اند امز