تموج الساحة الأمريكية الراهنة بالكثير من التطورات المهمة في إطار استعداد الحزبين الديمقراطي والجمهوري لخوض الانتخابات الاستهلالية، وإعداد خريطة للمرشحين المحتملين، الذين سيخوضون الانتخابات المقبلة.
وفي ظل تشابكات مهمة تجري على الجانبين أهمها إعلان الجمهوري رون ديسانتيس ترشحه للرئاسة الأمريكية لعام 2024.
ويعدّ ديسانتيس حاكم فلوريدا، المنافس الرئيسي للرئيس السابق ترامب، للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية في 2024، وزاد من شعبيته من خلال مواقفه المحافظة في مجال التربية والهجرة.
إلا أن طريق ديسانتيس للرئاسة يواجه بصعوبات كثيرة، فالرجل الذي يراهن عليه كثير من قادة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد إعادة انتخابه حاكماً لفلوريدا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، يأتي وراء ترامب، الذي أعلن ترشحه رسمياً في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على ما تظهره كثير من استطلاعات الرأي، وهناك تجاذبات حقيقية من داخل الحزب الجمهوري على ترشحه بالإيجاب والسلب، وهو ما قد يصب مبدئياً في صالح ترامب.
كذلك تحديد تاريخ 25 مارس/آذار 2024 للبدء في محاكمة الرئيس السابق ترامب في نيويورك، وتوجيه التهم الجنائية إليه، ويأتي موعد المحاكمة في إطار الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، التي يأمل ترامب الفوز بها، وخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، في مواجهة الرئيس جو بايدن.
وتأتي هذه التطورات في سياق أحداث عدة؛ أهمها إطلاق السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، تيم سكوت، حملته الرئاسية، وانضمامه رسميًا إلى السباق الانتخابي الذي يضم ترامب، ومبعوث الولايات المتحدة السابق إلى الأمم المتحدة نيكي هالي، ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي، وحاكم أركنساس السابق آسا هاتشينسون، وكذلك حاكم نيو هامبشاير كريس سونونو.
ومن الحزب الديمقراطي، تم ترشيح بعض الشخصيات للمشاركة في الانتخابات التمهيدية الرئاسية حتى الآن، وعلى رأسهم ابن شقيق الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثين جون كينيدي، روبرت كينيدي جونيور، والكاتبة الشهيرة ماريان ويليامسون.
في هذا السياق لا يبدو أن هناك أي فرص حقيقية - كما تشير استطلاعات الرأي - إلا لمرشحين اثنين فقط: هما دونالد ترامب ورون ديسانتيس من الجانب الجمهوري، حيث جاءت نتائج استطلاع للرأي أجرته شبكة (CBS) على أكثر من ألف ناخب جمهوري في الفترة من 27 إلى 29 أبريل/نيسان الماضي؛ داعمة لفرصة التنافس الثنائي بين ترامب وديسانتيس.
وفاز ترامب بأصوات 58% من المصوتين، وديسانتيس بنسبة 22%، في حين لم يتخطَّ أي مرشح آخر حاجز 5%، وجاءت بقية نتائج المرشحين والمرشحين المحتملين على النحو التالي: مايك بنس (نائب ترامب السابق) 5%، وحاكمة كارولينا الجنوبية السابقة وسفيرة بلادها لدى الأمم المتحدة أثناء حكم ترامب نيكي هالي 4%، ورجل الأعمال الملياردير فافيك راوسوميري 3%، والسيناتور تيم سكوت 2%، وحاكم أركنساس السابق أشا هاتشيتسون 0.07%.
وغالباً ما يُنظر إلى الانتخابات التي يشارك فيها الرئيس الحالي على أنها استفتاء على السنوات الأربع الماضية.
فلدى إدارة بايدن إنجازات سياسية يمكن أن يتقدم بها وسيكون شعار حملته هو "لننهِ المهمة"، لكن الرئيس بايدن لا يزال يواجه المخاطر فأرقام دعمه منخفضة حيث يوافق 42% فقط على أدائه، بينما 52% لا يؤيدونه.
ويبدو أن حملة بايدن ترى أن احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لا تزال القضية الأكثر فاعلية لزيادة الإقبال بين الديمقراطيين والمستقلين.
في النهاية، نجح هذا الأسلوب في الانتخابات الماضية، ويأملون بالتأكيد في تكراره.
في كل التوقعات الراهنة ورغم صعوبات الرصد وتحليل مضمون استطلاعات الرأي العام، فإن كل الأمور في الولايات المتحدة تظهر تراجع شعبية الرئيس بايدن لأدنى مستوياتها في ظل تفوق ترامب وحصوله على أكثر من 62% في استطلاع الرأي داخل الحزب الجمهوري.
ويبني هذا التصور على اعتبار أن ترامب يسعى بكل قوة إلى حسم المعركة مبكراً مع بايدن في ظل وجود الكثير من العوامل التي أثرت على شعبية الرئيس بايدن سواء كبر السن أو الحرب الروسية الأوكرانية، وتردي الأوضاع الداخلية، وعدم حسم موضوع سقف الدين، وارتفاع معدلات التضخم، والوضع الاقتصادي بشكل كبير في الداخل الأمريكي في ظل رفع الفائدة لأكثر من 6 مرات متتالية، فكل هذه العوامل جعلت الموقف بشكل كبير يتغير لدى الناخب الأمريكي.
ولا يمكن التقليل من الدخول في مواجهة دبلوماسية واستراتيجية حيث لا تزال قائمة، ومتوقع أن تتطور مع كل من روسيا والصين في الوقت نفسه.
وقد فشلت الإدارة الأمريكية الحالية في صياغة استراتيجية مضادة لردع روسيا، ما أدى إلى استنزاف ترسانة الأسلحة الأمريكية، وتزايد خطر الانتشار النووي مع اتجاه الصين إلى زيادة مخزونها من الرؤوس النووية بأكثر من 3 أضعاف ليصل إلى 1500 رأس حربي بحلول عام 2035.
ورغم ذلك لا يوجد حتى الآن مرشح ديمقراطي آخر يحظى بالإجماع، أو التوافق الواسع في الآراء. وإن تزايدت فرص بايدن المحتملة في مواجهة الرئيس ترامب، فإنه قد لا يتمتع بالفرص نفسها في مواجهة مرشح جمهوري آخر من نوعية ديسانتيس على سبيل المثال، فالولايات المتحدة ستواجه مشاكل اقتصادية خطيرة بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024.
فبحلول عام 2025 سيواجه الاقتصاد الأمريكي مشاكل بغض النظر عمن سيصبح رئيساً، خاصة أن الوضع الاقتصادي بحلول موعد الانتخابات سيصل إلى درجة من التردي والانهيار وفقاً لتقارير وازنة ستجعل فرص إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن تتضاءل إلى حد كبير.
وسيكون عامل السن حاسماً في الحكم على الرئيس بايدن وبالتالي، فإن الجمهوريين سيصلون إلى النقطة التي مفادها أن التصويت لبايدن من شأنه أن يسلم إدارة الأوضاع إلى نائبته كامالا هاريس.
وسيبقى الخطر الكبير الذي يمثله حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة في الأشهر المقبلة، على حظوظ بايدن.
لكن ما يراهن عليه الديمقراطيون ربما يتركز في هشاشة موقف منافسه الرئيس السابق ترامب، ولا تزال احتمالات توجيه تهمة، أو اثنتين إضافيتين بحلول موعد بدء موسم الانتخابات، مرتفعة.
هناك أيضاً حقيقة لا تخفى، وهي أن المال قوة فاعلة في الانتخابات الأمريكية، ما يحول دون بروز عناصر شابة جديدة.
ففي دورة عام 2020، انسحب 13 مرشحاً ديمقراطياً من السباق على منصب الرئاسة قبل جولات التصويت الأولية، لأسباب تتعلق بقلة التمويل.
ويستطيع بايدن الرهان على الإنجازات التشريعية، التي شملت حزمة تحفيز فيدرالية ضخمة، ومشروع قانون بنية تحتية، وتمرير قوانين حيازة الأسلحة، والتشريعات الخاصة بتغير المناخ، وتعزيز صناعة الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة.
وفي المقابل يركز الجمهوريون على أمرين: الارتفاع المفاجئ في عدد المهاجرين القادمين إلى الحدود الجنوبية، ومعدل التضخم المرتفع.
وتبقى المشكلة الأهم - على مستوى الحزبين الديمقراطي والجمهوري - أن الناخبين الأمريكيين قلقون بشأن إعادة انتخاب شخص يبلغ من العمر 86 عاماً في نهاية ولايته الثانية.
وسيبلغ الرئيس ترامب 82 عاماً في نهاية تلك الفترة، وهذه هي قمة مأساة الشعب الأمريكي الذي يريد قيادات شابة تتحدث عن المستقبل، وتريد التطلع إلى الغد، والمنافسة مع العالم الذي بات يتحدى القيادة الأمريكية لنظام عالمي بات متعدد الأقطاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة