تعودنا في حياتنا اليومية أن نردد كلمات، أو نسمعها دون أن نفكر في دلالاتها ومعانيها، نتعامل معها على أنها أسماء لأشياء، أو كيانات نعرفها حق المعرفة، لكن الحقيقة عكس ذلك.
فأكثر الكلمات تكراراً على الألسنة قد تكون أكثرها غموضاً في الأذهان، وأبعدها عن الفهم السليم الذي يرتب وعياً بالواقع، وحسن تصرف فيه، وصواب التعامل معه.
نكرر كلمة الدولة، واقتصادها، ودخلها القومي؛ وكأننا نتكلم عن شيء بعيد عنا، هناك في مجلس الوزراء، وفي الوزارات المختلفة والبنك المركزي، هي كيان آخر، ومخلوق آخر؛ نحن بعيدون عنه، لا دخل لنا به، ولا علاقة لنا به، قد تأتينا منه بعض الفوائد.
والحقيقة أننا كأفراد نقع في القلب من الدولة، فنحن جوهر وجودها، ودون وجودنا لن تكون، فمصر هي المصريون، بهم يكون للأرض معنى واسم، وللجغرافيا قيمة، وللتاريخ وجود.
ونحن أيضاً اقتصاد مصر، العامل والفلاح والمهندس والطبيب والأستاذ والتاجر.. إلخ، جميعنا نشكل اقتصاد مصر ودخلها القومي، ومصدر ميزانيتها، ومصارف إنفاق هذه الميزانية، إذن أنت أيها المواطن جوهر وجود الدولة، ومصدر دخلها، ومن ينمي هذا الدخل وينفقه، أو يبذره أو يهدره.
فكما أن الدولة هي مجموع المواطنين الذين يعيشون على قطعة أرض يملكونها، وتدير شؤونهم هيئة يختارونها يسمونها الحكومة، فإن اقتصاد الدولة هو مجموع اقتصادات المواطنين، مضافاً إليها الموارد الموجودة في الأرض التي يملكونها، أو الخدمات التي يقدمونها لمن يزور أرضهم أو يمر بها، ومن هنا فإن هذا الاقتصاد الكبير للدولة هو حاصل جمع اقتصادات الأفراد أو الأسر الذين يعيشون فيها.
لذلك فإن الحديث عن اقتصاد الدولة، وهو الاقتصاد الأكبر لا يمكن أن يتم بعيداً عن اقتصاد المواطن وأسرته وهو الاقتصاد الأصغر، ومن هنا فإنه لا يمكن إصلاح الاقتصاد الأكبر دون إصلاح الاقتصاد الأصغر، ولا يمكن النهوض بالاقتصاد الأكبر قبل النهوض بالاقتصاد الأصغر، إذن هما مترابطان، لا بل هما شيء واحد لا ينفصل، كالجسد وأعضائه، علاقتهما علاقة الكل بالجزء.
وإذا أدركنا هذه الحقيقة فإننا مطالبون بأن نتصرف في حياتنا اليومية طبقاً لها، وأن يكون سلوكنا انعكاساً لهذا الإدراك، وإلا خرجنا من دائرة العقل والرشد إلى الجنون والسفه.
فسلوك الإنسان نابع من إدراكه، وهذا الإدراك يستوجب علينا كمصريين ألا نلتفت للدولة، والحكومة فيما يتعلق بتغيير هيكل الاقتصاد، أو النهوض به، لأن ذلك هو مهمتنا نحن كمواطنين، كل حسب قدراته، ودوره وموقعه، وما يملك من عناصر الاقتصاد، ويصبح دور الدولة أن تحرسنا من اللصوص والفاسدين والمرتشين، الذين يهدرون ثرواتنا، ويدمرون اقتصادنا، هذا هو الدور الأساسي للدولة وللحكومة، أما إصلاح الاقتصاد فهو مهمتنا ودورنا.. ولكن كيف يكون هذا؟
ببساطة شديدة كل الاقتصاد في أيدينا ونحن نتصرف فيه، فالاقتصاد هو سلوك نقوم به في كل لحظة، لأنه عملية إنتاج أو عملية استهلاك، والإنتاج نقوم به عندما نعمل في أشغالنا الخاصة أو عند الآخرين.
وفي كلتا الحالتين يستطيع كل إنسان أن يزيد إنتاجيته في الساعة واليوم بنسبة معينة، وبنفس هذه النسبة سيزيد إنتاج الدولة، وسيزيد الدخل القومي، وسيرتفع الاقتصاد الوطني، لذلك ركزت الأديان على سلوك الفرد في عملية الإنتاج وألزمته بالإتقان، والأمانة، وبذل الجهد، ومراعاة مصلحة العمل.
أما الاستهلاك، وهو الأهم والأخطر، فهو السلوك الذي نقوم به طوال الوقت إلا فترات النوم، بل إن بعضنا يستهلك وهو نائم؛ إذا كان لديه تكييف للهواء في غرفة نومه، أو نسي أنوار بيته مشعلة، ولكن وهو مستيقظ، دائماً يستهلك، ويهلك كل شيء في طريقه، سواء أكان من ماله الخاص، أم من المال العام.
فالعبث برصيف الشارع استهلاك، وبالخدمات العامة استهلاك، بل إن إلقاء الفضلات في الطريق العام استهلاك، لذلك فإن هذا الجانب من الاقتصاد يستطيع كل منا أن يصلح اقتصاد مصر من خلاله، وأن يرفع الدخل القومي به، وأن ينهض بدولته بواسطته.
والمطلوب شيء بسيط جداً، وهو أن نطبق قواعد الدين: الإسلامي أو المسيحي فلا نهدر شيئاً، وأن نستخدم كل شيء برشادة وعقلانية، ودون تبذير أو إسراف، وأن نحافظ على أملاكنا، وأملاك المجتمع.
تخيلوا إذا حرص كل منا على ألا يلقي لقمة خبز في القمامة، وألا يستهلك أكثر مما يحتاج، وأن يبتعد عن الإسراف من أجل التفاخر والمباهاة، ويستهلك باعتدال ورشد، يشتري ما يحتاج فقط، ويستهلك ولا يهلك، ويبتعد عن الإسراف، حينها سيرتفع الدخل القومي بنفس نسبة التوفير في ميزانية الأسرة.
إذن فإن إصلاح الاقتصاد الأصغر، اقتصاد الفرد والأسرة، أهم بكثير من إصلاح الاقتصاد الأكبر، اقتصاد الدولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة