في اليوم الدولي للتنوع البيولوجي.. النحل الطنان يلدغ غذاء العالم
يحتفي العالم سنويا في الثاني والعشرين من مايو/أيار باليوم الدولي للتنوع البيولوجي لكن هذه السنة يأتي وسط أزمة غذاء بطلها النحل الطنان.
يعاني المزارعون في جميع أنحاء العالم من انخفاض في وفرة الملقحات في كثير من النظم الأيكولوجية، ويثير تراجع أعداد النحل الملقح اهتمام علماء البيئة، لأنه قد يمثل إشارة مبكرة للتدهور البيئي. إذ أن أي تغيرات في أعداد وتنوع النحل ستؤثر على كمية وتنوع النباتات التي يعتمد عليها. ومن المعروف أن الملقحات تشارك في التكاثر الجنسي لكثير من النباتات، والذي يشكل عاملا رئيسيا في ضمان التنوع الوراثي.
وكشفت دراسة جديدة من جامعة ولاية نورث كارولاينا أن حمل حبوب اللقاح يزيد بشكل كبير من درجة حرارة جسم النحل الطنان.
وبما أن النباتات هي مصدر الغذاء الرئيسي للحيوانات، فأن الحد من واحدة من عوامل التلقيح الأساسية أو حتى اختفائها الممكن، أثار القلق حتى أصبح الحفاظ على الملقحات جزءا من جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي بدأ من نهاية القرن العشرين.
- حكايات خسارة المانجو في باكستان.. من أجهض المحصول؟
- المشروعات الخضراء.. أصبح لدينا قاعدة بيانات قوية وCOP28 فرصة (مقابلة)
ومؤخرا، كشفت دراسة جديدة من جامعة ولاية نورث كارولاينا نشرت في دورية "بيولوجي ليترز" (Biology Letters) العلمية عن أن حمل حبوب اللقاح يزيد بشكل كبير من درجة حرارة جسم النحل الطنان. ويثير هذا الفهم الجديد لدرجات حرارة جسم النحل تساؤلات حول كيفية تأثر هذه الأنواع في عالم أكثر دفئاً بسبب التغير المناخي.
حل قطعة من هذا اللغز
النَّحْلَةُ الطَّنَّانَة حشرة اجتماعية، ولون جسمها أسود وشعرها أسود وأصفر، ولها أكثر من 250 نوع معروف، وموطنها بالأساس في نصف الكرة الأرضية الشمالي، ومثل نحل العسل تتغذي النحلة الطنانة على الرحيق وتجمع حبوب اللقاح، وهذا يمثل اعتمادًا متبادلاً؛ حيث يعتمد النحل على مصدر ثابت ومستمر من رحيق الأزهار وحبوب اللقاح طوال العام لبناء خلاياه.
وفي الدراسة الأخيرة، وجد الباحثون أن درجة حرارة جسم النحل الطنان ترتفع بمقدار 0.07 درجة مئوية لكل ملغ من حبوب اللقاح التي يحملونها، وأن النحل الذي يحمل حمولة كاملة من حبوب اللقاح يكون أدفأ بمقدار 2 درجة مئوية من النحل الذي ليس لديه حمولة من حبوب اللقاح.
ومثل النمل وغيرها من الكائنات، تحدد درجة حرارة جسم النحل بشكل أساسي من قبل البيئة. ومن بين النحل، يتحمل النحل الطنان البرد بشكل استثنائي ويهز جسمه ليسخن خلال الأيام الباردة. ومع ذلك، لا يُعرف الكثير عن كيفية تحمله للحرارة. على الرغم من ذلك، فإن قدرة النحل على التكيف مع درجات الحرارة المتزايدة بسبب الاحتباس الحراري محدودة إلى حد ما. ولذلك، فإن أعداد النحل وتنوعه تتراجع في العديد من المناطق الأكثر دفئاً.
وبما أن النحل الطنان الذي يحمل حبوب اللقاح أدفأ من النحل الذي ليس لديه حمولة، فقد يعني ذلك أن حمل حمولة كاملة من حبوب اللقاح في يوم حار يضع النحل في مخاطر أكبر للوصول إلى نهاية تحمل درجات الحرارة القاتلة.
تقول ماليا ناومتشيك، المؤلف الرئيسي للدراسة والخريجة الجامعية السابقة في تخصص الإيكولوجيا التطبيقية: "يمكن أن يضع الارتفاع في درجة حرارة النحل بسبب حمل حبوب اللقاح النحل الطنان في المدى الذي يشمل درجات الحرارة القاسية والحرجة. وهذا يترتب عليه آثار مهمة على النحل الطنان والتغيرات المناخية، فمع زيادة درجات الحرارة البيئية، قد يتقلص نطاق درجات حرارة النحل الطنان التشغيلي بشكل كبير".
وبالفعل تشهد أعداد النحل الطنان وتنوع الأنواع انخفاضا كبيرا على مستوى العالم، وخاصة في المناطق التي تتزايد فيها درجات الحرارة بسبب التغير المناخي. ولكن لم يتم فهم آليات تأثير التغير المناخي على النحل الطنان بالكامل حتى الآن. ويمكن أن يكون هذا الاكتشاف قطعة من هذا اللغز.
إحصاءات مقلقة حول انخفاض أعداد النحل حول العالم
تشير التقديرات إلى أن أعداد النحل تنخفض بنسبة 30% إلى 40% في أنحاء العالم كل عام خلال العقدين الماضيين. وتشهد أوروبا والولايات المتحدة أكبر معدلات الانخفاض. وخسرت إيطاليا ما يقدر بنحو 80% من مستعمرات النحل الصغيرة بين 1985 و2005.
وأفاد إحصاء أجري عام 2019 في أستراليا بانخفاض أعداد النحل بنسبة 13% عن العام السابق إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ عام 1990.
فقدت الصين حوالي 40% من النحل منذ عام 1990، وتتراجع أعداد النحل البري في الهند بنسبة أسرع من أنواع النحل المستأنسة، مما يهدد تنوع النباتات هناك.
تشير هذه الإحصاءات إلى أن معدلات انخفاض أعداد النحل تتزايد في جميع أنحاء العالم، مع وجود تباين بين المناطق. وهناك بضعة أسباب رئيسية لانخفاض أعداد النحل حول العالم ويُعتقد أن المبيدات الحشرية وفقدان الموائل هي السبب الرئيسي وراء ذلك. كما أن سوء التغذية وازدياد الأمراض والطفيليات يؤدي إلى ضعف النحل، ومؤخرا يتسبب الطقس الحار بشكل متزايد في حدوث إجهاد حراري لدى النحل مما يضعفه ويقلل من أعداده.
آثار سلبية خطيرة على البيئة والإنسان
تعد حبوب اللقاح حاسمة لكل مرحلة من تاريخ حياة النحل الطنان. ففي الربيع، تحتاج الملكات الجديدة إلى إطعام أنفسهن ثم إطعام شغلاتهن الأخوات. وبعد ذلك، تتولى الشغلات إطعام اليرقات والملكات المستقبلية. وبدون حبوب اللقاح، أو بوجود كمية غير كافية منها، لن تزدهر هذه الطائفة من الحشرات، مما يضع المجتمعات المستقبلية والأنواع بأكملها في خطر. ويمكن أن يؤثر ذلك أيضاً على التلقيح بشكل عام، كما يمكن أن يؤثر على الزراعة والنظم البيئية على حد سواء.
عندما تكون درجات الحرارة المحيطة عالية، يمكن أن تصبح درجة حرارة جسم النحل عالية لدرجة يصبح فيها عرضة للضرر أو الوفاة. وهذا يثير مخاوف بشأن قدرة النحل على التكيف مع الاحتباس الحراري الذي يرفع من درجات الحرارة. ومن المحتمل أن يؤدي هذا الأمر إلى تغييرات في سلوك النحل، مثل حمل أحمال أخف والبحث عن طعام لفترات أقصر في الأيام الحارة، مما قد يقلل من الغذاء الذي يصل إلى المستعمرة ويقلل من خدمات التلقيح التي يقدمها النحل.
ويمكن لتراجع أعداد النحل أن يسبب آثارًا سلبية خطيرة على البيئة والإنسان، بما في ذلك انخفاض إنتاجية المحاصيل، حيث تلعب النحلة دورًا رئيسيًا في تلقيح العديد من المحاصيل الزراعية، بما في ذلك محاصيل الفواكه والخضروات. وانخفاض أعداد النحل من شأنه تقليل نسبة التلقيح وانخفاض إنتاجية المحاصيل. كما قد يؤدي لزيادة تكاليف الزراعة، وقد يضطر المزارعون إلى استخدام أساليب تلقيح صناعية بدلاً من النحل، مما يرفع تكاليف الإنتاج.
كما يؤدي تراجع أعداد النحل لانخفاض التنوع البيولوجي، حيث يلعب النحل دورًا مهمًا في تلقيح النباتات البرية، وبالتالي فإن انخفاض أعداده يمكن أن يتسبب في انخفاض تنوع النباتات. وعندما تنخفض أعداد النباتات الملقحة، يمكن أن يتأثر عدد الحيوانات العاشبة التي تتغذى عليها.
وهكذا تستمر الآثار عبر سلسلة الغذاء بأكملها، مما يؤدي لانخفاض التوازن البيئي، لأن النحل يلعب دورًا هامًا في الحفاظ على صحة النظم البيئية، وبالتالي فإن انخفاض أعداده قد يؤدي إلى زيادة الأعشاب الضارة وانتشار الحشرات الأخرى. ولهذا، يتطلب الأمر بذل جهود أكبر لحماية النحل ومساعدته في التكيف مع التهديدات المتزايدة اليوم.
aXA6IDMuMTM5Ljk4LjEwIA== جزيرة ام اند امز