"العين الإخبارية" تنقب عن "الحرام" في حياة المصريين.. تدين أم رقة قلب؟
تتصدر كلمة "الحرام" قاموس المصريين، لتعبر عن أكثر من معنى، فبها يمكن طلب الرأفة، وتوجيه العتاب، وفضلا عن تأكيد عدم الاستحقاق.
وتغنى النجم المصري عمرو دياب بهذه الكلمة في فيلمه "العفاريت" عام 1990: "حرام.. تموت ضحكة بريئة في شفايف الإنسانية. حرام.. تغيب عنا الحقيقة في عيون المغربية".
ولغويًا، تشير الكلمة إلى ما حرّمته الشرائع السماوية على أتباع الديانات، ففي الإسلام مثلا يٌحرم قتل النفس وشرب الخمر وشهادة الزور، ولكن الكلمة بين المصريين تقول أكثر من ذلك بكثير.
ومن جملة المعاني التي تحملها كلمة "حرام" بين المصريين، الحث على الرحمة "حرام.. ده غلبان"، ومعاتبة شخص عزيز "حرام تسيبني كل ده"، والاستحقاق "المغرب خرج رابعًا.. حرام".
وقال المفكر المصري الراحل جلال أمين: "ما أكثر ما كان لفظ (الحرام) يتردد على لسان والدتي، أكثر مما كان يرد على لسان أبي أو أحد من أخوتي، ولم يكن السبب أن أمي كانت أكثر تدينًا، بل لأنها أرقنا قلبًا".
وأضاف في مقال له بتاريخ ديسمبر/ كانون الأول 2012: "حاولت أن أبحث عن المعنى المشترك فى أكثر ما كانت تصفه أمى بالحرام فوجدت أنه القسوة، والشعب المصرى من أقل شعوب العالم ميلًا إلى القسوة".
"علامة مائية للمصريين"
"التدين علامة مائية للشخصية المصرية"، هكذا ترى الدكتورة هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بجامعة طنطا المصرية، في محاولة توضيح العلاقة بين المصريين والتدين، وتقول: "منذ بداية الحياة وقدماء المصريين مؤمنين، وهم أول من عرفوا التوحيد".
وأضافت منصور لـ"العين الإخبارية": "قدماء المصريين كان يعتبرون الملك وسيلة للتواصل بين الشعب والإله، هذا هو نسيج الشخصية المصرية منذ بدايتها وحتى الآن، والمصريون أكثر شعب متدين، وإيمانهم حقيقي وليس ظاهريًا".
وأردفت: "متغيرات كثيرة في الحياة أذابت أمورا كثيرة في الشخصية المصرية، ولكن بقيت الخلفية الأساسية هي الخلفية الدينية، فتجد الخطاب اليومي بين المصريين مرتبط دائمًا بالدين، وبالحلال والحرام، وهما لا يرتبطان بديانة معينة".
وترى أستاذ علم الاجتماع أنه مع "تطور الديانات والانتماءات الدينية على مدار التاريخ، ظل الشعب المصري متمسكًا بهذه الثنائية (الحلال والحرام)، ومتسمكًا بالتدين"، مضيفة: "كلمة (حرام) تحمل رفضًا لكل ما يخالف التعاليم الدينية، على اختلاف الأديان".
وواصلت: "هذا بفضل الشخصية المصرية، وارتباط الدين عند المصريين بالانتماء والإخلاص، لأن المصري دائمًا يرتبط بالأرض والإله ونعمه المتمثلة في الأرض والنهر والطبيعة الإنسانية".
"الرأفة ورقة القلب"
لا تجد الدكتورة إلهام شاهين، مساعد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية لشؤون الواعظات، ثمة علاقة بين الدين والكلمات المتداولة على ألسنة الشعوب، وتعتبرها "عادات ولزمات، قد تكون مأخوذة من الدين، أو في طباع الشعب وجاء الدين ليؤكدها".
وتقول "شاهين" لـ"العين الإخبارية": "كلمة (حرام) الشائعة على ألسنة المصريين مثل كلمات كثيرة قد تستشعر أنها ليست من الدين، ولكن يقصد بها معنى بعيد، مثل عبارة (ربنا يخليك)، وتعني كلمة (يخليك) في اللغة (يتركك)، فهل يكون معنى (ربنا يخليك) سلبيًا؟ بالطبع لا! بل لها مدلول عكسي، بمعنى يحفظك الرب".
وأضافت أن "هناك كلمات متداولة تحمل معنيين، أو معنى بعيد غير المعنى القريب المباشر، مثل (تربت يداك)، ومعناها اللغوي (التصق التراب بيديك) وهي كناية عن الفقر، ولكن حين قال الرسول (فاظفر بذات الدين تربت يداك) كان يعني الفوز في الدنيا".
وأردفت "شاهين" أن "كلمة (حرام) ليست دلالة على التحريم، ولكن على الرحمة والرأفة ورقة القلب، وقد تكون عادة في هذا الشعب لرفض القسوة"، مشيرة إلى أن "المصريين شعب متدين بطبعه، ودائمًا ما يسألون عن الحلال والحرام، وأي شيء يستجد يسارعون بالسؤال عن الحكم الشرعي فيه".
واختتمت: "تطبيق المعرفة بحدود الشرع أهم من أي شيء آخر، وكثرة السؤال عن الأحكام في نظري تحمّل الناس مسؤوليات كبيرة، لذا يجب أن تكون كلماتنا محددة ومقصودة، ويجب أن نطبق ما نعرفه ونتجنب ما حرمه الله، والأهم من كثرة توجيه الأسئلة هو الالتزام بتطبيق الأجوبة".
"لازمة بلا معنى"
الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، يرى أن اقتران كلمة "حرام" بالخطاب اليومي للمصريين يأتي ضمن كلمات أخرى بلا معنى، ولكنها درجت على الألسنة، وأصبحت" لازمة".
وأضاف "فرويز" لـ"العين الإخبارية" أن "هذه الكلمة وغيرها تندرج تحت قائمة طويلة لكلمات بلا قيمة، وإذا حاولت ترجمتها إلى أي لغة أخرى ستجد أنها خاوية من أي معنى".
وأوضح استشاري الطب النفسي أن المصريين لديهم قاموس زاخر بكلمات من هذا القبيل، مثل "عينه فارغة"، و"لسانه طويل"، و"سيكا"، وهي كلمة مستحدثة تعني "قليل".
aXA6IDE4LjIxOC4yNDUuMTc5IA== جزيرة ام اند امز