احتجاز الرعايا الأجانب في إيران.. جزء من لعبة أوسع بين طهران والغرب
على أنغام الاتفاق النووي الإيراني الذي تعثرت محاولات تجديده، وأثار توترا بعلاقات طهران بالغرب كان هناك ملف آخر ينكأ جراح تلك العلاقات.
ذلك الملف المتمثل في احتجاز الرعايا الأجانب ومزدوجي الجنسية، يعتبره الغرب بمثابة ورقة مساومة تحاول طهران من خلالها تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
وتحتجز إيران عددًا غير معروف من الأجانب ومزدوجي الجنسية، معظمهم بتهمة التجسس، إلا أن العديد من هؤلاء المعتقلين سعوا إلى تجنب الدعاية لقضاياهم، خشية أن يعرض ذلك مفاوضات إطلاق سراحهم للخطر.
تلك الورقة أسهمت في بعض الأحيان في الإفراج عن الأموال المجمدة في الخارج بسبب العقوبات، أو مقايضتهم مع معتقلين إيرانيين.
ورغم ذلك، إلا أنه ما إن تفشل ورقة المساومات تلك، حتى تتبادل إيران والدول المحتجز رعاياها هناك، الاتهامات باختراق المعاهدات، والقبض على الأجانب بشكل تعسفي.
فرنسا وإيران.. وجها لوجه
آخر تلك الدول، كانت فرنسا والتي اتهمت إيران اليوم الثلاثاء بخرق معاهدة دولية تحدد العلاقات القنصلية بين الدول، مشيرة إلى أن طهران أظهرت علنا أنها تحتجز رعايا أجانب بشكل تعسفي.
وتدهورت العلاقات بين فرنسا وإيران في الأشهر الماضية مع احتجاز طهران سبعة مواطنين فرنسيين فيما وصفته باريس بأنه احتجاز رهائن.
وأطلقت إيران سراح واحدة من هؤلاء، وهي الأكاديمية الإيرانية الفرنسية فريبا عادلخواه، لكن لم يتضح بعد إلى متى ستظل في إيران قبل العودة إلى فرنسا.
في السياق نفسه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر الكناني، أمس الاثنين، إن الحكومة الفرنسية تتدخل في شؤون إيران وتتبنى مواقف "هدامة" فيما يتعلق بالأحداث في طهران، مضيفًا: "من الواضح أن هذه المواقف والإجراءات التي تتخذها فرنسا لن تساعد في المفاوضات بشأن السجناء".
اتفاقية فيينا
تصريحات الكناني، ردت عليها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير ليجيندر، قائلة إنها مقلقة للغاية وتسلط الضوء على "الطابع التعسفي" لاحتجاز المواطنين الفرنسيين.
وأضافت: "هذا اعتراف من السلطات الإيرانية بانتهاك اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية التي تشكل أساس العلاقات الدبلوماسية بين الدول"، داعية إلى الإفراج الفوري عن المواطنين الفرنسيين.
وفي السنوات القليلة الماضية، ألقى الحرس الثوري الإيراني القبض على العشرات من مزدوجي الجنسية والأجانب، معظمهم بتهم تتعلق بالتجسس والأمن.
واتهمت جماعات حقوقية إيران بمحاولة إجبار دول على تقديم تنازلات من خلال مثل هذه الاعتقالات. وتنفي إيران، التي لا تعترف بالجنسية المزدوجة، احتجاز سجناء لكسب نفوذ دبلوماسي.
وأعلنت السلطات القضائية الإيرانية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنها اعتقلت خلال موجة الاحتجاجات التي اندلعت 40 مواطناً من الأجانب ومزدوجي الجنسية.
فما أبرز الجنسيات المحتجز رعاياها في إيران؟
في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر البرلمان البريطاني، بيانًا، أكد فيه أنه وفقًا للتقارير المنشورة في عام 2022، فإن ما لا يقل عن 66 أجنبيًا ومزدوجي الجنسية قد احتجزتهم إيران في الفترة من 2010 – 2015 لهم صلات بالمملكة المتحدة.
ومن بين المعتقلين الإيرانيين البريطانيين نازانين زغاري راتكليف وأنوشيه عاشوري، الذين أفرج عنهم في مارس/آذار 2022، فيما لا يزال مراد طهباز، المواطن الأمريكي الإيراني والذي يحمل الجنسية البريطانية في إيران، وكذلك البريطاني الإيراني مهران رؤوف، بالإضافة إلى أن طهران أعدمت علي رضا أكبر، المواطن الإيراني البريطاني مزدوج الجنسية، في يناير/كانون الثاني 2023.
وجادلت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية بأنه منذ 2014 كانت هناك ممارسة متزايدة من "الاعتقالات ذات الدوافع السياسية" ضد مزدوجي الجنسية في إيران.
وقضت مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي بأن العديد من مزدوجي الجنسية قد تم احتجازهم بشكل تعسفي، بينما أعرب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران عن "قلقه الشديد" بشأن استخدام تهم التجسس ضد هؤلاء الأفراد.
هل مزدوجو الجنسية جزء من لعبة أوسع؟
ربط نشطاء بين احتجاز مزدوجي الجنسية والتوترات الجيوسياسية بين إيران ودول أوروبا وأمريكا الشمالية، بحسب البرلمان البريطاني، الذي قال إن هؤلاء يتم استخدامهم "كرهائن" في مفاوضات بشأن إحياء اتفاق نووي مع إيران للحد من برنامجها النووي.
كما تم اعتقال عدد من المواطنين مزدوجي الجنسية والأجانب في إيران في أعقاب الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني في سبتمبر/أيول 2022، فيما ألقى النظام الإيراني باللوم على التدخل الخارجي في الاحتجاجات.
وجادل منتقدو حكومة المملكة المتحدة أيضًا بأن ديونًا بقيمة 394 مليون جنيه إسترليني مستحقة على المملكة المتحدة لإيران بسبب المركبات المدرعة والدبابات التي لم يتم تسليمها كانت جزءًا من سبب احتجاز مزدوجي الجنسية البريطانية والإيرانية، بحسب البرلمان البريطاني الذي قال إنه تم طلب المعدات من قبل الشاه لكن المملكة المتحدة ألغتها ردًا على الإطاحة به في الثورة الإيرانية عام 1979.
وقبلت حكومة المملكة المتحدة منذ فترة طويلة المسؤولية عن الديون، وتوصلت إلى اتفاق لسدادها في عام 2022، شريطة استخدامها للأغراض الإنسانية فقط.
وتقول الحكومة البريطانية، إن هذه كانت قضية منفصلة عن احتجاز مزدوجي الجنسية بريطاني - إيراني وترفض أي صلة بين المعتقلين والمحادثات النووية.
ما الأدوات التي يمكن استخدامها لمساعدة المحتجزين؟
لا تعترف إيران بالجنسية المزدوجة للإيرانيين، ما يعني أنه إذا تم احتجاز مزدوجي الجنسية، فلن تمنح حكومتها، أية قنصلية أوروبية أو غربية حق الوصول إلى المسؤولين الأجانب لزيارتهم أثناء الاحتجاز أو حضور محاكماتهم.
إلا أنه مع ذلك، فإن الحكومات الأجنبية أثارت مثل هذه الاعتقالات مع السلطات الإيرانية، كما سعت إلى تطوير تحالف دولي ضد الدول التي تحتجز بصورة تعسفية مواطنين مزدوجي الجنسية وأجانب.
ويقول بريان جنكينز من مؤسسة راند غير الربحية الأمريكية، إنه منذ مايو/أيار 2011، كان هناك دائمًا مواطن بريطاني واحد معروف على الأقل تحتجزه إيران.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، أعدمت إيران علي رضا أكبري، وهو مواطن بريطاني إيراني مزدوج الجنسية، بتهمة التجسس وهو ما نفاه. فيما أدانت المملكة المتحدة الإعدام وفرضت عقوبات على المدعي العام الإيراني ردًا على ذلك.
وسُمح للبريطاني الإيراني كمال فروغي بالمغادرة في عام 2020 بعد حكم بالسجن سبع سنوات بتهمة التجسس، وفي عام 2022، تم إطلاق سراح آراس أميري من الاحتجاز الإيراني بعد أن برأتها المحكمة العليا في البلاد من تهم التجسس.