يوم التأسيس.. السعودية على درب الإمام محمد بن سعود
قبل قرون قاد الإمام محمد بن سعود الجزيرة العربية إلى الوحدة بعد تشتت، واليوم أضحت السعودية في عهد عاهلها وولي عهدها واحة أمن واستقرار.
اختلفت الأزمنة والأسماء، لكنها توحدت عند أرض المملكة العربية السعودية في مختلف محطاتها المضيئة من التأسيس إلى عصرها الحديث.
وفيما قاد الإمام محمد بن سعود الجزيرة العربية إلى مرحلة الوحدة والاستقرار والازدهار والأمن والأمان بعد أن عانت لعقود من ويلات الفرقة والتشتت وعدم الاستقرار، أضحت المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، واحة أمن وأمان واستقرار وازدهار.
ويوافق، الأربعاء، ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى، مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية، العاصمة الأولى للدولة وتبعد عن مركز الرياض العاصمة حاليا 20 كيلومترًا- منتصف عام 1139هـ (22 فبراير /شباط 1727م).
ويحيي السعوديون ذكرى تأسيس المملكة بفعاليات واحتفاليات يستعيدون فيها بطولات الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، ويستذكرون بفخر وامتنان النهضة الشاملة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، سيرا على درب المؤسس.
وبهذه المناسبة الوطنية، يستعيد السعوديون سيرة ومسيرة القادة الثلاثة، وسط مشاعر فخر وامتنان وتقدير لإنجازاتهم في النهوض بماضي المملكة وحاضرها ومستقبلها.
المؤسس
يرتبط يوم التأسيس باليوم الذي تولى فيه الإمام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى وأول حكامها، مقاليد الحكم في الدرعية، منتصف عام 1139هـ (22 فبراير/ شباط 1727)، وكان عمره آنذاك 30 عاما (ولد في الدرعية عام 1697 م).
خلال تلك الفترة، كانت شبه الجزيرة العربية تشهد فوضى سياسية وبلدانها وأقاليمها في فرقة وتشتت ودائمة الاقتتال والحروب فيما بينها.
ورغم صغر سنه، فإنه كان لدى الإمام محمد بن سعود حس إداري ونظرة مستقبلية لإنشاء حضارة تزدهر عبر القرون، فرفع شعار الوحدة، وبدأ بمدينته "الدرعية" ووحَّد شطريها، وجعلها تحت حكم واحد بعد أن كان الحكم متفرقًا بين مركزين فيها.
وجرى في هذا العهد بناء حي جديد في سمحان وهو حي الطرفية والانتقال إليه بعد أن كان حي غصيبة هو مركز الحكم لفترة طويلة.
ومع بداية عهده، بدأ مرحلة جديدة في شبه الجزيرة العربية، حيث وضع لبنة البناء والوحدة التي وحدت معظم أجزائها، وأصبحت الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف.
وتوالت الإنجازات في عهد هذه الدولة، أبرزها نشر الاستقرار والاستقلال السياسي وعدم الخضوع لأي نفوذ في المنطقة أو خارجها.
وبعد انتهاء الدولة السعودية الثانية شهدت المنطقة فراغا سياسيا وفوضى في وسط شبه الجزيرة العربية استمر قرابة عشر سنوات، حتى تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله - في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ- الخامس عشر من يناير/ كانون ثاني 1902 من إعادة تأسيس الدولة السعودية الثالثة بعد أن استرد مدينة الرياض، ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، ويضع لبنة من لبنات الوحدة والاستقرار والنماء.
وخلال عهد الإمام محمد بن سعود الذي توفي عام 1765م ومن بعده من الأئمة، أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي، وقد هاجر إليها كثير من العلماء من أجل تلقي التعليم والتأليف الذي كان سائدًا حينها، مما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ.
واستمرت الدولة السعودية الأولى 91 عاما، وتحديدا حتى عام 1233هـ (1818م)، ولم تمضِ سوى سبع سنوات هجرية على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية.
وتمكن الإمام تركي من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قصيرة مستمرًا على النهج الرصين الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى وهو حفظ الأمن والتعليم والعدل والقضاء على الفرقة والتناحر، وظلت الدولة تحكم المنطقة حتى عام 1309هــ 1891م.
المملكة العربية السعودية
بعد 3 عقود من الكفاح، وتحديدا في 17 جمادى الأولى عام 1351 هـ الموافق لـ19 سبتمبر/ أيلول 1932، صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم المملكة العربية السعودية، اعتباراً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351ه الموافق 23 سبتمبر/أيلول 1932.
وتوج هذا الإعلان جهود الملك عبدالعزيز العظيمة الرامية إلى توحيد البلاد وتأسيس دولة راسخة تقوم على تطبيق أحكام القرآن والسنة النبوية الشريفة، وتم تحديد 23 من شهر سبتمبر/أيلول ليصبح اليوم الوطني للمملكة، التي أصبحت دولة عظيمة في رسالتها وإنجازاتها ومكانتها الإقليمية والدولية.
واستمر أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز لبنات البناء والاستقرار والتنمية حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث تتبوأ المملكة مكانة إقليمية ودولية، وثقة عالمية متينة، وتشهد إنجازات في مختلف المجالات.
الملك سلمان.. مسيرة زاخرة
يأتي الاحتفال بيوم التأسيس بعد نحو شهر من مرور 8 أعوام على تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مقاليد الحكم، ومبايعته ملكاً للمملكة في 23 يناير/كانون الثاني 2015.
ويحتفل السعوديون بيوم التأسيس وهم يستذكرون بفخر وامتنان قادة المملكة المتعاقبين منذ المؤسس الإمام محمد بن سعود وصولا لقائد مسيرة النهضة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والذي ترتبط سيرته بشكل وثيق بمسيرة المملكة ونهضتها وتطورها على مدار 9 عقود.
وولد الملك سلمان في 31 ديسمبر/كانون الأول 1935 بعد 3 أعوام فقط من قيام والده بتوحيد الدولة وتحويل اسمها من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية يوم 23 سبتمبر/ أيلول 1932م.
عاصر الملك سلمان جميع ملوك المملكة منذ تأسيسها على يد والده، وعمل معهم منذ أن دخل العمل السياسي في الـ19 من عمره أميرا لمنطقة الرياض بالنيابة عام 1954.
وفي العام التالي، عين أميراً لمنطقة الرياض إحدى أكبر مناطق السعودية في المساحة والسكان وعاصمة الدولة، وذلك خلال الفترة من 18 أبريل/نيسان 1955 حتى استقالته في 25 ديسمبر/كانون الأول 1960، لكن في 4 فبراير/شباط 1963، أعيد تعيينه أميراً للمنطقة نفسها.
واستمر أميراً لمنطقة الرياض لأكثر من 5 عقود، أشرف خلالها على عملية تحول المنطقة من بلدة متوسطة الحجم يسكنها نحو 200 ألف نسمة إلى إحدى أسرع العواصم نمواً وتطورا في العالم العربي.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، صدر قرار من الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بتعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز آنذاك وزيراً للدفاع، وشهدت الوزارة في عهده تطويراً شاملاً لجميع القطاعات في التدريب والتسليح.
ثم في 18 يونيو/حزيران 2012، أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمراً باختياره ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، مع احتفاظه بمنصب وزير الدفاع.
وعقب وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في 23 يناير/كانون الثاني 2015، تمت مبايعته ملكاً، ليصبح سابع ملك للمملكة العربية السعودية.
ومنذ مبايعته، شهدت المملكة المزيد من الإنجازات التنموية العملاقة على امتداد مساحاتها الشاسعة في مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية.
وعقب توليه الحكم، أعاد تشكيل مفاصل الدولة على مختلف الأصعدة، فقد أصدر أمرا ملكيا في 29 يناير/كانون الثاني 2015 تضمن إلغاء 12 لجنة ومجلسا، أبرزها مجلس الأمن الوطني والمجلس الاقتصادي الأعلى.
ووضع الملك سلمان بن عبدالعزيز إطارا عاما في خطابه أمام مجلس الشورى، في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016، لسياسة بلاده الخارجية، مؤكدا أن "خيار الحل السياسي للأزمات الدولية هو الأمثل لتحقيق تطلعات الشعوب نحو السلام".
كما يلقي بمسؤوليات جديدة على ولي العهد السعودي، الأمر الذي يتيح له مساحة أوسع على تسريع تنفيذ رؤية 2030 التي تعد خارطة طريق لمستقبل المملكة في مختلف المجالات.
وفي 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيساً لمجلس الوزراء، وهو المنصب الذي كان يتولاه الملك نفسه.
أمر يجسد ثقة ملكية متزايدة من العاهل السعودي في نجله وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بتكليفه رسميا بمهمة رئيسية كان يتولاها بنفسه، بل وينص النظام الأساسي للحكم في المملكة على أن يتولاها الملك.
محمد بن سلمان.. مستقبل واعد
ولد الأمير محمد بن سلمان في 31 أغسطس/آب 1985 بالعاصمة الرياض، وهو الابن السادس للعاهل السعودي الملك بن سلمان آل سعود.
حصل على درجة البكالوريوس في القانون في جامعة الملك سعود، وحاز على الترتيب الثاني على دفعته من كلية القانون والعلوم السياسية.
كما تلقى تعليمه العام في مدارس الرياض وكان من ضمن العشرة الأوائل على مستوى المملكة في الثانوية العامة، وخلال فترة تعليمه تلقى العديد من الدورات والبرامج.
بدأ الأمير محمد بن سلمان مسيرته بممارسة العمل الحر، قبل البدء في ممارسة مهامه في الخدمة العامة بالمملكة من خلال عمله مستشارا متفرغا بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء في 10 أبريل/نيسان 2007.
وتدرج في العديد من المناصب حتى صدر أمر ملكي بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير في مارس/آذار 2013، وذلك بعيد تولي الأمير سلمان ولاية العهد آنذاك.
ولاحقا، صدر أمر ملكي بتعيينه مشرفاً عاماً على مكتب وزير الدفاع في يوليو/تموز 2013 ، ثم في أبريل/نيسان 2014 صدر أمر ملكي بتعيينه وزيراً للدولة عضواً في مجلس الوزراء، وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، صدر قرار تعيينه رئيساً للجنة التنفيذية في دارة الملك عبدالعزيز.
وعقب تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في 23 يناير/كانون الثاني 2015، صدر أمر ملكي في اليوم نفسه بتعيينه وزيرا للدفاع، كما صدر أمر ملكي بتعيينه رئيساً للديوان الملكي ومستشاراً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين بمرتبة وزير.
وبعد نحو شهرين من توليه مهام وزارة الدفاع، انطلقت في 26 مارس/آذار 2015 عملية عاصفة الحزم لدعم الشرعية في اليمن، وتولى قيادة التحالف في الحرب ضد الحوثيين والموالين لهم.
وفي 29 أبريل/نيسان من العام نفسه، صدر أمر ملكي باختياره وليًا لولي العهد، كما ترأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يقوم بترتيب كل ما له صلة بالشؤون الاقتصادية والتنموية وما في حكمها.
وعقب ذلك، وتحديدا في 21 يونيو/حزيران 2017، صدر أمر ملكي باختياره وليًا للعهد، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء وزيرًا للدفاع، قبل أن يصدر أمر ملكي في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي بتعيينه رئيسا للوزراء.