السؤال بصورةٍ أدق: لماذا هذه الحملة الكبيرة ضد معارضي أردوغان خاصة الذين ينتمون لحزب "الشعوب الديمقراطي"؟
مرّت قبل أيام الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب العسكري الفاشل على حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في وقتٍ شنّت فيه السلطات الأمنية حملة مداهماتٍ كبيرة استهدفت حزب "الشعوب الديمقراطي" التعددي وعناصر من الجيش والشرطة وآخرين، اتهموا بالعضوية في جماعة "الخدمة" التي يقودها الداعية التركي فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري الفاشل يوم 15 يوليو/تموز من العام 2016.
لقد مرّت 4 سنوات على تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة ولم يُعرف إلى الآن من كان يقف وراءها، رغم أن عشرات الآلاف اعتقلوا إثر اتهامهم من قبل السلطات التركية بالتورط في المشاركة بتنفيذها، إلا أن الملفت طيلة تلك الفترة أن الاعتقالات لم تقتصر على أعضاء حركة غولن رغم أنه المتهم الوحيد بالوقوف وراء الانقلاب.
والسؤال بصورةٍ أدق: لماذا هذه الحملة الكبيرة ضد معارضي أردوغان وخاصة الذين ينتمون لحزب "الشعوب الديمقراطي"؟
إن كل ما تلا تلك المحاولة صب لصالحه ومنحه سلطة رئاسية بصلاحياتٍ مطلقة، لذا يحتفل أردوغان بذكرى الانقلاب على حكمه بنفسه مع نفسه!
أدرك أردوغان منذ الانتخابات البرلمانية في صيف العام 2015 إن التهديد الأكبر على حكمه سيكون مصدره حزب "الشعوب الديمقراطي"، لا سيما وأنه استطاع حينها أن يحظى بثمانين مقعداً في البرلمان التركي في أول انتخاباتٍ نيابية شارك فيها وذلك بالرغم من الضغوط الكبيرة التي تعرض لها الحزب آنذاك كاعتقال أنصاره وهجوم متطرّفين أتراك على مكاتبه واستهداف تجمعاته الانتخابية.
لذلك منحت حالة الطوارئ التي اعقبت محاولة الانقلاب فرصة مواتية لأردوغان للتخلص من خصومه السياسيين ومعارضيه. وهو ما يعمل عليه منذ سنوات، لكنه لم ينجح في ذلك إلى الآن.
وعلى سبيل المثال، اعتقلت السلطات التركية قبل 4 أيام، ما لا يقل عن 56 من أعضاء حزب" الشعوب الديمقراطي" عشية الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب.
ومع ذلك خرج مسؤولون من الحزب وقالوا: "لن نستسلم ولن نترك الساحة لأردوغان مهما فعل".
وجاءت تلك الاعتقالات رغم عدم وجود أي علاقة بين الحزب المعارض وانقلابيّ يوليو 2016 لكن أردوغان يستثمر حملته الأمنية ضد هذا الحزب لضرب عصفورين بحجرٍ واحد كما يُقال.
فهو من جهة يؤكد لأنصار حزبه الإسلامي إنه يعتقل اليساريين، ومن جهة أخرى يؤكد لحلفائه القوميين في حزب الحركة القومية اليميني المتطرّف إنه يستهدف الأكراد على وجه الخصوص.
وفي كلتا الحالتين تساهم هذه الاعتقالات بمنحه المزيد من الشعبية وتظهره على هيئة الرئيس القوي والمنتصر على محاولة الانقلاب.
وحتى ما قبل الانقلاب المزعوم، كانت الاعتقالات مستمرة على الدوام، لكنها ازدادت أكثر بعد تلك المحاولة وتلاها دخول البلاد في أزمةٍ اقتصادية كبيرة تزامنت مع تراجع الحريات العامة واغلاق مئات وسائل الإعلام واعتقال الصحفيين وغيرها من الانتهاكات التي تستمر السلطات بارتكابها على نطاق واسع وهي كلها تصب لصالح أردوغان وحزبه الحاكم.
لذلك أياً كان الفاعل الذي يقف وراء انقلاب يوليو، فإن أردوغان شريكه وهو أمر أشار إليه زعيم حزب المعارضة الرئيسي "الشعب الجمهوري" قبل 4 أيام، حين قال إن "أردوغان كان يعرف مسبقاً موعد الانقلاب"، وما يزيد من صحة تلك الفرضية هو أن كل ما تلا تلك المحاولة صب لصالحه ومنحه سلطة رئاسية بصلاحياتٍ مطلقة، لذا يحتفل أردوغان بذكرى الانقلاب على حكمه بنفسه مع نفسه!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة