فرنسا والمغرب والجزائر.. "الشيطان" يكمن بتفاصيل إعادة التطبيع
كأحجار الدومينو، انهارت جهود فرنسا لتحسين العلاقات مع المغرب والجزائر، وبدا الطريق مفروشا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالورود.
وزار الرئيس الفرنسي الجزائر، والتقى مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، وتجول في العاصمة ووهران، وكأن كل شيء عاد بين البلدين كما ينبغي، ويطمح إليه ماكرون، لكن بدا أن كل ذلك كان صرحا من أمنيات هوى تحت عصف رياح السياسة، وتقلبات أجوائها.
نفس الشيء بالنسبة للمغرب، التي قارب تطبيع العلاقات بينها وبين فرنسا خط النهاية، وكاد يتوج بزيارة كانت مقررة في العام الجديد 2023، لكن الدروب افترقت فيما يبدو، وعاد التوتر بين الرباط وباريس سيرته الأولى.
فرنسا والمغرب.. تعطل قطار التطبيع
في ديسمبر/كانون الأول الماضي اقتربت العلاقات بين المغرب وفرنسا من العودة إلى طبيعتها، واتفقت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا ونظيرها المغربي ناصر بوريطة على موعد زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة في الربع الأول من عام 2023.
لكن بعد أقل من خمسة أسابيع، وتحديدا في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، استدعت الرباط، بأمر ملكي، سفيرها في باريس محمد بنشعبون، دون أن تسمي على الفور بديلًا له، كما هو الحال في الأعراف الدبلوماسية.
وفي نفس اليوم صوت البرلمان الأوروبي على قرار ينتقد حرية الصحافة في المغرب، إذ دعا أعضاء الهيئة التشريعية للتكتل الرباط إلى منح "محاكمة عادلة" للصحفيين المسجونين في البلاد، بمن فيهم عمر الراضي وسليمان الريسوني، وتوفيق بوعشرين.
تلك الدعوة رأى فيها البرلمان المغربي، على لسان رئيسه رشيد طلب عامي، "حملة مناهضة للمغرب في بروكسل تنظمها باريس".
طبعا من المقرر أن يترك السفير المغربي في باريس منصبه في فرنسا لتولي مهمة أخرى على رأس صندوق الملك محمد السادس، وبالفعل أعلن عن تعيينه في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، كما يشير الباحث ومدير المرصد المغاربي إبراهيم أومصور.
لكن هذا التوقيت يثير تساؤلات، لقد تم تعيينه في مكان آخر بالفعل، لذلك اضطر إلى ترك منصبه كسفير، لا يسع المرء إلا أن يتساءل لماذا لم يتم رفع مهامه عاجلاً، ولماذا لم يتم استبداله... هذا لا يخفي فتور العلاقات الفرنسية المغربية منذ سنوات، يقول أومصور في تصريحات لـ"العين الإخبارية".
في الواقع، يتذكر إبراهيم أومصور حلقات معينة من قائمة طويلة من الأحداث التي تشير إلى ذروة التوتر بين باريس والرباط، من بينها: "استدعاء رئيس المخابرات المغربية، عبداللطيف حموشي، في فبراير/شباط 2014، من قبل المحاكم الفرنسية في إطار الشكاوى المقدمة بشأن اتهامات خطيرة بالتعذيب".
ثم استغلت منظمة الحقوقية الفرنسية "أكات"، وجودها في فرنسا لتطلب من السلطات الفرنسية الاستماع إلى هذا المسؤول المغربي الذي اتهمته بـ"التواطؤ في التعذيب" في معتقل في تمارة، التابع للمديرية العامة المغربية لمراقبة الأراضي. كما تم تقديم شكوى أخرى، وهي شكوى الملاكم زكريا المومني، عن نفس الوقائع، إذ تم رفض القضية في يوليو/ تموز 2016.
إلى جانب هذه العلاقة المتقلبة بين الرباط وباريس، حاولت فرنسا استراتيجية التقارب مع الجزائر، وذلك من خلال زيارة رسمية للرئيس ماكرون وجزء من حكومته الفرنسية إلى الجزائر العاصمة ووهران في الفترة من 25 إلى 27 أغسطس 2022. زيارة موضوعة تحت منظور "ودي"، تريد طي صفحة أزمة الذاكرة لباريس، ولكنها مهمة أيضًا من وجهة نظر اقتصادية وطاقية.
فرنسا والجزائر.. غضب يطفئ الطاقة
أما الجزائر فلا تزال مواردها من الغاز والنفط محطّ أنظار أوروبا خاصة فرنسا، لكن رياح السياسة، جرت بما لا تشتهيه سفن الاقتصاد، الذي يعاني نقص الطاقة، في ليالي الشتاء القارس.
ويوضح الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS) إبراهيم أومصور، أن فرنسا حتى ولو لم تكن بحاجة للغاز الجزائري مثل ألمانيا أو إيطاليا، على سبيل المثال، منذ أزمة الطاقة مع روسيا، فإنها لا تزال بحاجة إلى تأمين إمداداتها، للتفاوض بشأن التعريفات التفضيلية مع الجزائر.
وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، الجزائر في مرحلة انتعاش اقتصادي، مدفوعة بانتهاء نظام عبدالعزيز بوتفليقة. تريد تنويع اقتصادها، وبالتالي فتح فرص استثمارية للدول الأجنبية، بما في ذلك فرنسا. وهي أيضًا رغبة فرنسية في إعادة احتلال السوق الجزائري".
وبحسب الديبلوماسي الفرنسي والسفير السابق لدى الجزائر كزافييه درينكور، فإن هذه الاستراتيجية هي جزء من عودة فرنسا للتقارب مع الجزائر؛ إذ "كان هدف ماكرون حينها استئناف الاتصال بالجزائر بعد فترة معقدة".
غير أن ما جرى العكس، فقد استدعت الجزائر هذا الأسبوع سفيرها في باريس سعيد موسي "للتشاور" عقب قضية أميرة بوراوي، الناشطة الفرنسية-الجزائرية في مجال حقوق الإنسان التي غادرت الجزائر بشكل غير قانوني إلى تونس، ثم إلى فرنسا.
وطلبت الناشطة التي تحمل جواز سفر فرنسيًا الحماية القنصلية من بلدها الثاني، وتمكنت من السفر على متن طائرة متوجهة إلى باريس في 6 فبراير/ شباط، ليتصاعد غضب الجزائر، التي شجبت "التسلل السري وغير القانوني" من فرنسا، واستدعت سفيرها في باريس، على خلفية ذلك.
وبالعودة إلى المحلل السياسي إبراهيم أومصور، فإن الأزمة الدبلوماسية الجديدة، "دليل على هشاشة العلاقة الجزائرية-الفرنسية، وتعكس مدى تعقيدها وحساسيتها، لارتباطها بالماضي الاستعماري". ويوضح أن "التقارب بين البلدين يبدو صعبا للغاية، على الرغم من حسن النية الذي أبدته الحكومتان".
غير أن الملاحظ أنه حتى مع إشعال حادثة دبلوماسية بسيطة كهذه للتوتر، إلا أن "هناك وعيا للدولتين بأن إحداهما بحاجة إلى الأخرى. فرنسا بحاجة إلى الجزائر، خاصة بعد الفشل الدبلوماسي في مالي حيث إن الجزائر هي الوسيط التاريخي التقليدي في باماكو، وقادت أيضًا المفاوضات في عام 2014 التي أسفرت عن اتفاق عام 2015، اتفاق الجزائر".
والجزائر تعد بلدا يحظى باحترام السلطات المالية في الوقت الحالي، ويمكن لفرنسا الاعتماد عليه في استراتيجيتها لإعادة الانتشار في المنطقة، وهذا يسهم أيضًا في الرغبة المشتركة للتقارب، وفق ما يقول إبراهيم أومصور.
aXA6IDMuMTQ4LjEwOC4xNDQg جزيرة ام اند امز