فرنسا على أبواب «خريف الغضب».. شبح «السترات الصفراء» يتحدى ماكرون

تبدو فرنسا وكأنها تقف مجددًا على حافة بركان غضب شعبي لم تخبُ جذوته منذ «شتاء السترات الصفراء».
فقد بدأت تلوح في الأفق دعوات للتظاهر في 10 سبتمبر/أيلول المقبل، بعضها سياسية وأخرى اجتماعية، على خلفية مشروع الموازنة الحكومي الذي يسعى إلى تخفيض الدين العام عبر إجراءات تمس المواطنين الفرنسيين.
وأعلنت العديد من الأحزاب من اليسار واليمين دعمها للحراك عبر وسوم مثل «ليحجبوا كل شيء»، لكن تجنب حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) المشاركة فيها ينذر بأزمة اجتماعية جديدة في فرنسا تهدد البلاد بالانزلاق في الفوضى والانفلات الأمني، وفق خبراء سياسيين.
تبرؤ «التجمع الوطني»
في حين تقدمت أحزاب اليسار، مثل «فرنسا الأبية» والحزب الشيوعي والخضر والحزب الاشتراكي، بدعمها لحملة «لنحجب كل شيء» المقررة في 10 سبتمبر/أيلول، أعلن حزب «التجمع الوطني» أنه لا ينوي تنظيم أو توجيه أنصاره للمشاركة.
وقالت نائبة الحزب إدوويغ ديياز: «دورنا كحزب سياسي هو تقديم حلول للمشاكل، لا إطلاق الشعارات عبر مكبرات الصوت».
وأضاف النائب توماس مينيجيه: «لا نريد تحويل البلاد إلى فوضى. مؤيدونا أحرار في التصرف، لكننا لا نؤيد أن يتحوّل الوضع إلى حالة تُضر بالفاعلين الاقتصاديين والمجتمع».
هذه المواقف تحمل رسائل مزدوجة: من ناحية إبعاد الحزب عن صورة التحريض، ومن ناحية أخرى الإيحاء بأن اليسار يسعى لاستغلال الحراك لإضعاف الشرعية السياسية القائمة.
عودة إلى «السترات الصفراء»؟
وحذر أستاذ العلوم السياسية في جامعة نانتير، لوران بونيلي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، من احتمال انجراف فرنسا إلى العنف والانفلات الأمني، موضحاً أن أقصى اليمين يرى أن الحراك لا يغلق الباب أمام غليان اجتماعي متنامٍ.
وأضاف: «الثورة المعتادة لن تُستعاد مباشرة، لكن التراكم الصامت للأزمات الاجتماعية، من غلاء المعيشة إلى التفاوت والغياب السياسي، خلق وقوداً جاهزاً للاشتعال عند أول شرارة».
واعتبر أن انسحاب «التجمع الوطني» يُظهر تخوفاً من الفوضى، لكن الفراغ الذي يتركه الحزب قد يُملأ بحركات غير منظمة وأكثر غضباً.
كما أكد بونيلي أن استياء الطبقات المتوسطة والدنيا لا يمكن احتواؤه بالتصريحات الرسمية أو محاولات التهدئة، مشيراً إلى أن قدرة الدولة على ضبط الغضب آخذة في التراجع. وأضاف أن يومي 1 و10 سبتمبر سيكونان اختباراً لمدى قدرة المؤسسات الأمنية والاجتماعية على منع تصاعد الاشتباكات.
مناورة سياسية أم خوف من الخسارة؟
من جانبه، قال الباحث السياسي المتخصص في أقصى اليمين بمعهد العلوم السياسية في باريس، توماس غينوليه، إن هناك صلة بين تراجع حزب «التجمع الوطني» عن المشاركة في الاحتجاجات وبين حسابات سياسية دقيقة.
وأوضح في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «الحزب يُجنّب نفسه الخسارة السياسية من استغلال الحراك، لكن هذا لا يعني أن القاعدة أو ذوي الأفكار المتطرفة سيصمتون. بل قد يندفعون إلى الأمام بتعبيرات أكثر عنفاً وتنظيماً متشدداً، وقد يلتف حولهم غير المؤمنين بالسياسة التقليدية».
وأضاف أن التعبئة «غير المنظمة» قد تغذيها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تؤثر الصور والانفعالات أكثر من الخطابات السياسية. وعبر هذه المنصات، قد تتحول احتجاجات سلمية إلى فوضى أمنية يصعب على النظام ضبطها منذ بدايتها.
تهديدات كبرى في الأفق
وحذر غينوليه من أن يوم 10 سبتمبر/أيلول قد يفتح الباب أمام انزلاق البلاد في انفلات أمني واسع، موضحاً أن غياب قيادة سياسية لفصيل قوي قد يترك المجال لجهات أقل التزاماً بالقانون.
وأشار إلى أن هشاشة التنسيق السياسي وتعدد التيارات قد يدفعان الحركة إلى استقطاب عناصر متطرفة أو التفتت إلى مجموعات صغيرة لا تخضع لأي شرعية.
وختم بالقول إن تآكل الثقة بالمؤسسات، إلى جانب ذاكرة الأزمات السابقة مثل «السترات الصفراء»، يذكّر الفرنسيين بأن الغضب المتراكم يتحول سريعاً إلى أزمة نظامية إذا لم تتم الاستجابة له بحلول ملموسة وفاعلة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMiA= جزيرة ام اند امز