حاملة «الجيل الجديد».. استثمار فرنسا العسكري يواجه اختبار الفاعلية

رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها فرنسا، تواصل حكومة الرئيس ماكرون، ضخ استثمارات ضخمة في مشروع حاملة الطائرات النووية الجديدة المعروفة باسم "حاملة الجيل الجديد".
هذا القرار أثار، بحسب مجلة «ناشيونال إنترست»، الكثير من التساؤلات حول جدوى هذا النوع من الإنفاق العسكري في عصر تتغير فيه طبيعة الحروب والتوازنات الجيوسياسية بسرعة غير مسبوقة.
فحتى لو افترضنا أن روسيا تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الفرنسي، يبقى السؤال حول طبيعة الدور الحقيقي الذي يمكن أن تلعبه حاملة طائرات في مثل هذا السيناريو، وما إذا كانت الحاملات لا تزال تحتفظ بقيمتها الاستراتيجية في ظل التطورات التكنولوجية الحالية؟
وتشير المجلة إلى أن الرئيس ماكرون يحمل بين جوانحه طموحات كبيرة تتجاوز حدود الدور التقليدي لفرنسا في أوروبا. ففي رؤيته الاستراتيجية، يسعى ماكرون إلى إعادة فرنسا لموقعها كقوة عظمى أوروبية، بل وربما القوة الأكثر تأثيرًا في القارة، على غرار الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة داخل حلف الناتو وعلى المسرح الدولي.
لكن الواقع يفرض معطيات مختلفة؛ ففرنسا، رغم تاريخها العسكري العريق، لم تعد تملك القدرة على خوض عمليات عسكرية واسعة النطاق دون دعم لوجستي وتقني من القوى الكبرى، كما ظهر جليًا في تدخلها المحدود في مالي، حيث اضطرت للاعتماد على الدعم الأمريكي.
برغم ذلك، يصر ماكرون على أن قوة فرنسا العسكرية يجب أن تبقى "مقدسة" ولا تمس، بل ويستحضر في خطابه صورة فرنسا كإمبراطورية عظمى على شاكلة فرنسا النابليونية.
ولتعزيز هذا التصور، أطلق مشروع حاملة الطائرات النووية الجديدة، الذي يُعد من أضخم مشاريع التسلح الفرنسية في العقود الأخيرة.
إلا أن هذا المشروع يواجه انتقادات واسعة من خبراء الدفاع والاستراتيجية، الذين يرون أن عصر حاملات الطائرات يقترب من نهايته، خاصة مع التطور الهائل في أنظمة الدفاع الساحلي والصواريخ الفرط صوتية، التي تجعل من الحاملات أهدافًا ضخمة وسهلة في أي مواجهة عسكرية عالية الكثافة.
ما يزيد من حدة الانتقادات أن مشروع الحاملة الجديدة لن يرى النور قبل منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، أي أن فرنسا ستستثمر مليارات اليوروهات من ميزانيتها الدفاعية في نظام قد يصبح متأخرا تكنولوجيًا حتى قبل دخوله الخدمة الفعلية.
ورغم ذلك، تمضي باريس في المشروع، حيث بدأت بالفعل في تجميع المكونات الأولية، مع توقعات بأن يبدأ البناء الفعلي خلال سنوات قليلة، رغم بطء وتيرة العمل المعتادة في الصناعات العسكرية الفرنسية.
من الناحية الاستراتيجية، يبرر صناع القرار في فرنسا هذا الاستثمار الضخم بأنه جزء من "إعادة التسلح" الأوروبية في مواجهة التهديدات الروسية المتزايدة.
لكن الواقع يكشف أن هذه الموجة من إعادة التسلح لم تؤدِ حتى الآن إلى تغيير جوهري في القدرات الدفاعية الأوروبية أو في طبيعة الصناعات العسكرية في القارة.
ويبدو أن الأوروبيين يحاولون إرسال رسالة سياسية للعالم بأنهم جادون في تحمل مسؤولية الدفاع عن أنفسهم، في وقت تتزايد فيه الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا على المدى الطويل.
ويرى التقرير أن أولويات فرنسا الاستراتيجية تبدو غير منسجمة مع التهديدات الحقيقية. فحتى لو افترضنا اندلاع صراع عسكري واسع في أوروبا، فإن طبيعة هذا الصراع ستكون برية وجوية بالدرجة الأولى، ولن يكون للبحرية الفرنسية، أو حتى لحاملة طائرات جديدة، دور حاسم في مجريات الأحداث.
هذا التوجه يثير تساؤلات حول جدوى إنفاق أموال الضرائب الفرنسية المحدودة على مشروع ضخم مثل "حاملة الجيل الجديد"، خاصة وأن دخولها الخدمة لن يتم إلا بعد سنوات طويلة، وربما تتغير خلالها طبيعة التهديدات والتكنولوجيا العسكرية بشكل جذري.
ويخشى الكثيرون من أن ينتهي المشروع إلى مصير مشروعات عسكرية أخرى توقفت بسبب التكاليف الباهظة أو تغير الأولويات الاستراتيجية.
وخلص التقرير، إلى أنه إذا كانت فرنسا جادة حقًا في تعزيز أمنها الاستراتيجي، فإن عليها إعادة النظر في أولوياتها الدفاعية، والتركيز على الاستثمار في مجالات أكثر ارتباطًا بتهديدات العصر الحديث، مثل تطوير قدرات الطائرات المُسيّرة، والصواريخ الفرط صوتية، وحماية الفضاء السيبراني والطيف الكهرومغناطيسي، إلى جانب تحديث وتوسيع ترسانتها النووية لجعلها أكثر مرونة وقدرة على الردع.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAzIA== جزيرة ام اند امز