الابتكار الفرنسي في الصين.. ماكرون يعزز حضور الشركات وسط منافسة شرسة
بينما تضرب الصناعة الفرنسية بشدة جراء المنافسة الصينية، بما في ذلك على صعيد الابتكار، ترى مجموعات فرنسية أنه من الضروري الحفاظ على وجودها في الصين، حيث سيزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البلاد في الفترة من 3 إلى 5 ديسمبر/كانون الأول.
الابتكار الفرنسي في قلب شنغهاي
في حي متجدد في شنغهاي، حيث يلتقي موظفو عمالقة التكنولوجيا الصينيون مع عشاق المتاحف للفن المعاصر، وعلى بعد خطوات من ضفاف نهر هوانغبو، افتتح مركز الابتكار "أمبير" لتطوير الصين Ampere China Development Center (ACDC) التابع لشركة رونو في عام 2024.
واستقطب المركز حوالي 150 مهندسًا من العمالة الصينية المتميزة في صناعة السيارات، لتعلم تصميم مركبات تُنتج لاحقًا في أوروبا، على غرار رينو توينغو E-Tech الكهربائية الجديدة، التي صُممت في نصف الوقت مقارنة بالإنتاج التقليدي في أوروبا، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وقال فيليب برونيه، المدير التقني للشركة "ولدت في فرنسا، وتم تطويرها في الصين، وأُنتجت في أوروبا. التواجد بالقرب من أفضل المبتكرين، والتعلم بتواضع، وبناء شراكات قوية ليس خيارًا بل ضرورة. نحن موجودون حيث يُصنع مستقبل صناعة السيارات".
الشركات الأوروبية تتعلم من الصين
زيارة ماكرون إلى بكين وتشينغدو بين 3 و5 ديسمبر/كانون الأول تكشف هذا الانقلاب الكبير: الشركات الأوروبية تتواجد في الصين لتتعلم من نظرائها الصينيين. الصين باتت لاعبًا محوريًا في الابتكار الصناعي، حيث تجاوزت مصانعها 30% من الإنتاج الصناعي العالمي، ما يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصادات الأخرى.
عبر سنوات الإنتاج للصين، اكتسبت البلاد معرفة تقنية ولوجستية وإنتاجية، كما فعلت في المعادن النادرة التي لا تزال تحتكر تحويلها، في حين أصبح المستهلك الصيني أكثر حذرًا، والمنافسة المحلية شرسة، ما يفرض تقديم المزيد بأقل تكلفة. يصف المديرون هذه السرعة بـ "China speed"، وهي تجربة غالبًا ما تفاجئ الشركات الأجنبية.
تجارب رينو والتحديات المحلية
في ربيع 2020، خلال الأشهر الأولى من جائحة كورونا في ووهان، أغلقت رينو مصنعها هناك بعد فشلها في السوق، وسلمته لشريكها المحلي Dongfeng Motor Group.
وشهدت المدن الصينية، بما في ذلك ووهان وشنغهاي، انخفاضًا حادًا في عدد الفرنسيين المقيمين، إذ انخفض عددهم في شنغهاي إلى نحو 6 آلاف شخص مقارنة بما قبل كورونا.
تفضيل الإنتاج المحلي
ويشير مستشار فرنسي مقيم في الصين منذ 30 عامًا "المشاريع الصناعية الفرنسية الجديدة نادرة جدًا. صورة الصين سيئة في أذهان مجالس الإدارة، ولا يتم النظر فيها بجدية. بالتأكيد هناك بعض التحسن بفضل الابتكارات التكنولوجية، لكن تبقى سلسلة الإمداد غير مضمونة، ولا يمكن التأكد من مرور المكونات أو قطع الغيار عند الحدود في حال حدوث توترات جيوسياسية".
واعتبارًا من 1 يناير/كانون الثاني 2026، ستفضل العطاءات الحكومية الإنتاج المحلي للمعدات الكهربائية والآلات والمركبات، ما يلزم الشركات الأجنبية إما التعاون مع شريك محلي أو الإنتاج داخل الصين للحفاظ على التنافسية.
يشير إريك تارشون، مدير شركة توظيف في الصين منذ 25 عامًا، إلى أن الشركات الصغيرة الفرنسية تطلب مدير فرع متكامل مع شريك صيني ناطق بالصينية ومستقر في البلاد لضمان فهم أفضل للسوق المعقد.
المنافسة الشرسة
الشركات الكبرى مثل ستاربكس وبرجر كينغ نقلت جزءًا من أعمالها إلى شركات محلية، بينما تسعى ديكاتلون للعثور على شريك محلي لامتلاك نحو 30% من فرعها الصيني بقيمة مليار دولار، لتقوية شبكتها أمام المنافسين المحليين مثل لي نينغ وأنتا، المملوكة أيضًا لشركة Salomon وArc’teryx.
ومع ذلك، يرى بعض المستشارين أن الشراكات تعني فقدان بعض السيطرة واحتمال النزاعات المستقبلية، لكنها ضرورية لفهم السوق المحلي وتحقيق سرعة التنفيذ.
ضرورة البقاء في السوق الصينية
بالرغم من تباطؤ الطلب، هناك شركات فاخرة مثل " لويس فيتون" تحافظ على حضورها، كما تفعل "لوريال"، ثاني أكبر سوق لها بعد الصين.
ويوضح بيرتراند رينيه، الذي يرافق الشركات الفرنسية في الصين منذ 17 عامًا لدى EY: "من الصعب أن تكون على القمة عالميًا دون موقع جيد في الصين، والشركات هناك تتعلم أيضًا الابتكارات التي قد تؤثر لاحقًا على الأسواق الأخرى. حجم السوق وسرعة التغير تمثل تحديات كبيرة."
الجانب السلبي
مع انخفاض الأسعار وزيادة التجارة الإلكترونية، انسحبت كارفور وأوشان، بينما واصلت شركات مثل "إيرباص" وسافرن الاستثمار في الصين، مثل خط تجميع A320 في تيانجين.
شركة "سودكسو"، التي تقدم 1.2 مليون وجبة يوميًا في الصين، استحوذت على أنشطة منافسها البريطاني "كومباس" عام 2024 لتوسيع قاعدة عملائها ومواجهة المنافسة المحلية، خصوصًا مع التركيز على الابتكار الرقمي (طلبات عبر الإنترنت، خزائن ذكية، تحليل البيانات).
طموحات الصين طويلة المدى
وتهدف الصين إلى الاعتماد على الذات في القطاعات الاستراتيجية، وفقًا للخطة الخمسية الخامسة عشر التي عُرضت في أكتوبر.
في قطاع الطاقة النووية، لم تعد الصين تشتري محطات من الخارج، بينما يظل بعض الموردين الفرنسيين موجودين على طول سلسلة التوريد، كما هو الحال في السيارات مع شراكة Forvia وBYD.
كما يحذر أحد المديرين الفرنسيين المقيمين طويلًا في الصين: "المنافسة المحلية شديدة جدًا، وأي شركة بدون قيمة مضافة واضحة أو تنافسية لا مكان لها في السوق."
الميزان التجاري الفرنسي مع الصين
العجز التجاري الفرنسي مع الصين بلغ 47 مليار يورو في 2024. تسعى أوروبا لإقناع الشركات الصينية بالاستثمار لديها وخلق وظائف، لكن كفاءة الإنتاج المحلي، الابتكار، ارتفاع تكاليف العمالة في الخارج، والحاجة لاستغلال الطاقة الإنتاجية المحلية تحد من جاذبية هذه الفرص.
كما تحرص الصين على حماية الملكية الفكرية ومعرفة الإنتاج لديها، كما فعلت أوروبا سابقًا، ما يجعل المنافسة معقدة أمام الشركات الفرنسية والأوروبية.