فرنسا-الصين.. هل ينجح الحصان في ترويض التنين؟
حصان من جياد الحرس الجمهوري الفرنسي، قدمه ماكرون لنظيره الصيني، خلال زيارته بكين
حصان من جياد الحرس الجمهوري الفرنسي، قدمه الرئيس إيمانويل ماكرون لنظيره الصيني، شي جين بينغ، في زيارة هي الأولى لرئيس من الغرب منذ أن تم التمديد للأخير لولاية جديدة.
هديةٌ تُعَد سابقة في التاريخ الفرنسي، فهذه المرة الأولى التي يقدم فيها رئيس فرنسي أحد جياد فرقة الفرسان هدية، ما اصطلح الإعلام الغربي على تسميته بـ «دبلوماسية الحصان» التي تأتي ردا على «دبلوماسية الباندا» الصينية بعد أن أصبحت بريجيت زوجة ماكرون عرّابة لحيوان الباندا الذي أهدته بكين لحديقة حيوان قرب باريس.
الحصان قدمه ماكرون بنفسه، الإثنين الماضي، في تغريدة عبر «تويتر»، اطلعت عليها بوابة العين الإخبارية، وقال إن اسمه «فوزوف دو بريكا»، ويبلغ من العمر 9 سنوات، معتبرا أن هديته «ترمز للصداقة»، دون أن يحدد على نحو دقيق لمن سيقدم تلك الهدية.
هدايا من نوع خاص أضحت دارجة في العلاقات الدبلوماسية الفرنسية في العقدين الأخيرين، بل إن إهداء الحيوانات بات تقليدا، حيث سبق أن أهدت الصين، في 2002، زوجا من الباندا لحديقة حيوانات بفرنسا، وحين أنجب هذا الزوج صغيرا العام الماضي، تولت زوجة ماكرون رعايته.
دبلوماسية تؤشر لدخول العلاقات الفرنسية الصينية مرحلة جديدة، ويتوقع من خلالها الفاعلون في البلدين توطيد التعاون وتعزيز الاستثمارات للجانبين، في مسار يقول محللون إن الحصان الفرنسي يرمي من ورائه إلى محاولة ترويض التنين الصيني.
إعادة بناء الثقة بين الجانبين
حسني عبيدي، الأستاذ في المعهد الأوروبي بجامعة جنيف السويسرية، اعتبر أن إعادة الثقة بين فرنسا والصين «غير سهل بالمرة»، لكن ذلك لم يمنع ماكرون من المجازفة بزيارة يعلم جيدا أنها فرصة تاريخية بالنسبة له لتحقيق أكثر من هدف، بل لضرب عشرات العصافير بحجر واحد.
فالزيارة تستبطن أكثر من بعد، خصوصا أنها أول زيارة لزعيم أوروبي للصين، وفرنسا تعد من أكثر البلدان الممثلة للاتحاد الأوروبي حاليا.
فماكرون دائما ما يتحدث باسم أوروبا وليس فرنسا، وحتى في خطابه بالصين، تحدث «باسم أوروبا»، لأنه في النهاية يستمد قوته وشرعيته من هذه القارة.
الزيارة عكست أيضا الأداء الدبلوماسي النشيط لماكرون، والمختلف تماما عن سلفه فرانسوا أولاند أو حتى نيكولا ساركوزي، ومنحت الرئيس فرصة ليبعث رسالة للعالم بأسره، وخاصة للولايات المتحدة، مفادها أن باريس تقف على مسافة واحدة من جميع القوى العالمية.
أما من وجهة النظر الأخرى، فيقول دبلوماسيون فرنسيون إن الصين بذلت جهدا كبيرا من أجل أن تكون أول زيارة لماكرون في آسيا للصين، وهي رغبة نابعة من قراءة الصينيين العميقة لخارطة العلاقات الدولية.
قراءة منحتهم قناعة بأن ماكرون يمكن أن يكون شريكا ومحاورا استراتيجيا مهما جدا بعد خيبة أملهم في ترامب، وفي وقت انغمست فيه أبرز بلدان الاتحاد الأوروبي في مشاكلها الخاصة، فبريطانيا منكبة على مفاوضات «البريكست»، وألمانيا تفكر في مرحلة ما بعد الانتخابات، وإسبانيا تعالج ملف كتالونيا.
معطيات تجعل من الصعب على بكين إيجاد بديل عن ماكرون محاورا من الاتحاد الأوروبي، خاصة لما تتمتع به فرنسا من استقرار يرشحها لأن تكون شريكا جديدا مهما للغاية بالنسبة لها.
المصالح الاقتصادية
إعادة بناء الثقة على الصعيد الاقتصادي تشكل الهدف بل التحدي المحوري لزيارة ماكرون للصين، لرأب الصدع والعجز الحاصل على مستوى الميزان التجاري بين البلدين، والمقدر بنحو 30 مليار يورو.
فماكرون استخدم مسألة الاختلاف في عدد من الملفات، بينها الطاقة والبيئة والاحتباس الحراري، وغيرها ليدعو الصين إلى العمل سويا في عدد من المشاريع، ورفع قيمة استثمارات بلاده بهذا البلد، والمقدر بحوالي 36 مليار يورو.
دعوة ركزت بالأساس على العمل سويا في مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها بكين، وتعتزم تنفيذها عبر آسيا وأوروبا، لبناء طريق حرير حديث.
الرئيس الفرنسي اعتبر، في خطابه بيومه الأول لزيارته، أن «طرق الحرير القديمة لم تكن صينية فقط، تلك الطرق بتعريفها ينبغي أن تقوم على المشاركة، إذا كانت طرقا فلا يمكن أن تكون في اتجاه واحد».
وتبلغ كلفة المشروع الصيني نحو ألف مليار دولار، ويرمي لإقامة حزام بري من السكك الحديدية والطرقات، بما يمكِّن بكين من الوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.
وتتأتي أهمية المشروع من كونه يشمل نحو 65 بلدا حول العالم، أي ما يمثل 60 % من سكان العالم، حيث ستقوم الصين ببناء طرقات ومرافئ، وبمد سكك حديد.
مشروع سيمتد على مساحة توفر نحو ثلث إجمالي الناتج العالمي، ومشاركة فرنسا به سيفتح لها آفاقا اقتصادية متنوعة، في خطوة ستؤكد بنفسها ـ حال تفعيلهاـ أن الحصان الفرنسي نجح بالفعل في ترويض التنين الصيني.
aXA6IDE4LjExOC4xMzcuOTYg
جزيرة ام اند امز