فرنسا تنعى شيراك: فقدنا جزءا من تاريخنا
الإعلام الفرنسي يعتبر شيراك جزءاً من تاريخ البلاد وماكرون يصفه بـ"جسد" فرنسا الحقيقية لقيمها العالمية ودورها التاريخي.
طوت فرنسا بوفاة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عن عمر ناهز 86 عاماً، صفحة مهمة في تاريخها، ووصفت وسائل الإعلام الفرنسية رئيسها الأسبق بأنه كان "جزءا من تاريخها وشخصيتها، وواحدا من أبرز وجوهها السياسية، وأيقونة السياسة الفرنسية المستقلة والمتوازنة".
وتوفي الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الخميس، عن عمر ناهز 86 عاما، لتفقد باريس بذلك رجلا سياسيا وإنسانيا امتدت مسيرته على مدار أكثر من نصف قرن.
ووصفت صحيفة "لوموند" مسيرة شيراك السياسية بـ"الاستثنائية"، مشيرة إلى نعي رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) ريتشارد فيران، الذي اعتبره "جزءا من تاريخ فرنسا".
ولفتت "لوموند" إلى تسمية شيراك في رحلة صعوده بـ"البلدوزر"، لأنه بدأ مشواره السياسي في ستينيات القرن المنصرم وكسب معركته الأولى ليصبح مستشارا في بلدية "سانت فيريول" بإقليم كوريز، وفي 1967 حصل على مقعد في البرلمان، ليمتد تاريخه السياسي نحو 40 عاماً.
أيقونة السياسة الفرنسية
ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن شيراك الذي انتخب رئيسا للجمهورية الخامسة لولايتين متتاليتين في العامين (1995 و2002) بعد مواجهة غير مسبوقة مع حزب (الجبهة الوطنية) سابقاً (يمين متطرف) التجمع الوطني حالياً أمام زعيم الحزب جون ماري لوبن، يمثل الرؤساء الأكثر وفاء لمبادئ الجمهورية الخامسة الفرنسية التي أسسها شارل ديجول.
وحول تسميته بـ"البلدوزر"، قالت الصحيفة إن "شيراك حصل على شهادة العلوم السياسية عام 1951، وفي 1974 تولى رئاسة الوزراء، ورغم استقالته بعد عامين فقط، عاد مرة أخرى لتولى المنصب عام 1986، وقاد البلاد وظل 12 عاما في قصر الإليزيه ليكون الرئيس الذي يقضي أطول فترة رئاسية بعد فرانسوا ميتران.
وفي خريف 1954، التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة، ولكنه ترك المدرسة لأداء خدمته العسكرية وتطوع للذهاب للجزائر، ثم عاد إلى فرنسا بعد إصابته وترقى إلى ملازم أول عام 1957، ليعود مرة أخرى لاستكمال دراسته بالمدرسة الوطنية للإدارة. بعد تخرجه عمل في محكمة مراجعي الحسابات.
وفي عام 1962، انضم شيراك إلى مكتب رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، جورج بومبيدو، ثم تقلد عدة حقائب وزارية في فترة وجيزة حتى أطلقت عليه وسائل الإعلام "البلدوزر".
حنكة سياسية متوازنة
وسلطت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية الضوء على حنكة شيراك السياسية وقدرته على احتواء الجماهير، وهو السبب الرئيسي لشعبيته، مشيرة إلى أنه لعب دورا مهما في أحداث مايو 1968 بالتفاوض الذي أدى إلى توقيع اتفاقيات "جرينبيل" مع العمال لوضع حد لحركات الإضراب.
وعنونت لوفيجارو: "مات الغازي"، معتبرة أن شيراك غزا أرواح وقلوب الفرنسيين والسلطة، حيث فقدها وعاد إليها مرة أخرى مع نفس الطاقة، والقدرة على فرض مصير معاكس.
وأوضحت الصحيفة أنه "بعد انتخاب جورج بومبيدو رئيسا للجمهورية عام 1969، أصبح جاك شيراك وزيرًا مفوضًا لرئيس الوزراء المسؤول عن العلاقات مع البرلمان عام 1971، ثم وزيراً للزراعة عام 1972، ثم وزيراً للداخلية.
وبعد الانسحاب السياسي لشيراك الذي ولد عام 1932، لأبوين من مدينة "كوريز" الفرنسية، واصل نضاله الإنساني من خلال "مؤسسة شيراك" الناشطة من أجل السلام.
ولفتت مجلة "لوبوان" الفرنسية إلى الحالة الصحية لشيراك، موضحة أن حالته تدهورت منذ غادر قصر الإليزيه عام 2007، بعد سكتة دماغية تعرض لها عام 2005.
وأضافت المجلة: "في عام 2016، أُجبر شيراك على العودة على وجه السرعة من المغرب ليدخل مستشفى بيتي-سالبيتريير في باريس، بعد إصابته بعدوى في الرئة".
ووفقاً لأسرته، فقد شعر شيراك بالأسى الشديد لوفاة ابنته الكبرى، لورانس، في أبريل/نيسان 2016، وكان آخر ظهور له في حفل رسمي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، عندما قُدمت جائزة مؤسسة شيراك في متحف كاي برانلي، وكان آنذاك متكئاً على حارسه الشخصي.
وخارجيا، كان لشيراك بصمات تاريخية، حيث لفتت "لوموند" إلى أن الرئيس الأسبق طوال مشواره كان متمتعاً بشعبية كبيرة لدى الفرنسيين والعالم العربي لمواقفه الشجاعة حيال قضايا الشرق الأوسط، أبرزها القضية الفلسطينية، ورفض مشاركة فرنسا في غزو العراق.
وأشارت "لوموند" إلى أن شيراك كان يدعم التدخل الأمريكي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، لكنه رفض المشاركة في الغزو الأمريكي للعراق في 2003.
القضية الفلسطينية
كان لشيراك مواقف إيجابية مع الفلسطينيين وبصمات لا تنسى في القضية الفلسطينية، حتى إن موقع "إسرائيل. إنفو" الإخباري الناطق بالفرنسية، علق على وفاة شيراك قائلاً: "مات أكبر صديق للفلسطينيين".
وأوضح الموقع أنه لا يمكن نسيان موقف شيراك خلال زيارته إلى القدس عام 1996، ومعاملته السيئة لأحد ضباط الجيش الإسرائيلي خلال عمليات تأمينه قائلاً: "هل تريدني أن أعود إلى طائرتي وأرحل".
وأضاف الموقع أن "شيراك منع الجيش الإسرائيلي (الذي كان موجوداً لتأمينه) من دخول ما أسماه "الأراضي الفرنسية" الواقعة في إسرائيل المتمثلة في كنسية "سانت. آن.دي كرواسي" والتي تعتبر أحد أبرز المعالم التاريخية المسيحية تحت الحماية الفرنسية في القدس.
ووفقاً للموقع الإسرائيلي فإن شيراك كان دائماً يحمل مكانة مميزة في قلبه للفلسطينيين، لافتاً إلى تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2007 مشيداً بأداء نظيره الفرنسي قبل مغادرته الإليزيه قائلاً: "كان هناك بالفعل شارع شارل ديجول في غزة، وسيكون هناك قريبا شارع جاك شيراك في رام الله".
ومن جانبها، قالت جانيت ميخائيل رئيسة بلدية رام الله آنذاك، التي بادرت بمبادرة تسمية شارع باسم شيراك: إن "شيراك كان دائما مؤيدا قويا لفلسطين وأبوعمار، وكان أول رئيس أوروبي يزور مدينتنا عام 1996، وأول رئيس يتحدث إلى البرلمان.. لذلك قررنا تكريمه من خلال تسمية أحد الشرايين الرئيسية وسط المدينة باسمه".
وكان وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق نبيل شعث روى في مذكراته أنه خلال مفاوضات كامب ديفيد في صيف عام 2000، رفض شيراك الضغط على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كما طلب منه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون".
سياسيون فرنسيون
ونعى العديد من السياسيين الفرنسيين بمن فيهم خصومه شيراك، حيث سارعت زعيمة حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) مارين لوبن نعيه في تغريدة قائلة: "رغم جميع الاختلافات ولكنه كان عاشقاً للبلاد، وقادراً على معارضة حماقة حرب العراق، وإعادة تأسيس الموقف التقليدي المتوازن للدبلوماسية الفرنسية".
ونعى الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي شيراك قائلاً: "لقد اختفى جزء من حياتي اليوم".
وأضاف ساركوزى في بيان: "إنه جسد فرنسا الحقيقية لقيمها العالمية ودورها التاريخي".
aXA6IDE4LjExNy43MC42NCA= جزيرة ام اند امز