شيراك العرب.. رحيل أيقونة السياسة الفرنسية
لقبه بعض الكتاب والنقاد الفرنسيين بـ"شيراك العرب" انتقادا أو استحسانا لمواقفه من قضايا المنطقة، خصوصا غزو العراق والقضية الفلسطينية
التاريخ 16 مايو/أيار 2007.. انحنى الرئيس المنتهية ولايته حينها جاك شيراك بهدوء أثناء مراسم تسليم السلطة لخلفه بساحة قصر الإليزيه بالعاصمة باريس. بدت ملامحه حزينة حد الجمود، وعيناه تجوبان المكان وتخترقان الحشود متسائلة عن المغزى من كل ذلك الحيز الزمني الممنوح لتلك المراسم.
تساءل: أي سبب يدعو للاحتفال وقد هزم معسكره الذي هجر عقائده الليبرالية كما كان دائما ينتقد، وصعد منافسه الذي كان في وقت ما صديقه.. جال بناظريه وكأنه يودع المكان قبل أن يقفز في السيارة السوداء، ويلوح بيده من وراء نافذتها، ليسدل بذلك الستار على 40 عاما قضاها في الحياة السياسية، بينها 12 في منصب الرئاسة.
واليوم الخميس، يرحل شيراك عن 86 عاما، وبرحيله تطوي فرنسا صفحة مهمة من تاريخها السياسي المعاصر، وهو الذي أسهم في صنع السياسة الباريسية الداخلية والخارجية طوال أربعة عقود، وظل حتى الرمق الأخير وفيا لمبادئ الجمهورية الخامسة التي أسسها زعيمه الروحي شارل ديجول عام 1958.
ورغم مغادرته قصر الإليزيه منذ أكثر من عقد، فإن شيراك لا يزال يحتل المرتبة الأولى في قائمة الرؤساء الأكثر شعبية لدى الفرنسيين، متقدما بذلك حتى على الرئيسين الراحلين فرانسوا ميتران وشارل ديجول، في ترتيب يعد منطقيا بالنسبة لرجل يقول المقربون منه إنه كان عنوان الطموح في حياته السياسية.
شعبية تجاوزت حدود فرنسا، حيث استطاع الرجل أن يترك بصمة إيجابية لدى الرأي العام العربي، نظرا لمواقفه الشجاعة حيال قضايا الشرق الأوسط، أبرزها رفضه مشاركة بلاده في التحالف الدولي بقيادة واشنطن خلال غزو العراق في 2003، ودعمه للقضية الفلسطينية.
فيما يلي تستعرض "العين الإخبارية" لمحة عن هذا القائد الفرنسي الاستثنائي:
بدأ مسيرته السياسية عام 1965 عندما كسب معركته الأولى وأصبح مستشارا في بلدية سانت فيريول بمنطقة كوريز وسط فرنسا، قبل أن ينجح عامين إثر ذلك في الحصول على مقعد بالبرلمان عن المنطقة ذاتها.
بداية مميزة لرجل مشحون بطموح سياسي غير محدود، لم تمنعه من مواصلة المسار سعيا نحو مناصب أعلى، وهو ما حصل بالفعل في 1967 حين جرى تعيينه وزيرا للعمل في حكومة جورج بومبيدو، خليفة ديجول بالإليزيه، ثم رئيسا للوزراء بعد فوز مرشحه فاليري جيسكار ديستان بالانتخابات الرئاسية التي أقيمت عام 1974.
وعلاوة على منصبه الحكومي، تقلّد شيراك أيضا مهام الأمانة العامة لحزب ديستان "الاتحاد من أجل الدفاع عن الجمهورية"، غير أن خلافات بين الرجلين سرعان ما دفعت شيراك للاستقالة، والدخول في حرب مفتوحة لم تحط أوزارها قط، بل كانت من الأسباب التي دفعت شيراك إلى دعم الاشتراكي فرانسوا ميتران، وذلك رغم انتمائه لتيار اليمين (الجمهوريين)، في انتخابات الرئاسة عام 1981.
كان هدف شيراك واضحا حينها وهو انتزاع زعامة تيار اليمين الجمهوري من أيدي جيسكار ديستان.
طموح كبير
في 1976، أسس شيراك حزبا جديدا سمّاه "التجمع من أجل الجمهورية"، أراده جسرا لتأمين طموحاته السياسية المتمثلة في الوصول إلى قصر الإليزيه.
ولأنه يدرك أن بلدية باريس قادرة على تأمين طريقه نحو الرئاسة، كان لا بد أن ينتزع رئاستها في 1977، قبل أن يخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في 1981، ويحصل على المركز الثالث بعد ميتران وديستان، وبدا الترتيب مقنعا بالنسبة له، لأنه لم يكن يبغي الرئاسة في ذلك الحين، بل أراد تأكيد زعامته لليمين بصفة نهائية.
في رئاسية 1988، تنافس ميتران وشيراك، لكن الغلبة كانت لصالح مرشح الاشتراكيين، ومع ذلك حافظ شيراك على صموده، واستمر في حشد الدعم في أوساط اليمين الجمهوري وهو يحضّر لانتخابات 1995.
وفي هذه الانتخابات، أطاح شيراك بمرشح اليسار ليونيل جوسبان في الدور الثاني بنسبة مريحة، ليصبح الرئيس الفرنسي الخامس في ظل الجمهورية الخامسة.
العراق وفلسطين والعرب
في 1997، رغم سيطرة اليمين على الحياة السياسية الفرنسية، قرر جاك شيراك -في خطوة مفاجئة- حل البرلمان. وكانت النتيجة فوز اليسار بنسبة كاسحة، فاضطر شيراك إلى تعيين ليونيل جوسبان رئيسا للحكومة.
وفي 2002، فاز شيراك بولاية رئاسية ثانية اشتهرت برفضه مشاركة فرنسا في غزو العراق عام 2003 إلى جانب الولايات المتحدة بقيادة جورج بوش الابن وبريطانيا، في موقف لاقى إشادة عربية ودولية واسعة، ومنحه شعبية متزايدة في الداخل والخارج.
لقّبه بعض الكتاب والنقاد الفرنسيين بـ"شيراك العرب" وذلك انتقادا أو استحسانا لمواقفه من قضايا الشرق الأوسط، خصوصا غزو العراق والقضية الفلسطينية.
وعموما، كانت علاقات شيراك بالعرب جيدة، حيث كانت تربطه علاقات شخصية حميمة بالكثير من قادة المنطقة، وظهر في شريط فيديو مؤرخ في 1975 عندما كان رئيس وزراء فاليري جيسكار ديستان وهو يصافح نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين في باريس.
ورغم تحفظه على القضية الفلسطينية في فترة ما من مسيرته، فإن موقفه شهد تحولا جذريا، حيث بات من أكبر الداعمين لتأسيس دولة فلسطينية، بل إن صورة الرجل وهو يبكي في أحد المستشفيات العسكرية قرب باريس مترحما على روح الزعيم ياسر عرفات ظلت راسخة بالذاكرة الجماعية العربية.
aXA6IDMuMTM4LjE3NS4xNjYg جزيرة ام اند امز