أسبوع الجمعية العامة للأمم المتحدة.. نجاحات وإخفاقات
اجتماعات الدورة الـ74 للأمم المتحدة تتسم بكثرة الملفات التي يتم التباحث بشأنها بين صناع القرارات السياسية والاقتصادية في العالم
تشهد أروقة الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول من كل عام اجتماعا للدول الأعضاء بنيويورك، لمناقشة القضايا ذات الاهتمام العالمي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي بدأت دورتها للعام الحالي وتحمل رقم 74 الأسبوع الماضي بمجموعة من الفعاليات الإجرائية والطقوس الرمزية مثل قرع جرس السلام، وذلك برئاسة رئيس الدورة الجديدة للجمعية البروفيسور النيجيري تيجاني محمد بندي.
تتسم اجتماعات هذه الدورة بكثرة الملفات التي يتم التباحث بشأنها بين صناع القرارات السياسية والاقتصادية على مستوى العالم، وتشمل قائمة تلك الملفات قضايا عدة، لعل أبرزها التوتر الحالي في منطقة الخليج العربي، وكذلك الخلاف بين الهند وباكستان على إقليم كشمير، والعقوبات الأمريكية المفروضة على فنزويلا وكوبا، والملف النووي لكوريا الشمالية، فضلا عن أزمات الشرق الأوسط في سوريا وليبيا واليمن، وذلك إلى جانب قضية البريكست أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وملفي التجارة العالمية والتنمية المستدامة ومكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب.
وإلى جانب المناقشة العامة السنوية بمشاركة قادة العالم والمباحثات الفرعية والثنائية التي تجري بين قادة الدول للتباحث في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، يشمل جدول أعمال الجمعية لهذا العام 5 مؤتمرات قمة واجتماعات رفيعة المستوى، هي: مؤتمر القمة المعني بالعمل من أجل المناخ، والاجتماع رفيع المستوى بشأن التغطية الصحية الشاملة، ومؤتمر القمة المعني بأهداف التنمية المستدامة، والحوار رفيع المستوى بشأن تمويل التنمية، واستعراض منتصف المدة رفيع المستوى الخاص بإجراءات العمل المعجل للدول الجزرية الصغيرة النامية، الذي يناقش التقدم المحرز بشأن دعم التنمية المستدامة في الدول الجزرية الصغيرة النامية في سبيل التصدي للآثار المدمرة لتغير المناخ، وبناء القدرة على الصمود اقتصاديًا وبيئيًا.
نجاحات محدودة
هناك عدد من القضايا التي يتوقع أن يمنحها أسبوع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة لتشهد تقدما ولو محدودا، لعل أهمها مسألة البريكست، لا سيما في ضوء تقارير غير مؤكدة عن أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يمكن أن يستغل هذه المناسبة لكشف اقتراح روج له كثيراً لإيجاد بديل من الجزء "الأيرلندي المساند" المثير للجدل من اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وذلك خلال محادثاته مع زعماء أوروبيين منهم رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لضمان التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بلاده من الاتحاد بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2019.
تزيد احتمالات حدوث تطورات إيجابية في هذا السياق في ضوء حقيقة تبادل بريطانيا وثائق فنية في مجالات الأغذية الزراعية والجمارك والسلع المصنعة مع بروكسل تحدد الأفكار المتعلقة بمعالجة القضية المثيرة للجدل المتعلقة بالحدود بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا، وذلك قبل أسبوع واحد من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهناك كذلك الملف النووي لكوريا الشمالية، الذي كان قد احتل مساحة كبيرة من اهتمام المنظمة الأممية في دورتيها السابقتين، حيث أعيد تسليط الضوء عليه عبر دعوة الأمين العام إلى عقد قمة جديدة بين الرئيس الأمريكي ونظيره الكوري الشمالي خشية احتمال انقسام العالم لمجموعتين إثر تلك الأزمة.
إخفاقات واضحة وأسباب عدة
على الجانب الآخر يبدو أن الملفات المطروحة على أجندة المجتمع الدولي التي لا يبدو أنها تشهد تقدما ملحوظا خلال اجتماعات الأمم المتحدة تتعدد، كما تختلف أسباب الإخفاق في كل من هذه الملفات على نحو واضح.
ولعل أهم الإخفاقات في هذا السياق تتبدى في القضايا ذات الصلة بالمناخ، فعلى الرغم من توقعات المحللين بأن تطغى أزمة تغير المناخ على ما عداها من تحديات عالمية على جدول أعمال القمة، خاصة أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس أعلن أن اجتماعات الأمم المتحدة أقيمت هذا العام تحت شعار "العمل المناخي من أجل السلام".
كما دعا قادة الدول للمشاركة في القمة المناخية لمتابعة التقدم في الوفاء بالالتزامات التي قطعوها على أنفسهم بخفض الاحتباس الحراري بـ45% في العقد المقبل، والوصول بها إلى صفر انبعاثات في 2060، وأوضح الأمين العام أن تغير المناخ يهدد بتراجع البشرية عن 50 عاماً من التقدم في التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر، محذراً من أن الظاهرة "ربما تدفع أكثر من 120 مليون شخص آخر إلى الفقر بحلول عام 2030".
فضلا عن توقعات كثيرين بأن تشهد القمة زخما لخطط زعماء آخرين مثل الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والمكسيكي أندريس مانويل أوبرادور والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية التي تضغط بشدة من أجل اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ الكوكب من الآثار المدمرة لظاهرة الاحتباس الحراري.
بيد أن فعاليات الأمم المتحدة في هذا السياق لم يكن لها الأثر الجيد المطلوب، فقد سبق انعقاد قمة المناخ بأخرى خصصت للشباب للتعبير عن رؤاهم في هذا السياق، وأثارت الناشطة البيئية السويدية غريتا تونبرج ذات الـ16 عاما خلالها جدلا كبيرا بخطابها الذي وجهته بشكل مباشر إلى زعماء العالم المجتمعين في قمة المناخ وحملتهم مسؤولية تدهور المناخ.
غير أن تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قضية المناخ بدا مخيبا للآمال، فقد فاجأ الرئيس الأمريكي الجميع بالمشاركة لبضع دقائق في قمة المناخ مع أنّه لم يكن قد أعلن عن هذه المشاركة مسبقاً، ولم يلق كلمة مكتفيا بالجلوس لدقائق في القاعة العامة. وازداد الموقف سوءا مع قيامه بالسخرية من خطاب تونبرج، حيث كتب في تغريدة أنها "تبدو شابة سعيدة جدا"، ما أثار موجة استهجان واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
جدير بالذكر أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حمّلت الدول الصناعية مسؤولية مكافحة التغير المناخي، وأعلنت أن بلادها ستنهي مرحلة استخدام الفحم لإنتاج الكهرباء بحلول 2038، وأنها ستضاعف مساهمتها المالية في الجهود الدولية لمكافحة التغيير المناخي مقارنة بالتزامات عام 2014.
من ناحية ثانية، أدى غياب بعض الوجوه المهمة من قادة ورؤساء بعض الدول إلى الحد من احتمالات تحقيق نجاحات في ملفات بعينها، ومن أبرز أمثلة ذلك غياب الرئيس فلاديمير بوتين عن القمة، رغم أن بلاده تتولى رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، حيث أثر غياب الرئيس الروسي بشكل أساسي على الأزمة السورية باعتباره فاعلا أساسيا فيها، وتعول الأمم المتحدة على عقد الاجتماع مع الأطراف المتنازعة في جنيف خلال الأسابيع المقبلة لدعم المسار السياسي للأزمة.
تكرر الأمر ذاته مع ملف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد فشله في الحصول على ما يكفي من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، لتشكيل تحالف بأغلبية برلمانية تضمن تشكيل حكومة جديدة برئاسته. وكذلك ملف العقوبات الأمريكية المفروضة على فنزويلا، مع غياب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، عن اجتماعات الجمعية العامة. وقطعت فنزويلا العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني الماضي بعد اعتراف واشنطن بالمعارض خوان جوايدو رئيسًا انتقاليًا للبلاد.
من ناحية ثالثة، أدت التطورات الميدانية إلى تقويض فرص لحلحلة التوتر في منطقة الخليج العربي، الذي يشكل أحد أخطر الهواجس التي تقلق المجتمع الدولي، حيث جاء التورط الإيراني في استهداف منشآت أرامكو النفطية في بقيق وخريص، ليشكل نقطة تحول خطيرة في تهديدات طهران لإمدادات النفط العالمية. وعلى أثر هذه الاعتداءات ارتفعت درجة التوتر بصورة واضحة وتبددت أي آمال حول عقد لقاء بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.
ختاما، أصيب المراقبون بقدر كبير من الإحباط جراء عدم حصول عدد من القضايا على الاهتمام اللازم خلال أسبوع الأمم المتحدة، لا سيما قضية اللاجئين والهجرة غير النظامية، وإن كان الأمين العام للأمم المتحدة أشار خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لضرورة أن يتحمل المجتمع مسؤوليته تجاه اللاجئين.
aXA6IDMuMTM3LjE1OS4xNyA= جزيرة ام اند امز