فرنسا والهجرة.. فجوة بين الوعود والإنجاز وسط عجز الحكومة
تقرير صدر مؤخرا عن لجنة القوانين بمجلس الشيوخ الفرنسي توقّع أن باريس "لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها بشأن ترحيل المهاجرين"
صدر مؤخرا عن لجنة القوانين بمجلس الشيوخ الفرنسي، الغرفة العليا للبرلمان، تقرير انتقد أداء الحكومة حول ملف المهاجرين؛ إذ أظهر أن ملف الهجرة محشور في فجوة كبيرة بين الوعود التي أطلقتها الحكومة الفرنسية رغم إخفاقها وعجزها في هذا الملف.
- منظمة الهجرة: البحر المتوسط ابتلع 33 ألف مهاجر خلال القرن الجاري
- ماكرون: الإرهاب والهجرة أبرز ما يواجهه العالم
واستنكر البرلمان في تقرير مكون من 6 صفحات يعج بالأرقام والرسوم البيانية، ما وصفه بـ"الفجوة الحاصلة بين وعود الحكومة وإنجازاتها فى ملف الهجرة، متوقّعا أن باريس "لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها بشأن عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين".
ونقل التقرير عن السيناتور، فرانسوا نويل بوفيه (عن إقليم رون/جنوب شرق)، قوله، إن مشروع قانون المالية لعام 2018 يتضمّن نحو 14 ألف و500 عملية ترحيل قسرية، وهذا الرقم أقل مما كان عليه في عهد فرانسوا أولاند (15 ألف و11 في 2014، و15 ألف و485 في 2015)".
ومع أن الحكومة الفرنسية أعلنت في 12 يوليو/تموز الماضي "خطة لضمان حق اللجوء، والتحكّم بشكل أفضل في تدفّقات المهاجرين"، إلا أن رئيس لجنة القوانين بمجلس الشيوخ الفرنسي، فيليب با، اعتبر أن "ماكرون أعلن في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عزمه ترحيل الأجانب غير الشرعيين ممن ارتكبوا جريمة، إلا أن حكومته لا تخصص لذلك الوسائل اللازمة".
ولفت أن القروض المخصصة لمكافحة الهجرة غير الشرعية سجلت تراجعا بـ 7 %.
ووفق التقرير فقدمت فرنسا في 2016 نحو 227 ألفا و923 تصريح إقامة لأجانب يرغبون في الإقامة بشكل دائم بفرنسا، بارتفاع قدره 4.78 % مقارنة بـ 2015.
وفي 2016، صدر 92 ألفا و76 حكما بترحيل مهاجرين غير شرعيين إلى بلدانهم الأصلية، غير أنه لم ينفّذ سوى 18% منها إما عبر الترحيل الطوعي، أو عبر المساعدة أو القسري.
وبناء على ذلك، فإن 75 ألفا و587 مهاجرا غير شرعي تمكّنوا من البقاء على الأراضي الفرنسية رغم إجراءات الترحيل الصادرة بحقهم.
كما كشف التقرير عن عدم وجود أي متابعة لطلبات اللجوء التي لم تحصل على الموافقة، والمقدرة قي 2016 بنحو 53 ألف و600.
حلول إقليمية ودولية
واعتبر أحمد بن فرحات، مساعد نائبة مدينة ليون في البرلمان الأوروبي، في تصريح لـ"بوابة العين" الإخبارية، أن فرنسا تبحث مع شركائها الأوروبيين وضع آليات قانونية مشتركة لظاهرة الهجرة".
وأضاف بن فرحات، المنتمي لحزب "الخضر" الفرنسي، أن باريس تبحث أيضا وفي الآن نفسه عن حلول مع دول جوارها في البحر المتوسط، وخاصة مستعمراتها القديمة، باعتبار الأهمية المحورية لعامل اللغة الذي يعتبر محفّزا على الهجرة.
وتوقّع أن تتخلل زيارة ماكرون المنتظرة إلى تونس بداية العام المقبل، وفق ما أعلنته الرئاسية التونسية، توقيع لاتفاقيات في مجال تدريب الشباب وحراسة المجال البحري الفاصل بين البلدين.
وبشكل عام فإن ملف الهجرة كان -ولا يزال- من الملفات الشائكة التي تتصدّر أولويات الولاية الأولى للرئيس الفرنسي الذي تولى الحكم في بلاده على أنقاض سقوط سياسي مدوّ للأحزاب التقليدية (اليمين واليسار).
وكانت هذه الأحزاب جعلت من ورقه الهجرة رأس حربة لحملاتها وخطاباتها السياسية.
غير أن الوعود التي لطالما قطعتها تلك الأحزاب فيما يتعلق بالهجرة، كانت عاجزة عن وجود آليات تمكنها من مغادرة حيزها النظري، في وقت أبدى فيه مراقبون قناعة بأن التشريعات الموجودة بحاجة إلى إنعاش عاجل.
ومن ناحية الرئيس الفرنسي التقط ماكرون هذه الجزئية، وأكّد منذ توليه الحكم أن بلاده تحتاج "هجرة عالية الجودة" تتماشى مع متطلبات السوق، لافتا إلى أن فرنسا لم تعد بحاجة إلى مهاجرين مدفوعين إليها لأسباب مادية أو اجتماعية أو سياسية، بقدر حاجتها إلى أصحاب مال ومشاريع وكفاءات لا تطمع في النيل من نظام اجتماعي تضامني يغطي أغلب الحاجات الحيوية.
وتتلخص رؤية ماكرون للهجرة في أن باريس تحتاج لمن ينصهر في نظامها المجتمعي والاقتصادي، وأنّ فقه التنوّع والاختلاط والانفتاح، الذي دافعت عليه بلاده لسنوات بعكس باقي دول أوروبا، يحتاج إلى اجتهاد ومخرجات جديدة.
وقالت أنس لفحج، المتخصصة في القانون الفرنسي الخاص، في تصريح لـ"بوابة العين" الإخبارية، إن "العديد من القوانين أضحت بالية في البلاد، وغير متناغمة مع تطورات ظاهرة الهجرة وحيثياتها".
واعتبرت أن الفجوة الحاصلة بين الوقائع والقوانين جعلت الأحكام القضائية تستند، في الكثير من الأحيان، إلى فقه الاجتهاد، مشيرة أنه من المنتظر أن تصدر مطلع العام المقبل قوانين حول الهجرة تكون أكثر صرامة وتأقلما مع الواقع.
مواجهة التمييز
وبالرغم من وجود مهاجرين من عدد من بلدان المغرب العربي الكبير ممن حطوا الرحال بفرنسا منذ عقود طويلة، إلا أن المهاجرين لا يزالون يعانون حتى اليوم من تمييز اجتماعي واضح.
وقال صابرين التيمومي، رئيسة "جمعية شغل ومساواة" الفرنسية (مستقلة)، إن فرنسا "مازالت بعيدة تشريعيا واجتماعيا عن تحقيق مساواة حقيقية في التمتع بحظوظ متكافئة في العمل والعيش بين أبنائها والمهاجرين".
واعتبرت التيمومي أن الحل الجذري يكمن في إعادة قراءة للمنظومة التشريعية بالبلاد، وخصوصا المتعلقة منها بقوانين الهجرة، خصوصا في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد أفرز طوابير هائلة من المهاجرين.