جولة ثانية معقدة.. مصير فرنسا معلق على «حساب المثلثات»
لم تكن الجولة الأولى في الانتخابات الفرنسية صادمة في نتيجتها فقط، بل أدت إلى وضع معقد في مئات الدوائر الانتخابية، يحدد مصير البلاد.
إذ أفرزت الجولة الأولى، منافسة ثلاثية في الجولة الثانية على مئات المقاعد، بين حزب التجمع الوطني (يمين متطرف)، وتحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة"، ومعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون.
وحصل التجمع الوطني على 33% من الأصوات، وتحالف اليسار على 28% و20% لمعسكر الرئيس، وفق نتائج نهائية طالعتها "العين الإخبارية" في صحيفة لوموند الفرنسية، صباح الإثنين.
وعلى الرغم من هذه النتائج، فإنه من الصعب للغاية ترجمة حصة الأصوات الوطنية إلى عدد متوقع من المقاعد في الجمعية الوطنية (البرلمان)، وفقا لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
ويرجع ذلك إلى أن النتيجة النهائية سوف تعتمد على النتائج في الدوائر الانتخابية بنهاية الجولة الثانية.
وفي حين يصدر خبراء استطلاعات الرأي تقديرات للمقاعد من الجولة الأولى، فإن هيئة مراقبة استطلاعات الرأي في فرنسا لا تؤيدها.
وعليه، فإن التساؤلات الأهم تحوم حول ما قد يحدث لاحقا، بينما يستعد الناخبون للجولة الثانية الحاسمة في السابع من يوليو/تموز، وهل ستقرر فرنسا منح السيطرة على حكومتها للحزب اليميني المتطرف المناهض للهجرة لأول مرة في تاريخها؟
نظام الجولتين
بداية، للفوز بأحد مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 577 مقعدا في الجولة الأولى، يجب أن يحصل المرشح على أكثر من 50% من أصوات الناخبين، بشرط مشاركة ما لا يقل عن 25% على الأقل من الناخبين المسجلين في الدائرة بالتصويت.
وإذا لم يحقق أي مرشح في الدائرة الانتخابية ذلك، يتقدم الحاصلان على أعلى الأصوات بالإضافة إلى أي شخص آخر حصل على ما لا يقل عن 12.5% من إجمالي الناخبين المسجلين، إلى جولة ثانية.
وفي تلك الجولة، يتم انتخاب المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات، حتى لو لم يحصد أكثر من 50% من الأصوات.
ووفقا لـ"الغارديان"، فإن نظام الجولتين غير متناسب إلى حد كبير ويعزز بشكل واضح الأحزاب الكبيرة.
فعند نسبة مشاركة تبلغ 65%، على سبيل المثال، فإن حاجز 12.5% من الناخبين المسجلين، يعني أنه سيتعين على الأحزاب الحصول على دعم ما يقرب من 20% من الأصوات للتقدم إلى الجولة الثانية.
انتخابات مختلفة
إلى ذلك، فإن الجمع بين أعلى نسبة مشاركة منذ ثمانينيات القرن العشرين وعدد أقل من المرشحين - 4011 مرشحا مقابل 6290 في عام 2022، من ثلاثة معسكرات رئيسية فقط (اليسار والوسط وأقصى اليمين)، يعني أن الجولة الثانية من الاقتراع لعام 2024 ستشهد عددًا قياسيًا من سباقات المثلثات؛ أي السباقات بين 3 مرشحين.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي، يصل عدد السباقات الثلاثية إلى ما يفوق نصف إجمالي المقاعد في الجمعية الوطنية؛ أي 315 مقعدا.
ومن الناحية النظرية، ينبغي أن تعمل المنافسات الثلاثية أو الرباعية لصالح الحزب الذي يحصل على أكبر حصة من الأصوات في الجولة الأولى، لأن أصوات المعارضة منقسمة. ولكن العديد من المنافسات الثلاثية لا تظل على هذا النحو.
السباقات الثلاثية
حتى وقت قريب، إذا بدا أن حزب التجمع الوطني قد يفوز بمقعد في سباق ثلاثي، فإن الحزبين صاحبي المركزين الثاني والثالث كانا يتفاوضان لتحديد المرشح الذي سينسحب لصالح الآخر، فيما يعرف بـ"الجبهة الجمهورية"، وهي استراتيجية نجحت في منع اليمين المتطرف من حصد عديد المكاسب في الألفية الحالية.
ولكن لكي تنجح هذه الاستراتيجية في انتخابات هذا العام، فإنها تتطلب أن تكون الأحزاب الرئيسية مستعدة لسحب مرشحيها، وأن يكون الناخبون سعداء بالمشاركة، مع دعم الناخبين من يسار الوسط لمرشح من يمين الوسط، والعكس صحيح.
ولكن "الجبهة الجمهورية" هذه كانت تتآكل بشكل مطرد، مع عدم رغبة الناخبين بشكل متزايد في الإدلاء بأصواتهم لأحزاب لا تتوافق سياساتها بالضرورة مع تفضيلاتهم السياسية.
ماذا سيحدث؟
فيما يتعلق بالأحزاب، فقد وعدت شخصيات بارزة في تحالف الجبهة الشعبية اليساري - المكون من أربعة أحزاب - بأنه في جميع الدوائر الانتخابية التي يحتل فيها مرشحو التجمع الوطني المركز الأول ويحتل مرشح تحالف اليسار المركز الثالث، فإن مرشح التحالف سوف ينسحب.
ولكن معسكر ماكرون كان أقل وضوحا بشأن ما قد يفعله مرشحوه في موقف مماثل، حيث وصف الرئيس وزعماء الحزب المعسكرين المتنافسين (التجمع الوطني والجبهة الشعبية) بأنهما "متطرفان".
ولكن أمس الأحد، قال رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل أتال، إن المرشحين الذين احتلوا المركز الثالث يجب أن يتنحوا، مشددا على أنه "لا ينبغي أن يذهب صوت واحد إلى التجمع الوطني".
وفيما يتعلق بالناخبين، فإن الأمور أكثر تعقيدا، إذ أظهر استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس، الأسبوع الماضي، أن 87% من ناخبي تحالف اليسار مستعدون للإدلاء بأصواتهم لعرقلة حزب التجمع الوطني.
في المقابل، أشار 62% فقط من أنصار كتلة معا التي تمثل الرئاسة، إلى أنهم مستعدون للإدلاء بأصواتهم لعرقلة التجمع الوطني..
لذلك، يرى مراقبون أن الوضع سيظل معقدا إلى حد كبير وسيظل متقلبا حتى تتحدد هوية المرشحين النهائيين في الجولة الثانية، بعد الانسحابات.
ويتابع المراقبون أنه في ظل سطوة المنافسات الثلاثية في الجولة الثانية، فإن المجال مفتوح لتشكيل جبهة جمهورية مناهضة لليمين المتطرف، لكن مدى التعاون بين الأحزاب سيكون حاسما لتحقق نجاحا هذه المرة.
aXA6IDE4LjIxOS4xNS4xMTIg
جزيرة ام اند امز