اختبار مالي صعب في فرنسا.. معركة الامتيازات الضريبية تشتعل

في لحظة يصفها مراقبون بأنها "الامتحان الأصعب" للمالية الفرنسية، بدأت الحكومة في باريس النظر بجدية في واحد من أكثر الملفات حساسية: الامتيازات الضريبية التي تكلف خزينة الدولة عشرات المليارات من اليوروهات سنويًا.
ومع سعي رئيس الوزراء الجديد، سيباستيان لوكورنو، إلى خفض العجز العام بما يقارب 20.5 مليار يورو بين عامي 2025 و2026، باتت فكرة "إعادة ترتيب الأولويات" أمرًا لا مفر منه، بحسب صحيفة لوموند الفرنسية.
ووفقًا للصحيفة، جاءت الشرارة من النائب الوسطي شارل دو كورسون، المقرر العام للميزانية، الذي أوصى بتقليص أربع من أكبر الامتيازات الضريبية التي تستنزف موارد الدولة وتخدم – في الغالب – الفئات الأكثر ثراءً.
وقد ناقشت اللجنة المالية في الجمعية الوطنية توصياته في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، في وقت تتسارع فيه مشاورات "ماتينيون" (رئاسة الحكومة) لوضع اللمسات النهائية على مشروع قانون المالية الجديد.
تشير أرقام وزارة المالية إلى وجود 474 امتيازًا ضريبيًا مدرجًا في مشروع موازنة 2025، تمثل تخفيضات ضريبية إجمالية تصل إلى 85.1 مليار يورو.
ورغم تجنّب دو كورسون المساس بائتمان ضريبة البحث (7.7 مليارات يورو) وامتياز النقل البحري نظرًا لحساسيتهما السياسية والاقتصادية، فإنه ركّز على أربع نقاط أساسية: الائتمان الضريبي مقابل تشغيل العمالة المنزلية، وخصم 10% من دخل المتقاعدين، واتفاقيات "باكت دوتريل" الخاصة بنقل الشركات العائلية، وآلية "الأبور-سِسيون" لتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية.
الائتمان الضريبي للعمالة المنزلية: دعم للأغنياء؟
استُحدث عام 1991، ويتيح خصمًا ضريبيًا بنسبة 50% من النفقات المخصصة لتوظيف عمال منزليين (تنظيف، بستنة، رعاية كبار السن…). لكن كلفته بلغت 6.9 مليارات يورو في 2025، مع استفادة واضحة للأغنياء؛ إذ يستحوذ 10% من أصحاب الدخل الأعلى على 45% من الدعم.
ويقترح دو كورسون خفض السقف من 12 ألف يورو إلى 2 ألف يورو سنويًا لكل أسرة، ما قد يوفر 2.1 مليار يورو.
خصم المتقاعدين: امتياز تاريخي يحتاج مراجعة
أُقر عام 1977، ويتيح خصم 10% من الدخل الخاضع للضريبة بحجة دعم كبار السن. لكن كلفته اليوم تجاوزت 5 مليارات يورو، يستفيد منها بشكل أساسي النصف الأكثر ثراءً من المتقاعدين.
والمقترح يقضي بتقليص سقفه إلى ألفي يورو فقط لكل أسرة، لتوفير 1.9 مليار يورو، مع الحفاظ على ميزة ملموسة للأغلبية.
باكت دوتريل
آلية وُضعت مطلع الألفية لتخفيف الضرائب على انتقال الشركات العائلية، إذ خفّضت المعدلات الفعلية من 45% إلى 6% فقط، ما جعلها محبوبة للغاية بين رجال الأعمال.
لكن تكلفتها ما زالت غامضة: وزارة المالية تقدّرها بـ800 مليون يورو، بينما يرفع مجلس التحليل الاقتصادي الرقم إلى ما بين 2 و3 مليارات، في حين يذهب البعض إلى تقديرها بـ4 مليارات.
ويقترح دو كورسون تقييدها لتشمل فقط الأصول المهنية (لا اللوحات الفنية أو الشاليهات الفاخرة)، مع إلزامية الحفاظ على الشركة لمدة تتراوح بين 6 و8 سنوات بدلًا من 4.
آلية "الأبور-سِسيون"
تسمح هذه الآلية بتأجيل – وأحيانًا تفادي – دفع ضريبة الأرباح الرأسمالية عند إعادة استثمار الأموال، وهي ميزة يستفيد منها حصريًا تقريبًا أصحاب الدخل المرتفع جدًا.
دو كورسون دعا إلى وضع إطار أكثر صرامة يحد من استخدامها، بانتظار ما ستقرره الحكومة.
الملف مرشح لإثارة جدل محتدم في البرلمان، حيث يطالب الاشتراكيون بجمع 4 مليارات يورو سنويًا عبر تقليص الامتيازات الممنوحة للشركات الكبرى، فيما بدأت اللوبيات الاقتصادية بالفعل الضغط للحفاظ على هذه "المكتسبات".
أما الحكومة فستجد نفسها أمام معادلة صعبة بين الاستجابة للمطالب الاجتماعية والحاجة إلى خفض العجز.
بين ضغوط الشارع المتزايدة، ومطالب النقابات، وحاجة الدولة إلى خفض العجز وتعزيز مصداقيتها المالية أمام الشركاء الأوروبيين، يواجه لوكورنو معركة معقدة.
فإلغاء أو تقليص هذه الامتيازات قد يوفر مليارات اليوروهات، لكنه سيضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع شرائح نافذة من المتقاعدين والأثرياء ورجال الأعمال.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg
جزيرة ام اند امز