فرنسا على صفيح سياسي ساخن.. انقسام عميق حول موازنة 2026
تعيش فرنسا منذ صباح الجمعة على وقع معركة برلمانية محتدمة مع بدء مناقشة الجزء المتعلق بـ«الإيرادات» من مشروع موازنة الدولة لعام 2026 داخل الجمعية الوطنية.
يأتي ذلك وسط توتر سياسي غير مسبوق بين الحكومة والمعارضة والكتل المتحالفة، فبعد ثلاثة أيام من المناقشات الحادة في لجنة المالية، ينتقل النص إلى القاعة العامة، في وقت لا يملك فيه الائتلاف الحاكم سوى ستين يومًا لإقراره قبل 23 ديسمبر/كانون الأول، الموعد الدستوري النهائي لاعتماد الموازنة.
أزمة ثقة داخل الأغلبية
وشهدت جلسات اللجنة المالية رفضًا واسعًا لمشروع الموازنة، حيث لم يصوّت لصالحه سوى نواب حزب النهضة، التابع للرئيس، بينما عارضته كتل اليمين واليسار واليمين المتطرف.
وحتى الحلفاء التقليديون، حزب الوسط "مودم" وآفاق، اكتفوا بالامتناع عن التصويت، في ما وصفه مراقبون بأنه أول إنذار جدي لحكومة سيباستيان لوكورنو.
ورغم الانتكاسة، حاولت وزيرة الحسابات العامة أميلي دو مونشالان التخفيف من حدة التوتر، مؤكدة أن «الحكومة تريد نقاشًا حقيقيًا وبحثًا عن تسوية"، بينما دعا رئيس كتلة الوسط مارك فيزنو إلى "تجنب الابتزاز السياسي والمهاترات الإعلامية.
الاشتراكيون يلوحون بالقطيعة: لا موازنة من دون عدالة ضريبية
اليسار الاشتراكي، الذي يشكل ركيزة أساسية لأي تسوية، رفع سقف المواجهة مع الحكومة.
فقد أعلن زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور عبر قناة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية أنه" إذا لم يطرأ أي تغيير جوهري بحلول الاثنين، فسينتهي كل شيء بالنسبة للحكومة".
وطالب فور بفرض ضرائب استثنائية على الأثرياء والميراثات الكبرى، مؤكدًا أنّ "ما لا يدفعه الأغنياء سيتحمله المواطنون".
من جهته، شدد رئيس الكتلة الاشتراكية في البرلمان بوريس فالّو على أنّ حزبه "لن يواصل النقاش من دون إجراءات حقيقية لتحقيق العدالة الضريبية"، ملوحًا بإمكانية طرح مذكرة حجب الثقة.
- إثيوبيا تتوقع نموا يتجاوز 10% بفضل مشاريع التنمية الكبرى.. النهضة مستمرة
- خبير فرنسي: تمويل تعليق إصلاح التقاعد من جيوب المتقاعدين سابقة خطيرة
اليمين المتطرف يهاجم: ميزانية ضد الطبقة الوسطى
أما زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان، فقد استغلت الجدل لتوجيه انتقادات لاذعة، معتبرة أن "المسرحية مكتوبة سلفًا بين الحكومة والاشتراكيين"، وقالت بسخرية: "الديكور من صنع لوكورنو، والنصوص من أوليفييه فور، وربما هناك من يتولى الأزياء أيضًا".
واتهمت الحكومة بـ"قهر الطبقة الوسطى عبر خفض المساعدات الاجتماعية"، مؤكدة أن حزبها سيصوت "ضد قانون المالية وضد موازنة الضمان الاجتماعي معًا".
البرلمان منقسم.. والسيناريوهات مفتوحة
وتبدو الحكومة أمام مأزق سياسي حقيقي: فالمعارضة اليسارية واليمينية ترفض النص الحالي، والوسط يبحث عن مخرج يجنّب البلاد أزمة مؤسساتية جديدة.
وفي ظل غياب أغلبية واضحة، لا يُستبعد أن تلجأ الحكومة إلى المادة 49.3 من الدستور لتمرير القانون من دون تصويت، وهو ما قد يشعل مواجهة جديدة داخل البرلمان.
على الجانب الآخر، عبر رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه (من حزب الجمهوريين) عن غضبه من تجاهل الحكومة لغرفته، قائلاً في اجتماع مغلق إن "السينات ليس العجلة الخامسة في العربة"، في إشارة إلى تهميش المجلس الأعلى في المشاورات المالية.
العد التنازلي بدأ
تنطلق المناقشات الرسمية في قاعة الجمعية الوطنية عند الساعة الثالثة مساء اليوم، على أن يطرح النص للتصويت في 4 نوفمبر المقبل.
وبين ضغوط اليسار المطالب بـ"عدالة ضريبية"، وهجوم اليمين على "العجز المالي المتفاقم"، ومحاولات الحكومة لشراء الوقت، يبدو أن الخريف السياسي الفرنسي سيكون طويلاً ومحمومًا.