ماكرون بين أزمتين.. هل ينبعث "الوسطي" من رماد الغضب؟
قبل نحو 6 سنوات ظهر ذلك الشاب بمفترق التيارات الكلاسيكية فلا هو سليل عائلته الاشتراكية ولا هو ابن اليمين، لكنه باختلافه أقنع الفرنسيين.
حينها، وتحديدا في مثل هذا الشهر من 2017، ظهر إيمانويل ماكرون على شاشات أبرز القنوات الفرنسية، يقدم برنامجا انتخابيا بدا طموحا ومقنعا بالنسبة لشعب سئم تداول اليمين واليسار على قصر الإليزيه.
بدت تجربة شاب في التاسعة والثلاثين من عمره مغرية من حيث القطع مع التيارات التقليدية، وضخ دماء شابة في منظومة الحكم بالجمهورية الخامسة، فكان أن نجح المصرفي في اقتطاع تذكرة العبور نحو القصر الرئاسي في باريس.
لكن سوء حظه وضعه أمام أكثر الأزمات إحباطا في التاريخ الفرنسي الحديث: احتجاجات السترات الصفراء خلال ولايته الأولى، وإصلاح نظام التقاعد بالثانية.
وما بين الولايتين سيل من الانتقادات والاختبارات الصعبة لرئيس لم يمنحه السياق فرصة إثبات الذات.
مشاورات وخطابات
لدى ترشحه كما في جميع أزماته، يعتمد ماكرون على آلية اتصالية تستند في الغالب إلى الخطابات المباشرة أو المقابلات التلفزيونية بالقنوات الرسمية و/ أو الأكثر مشاهدة بفرنسا.
يراهن على حركة الجسد من أيام حملته الانتخابية، وقدرته على التواصل المباشر سواء من خلال تأثيره عبر جسده أو عباراته التي تنساب تلقائية لكنها في الآن نفسه منتقاة بعناية.
آلية يلجأ إليها حاليا في خضم أزمة حكومته مع إصلاح نظام التقاعد، القانون الجديد الذي أقرته التشكيلة الحكومية دون تصويت البرلمان، عبر بند دستوري يتيح ذلك.
وبناء على ذلك، سيتوجه ماكرون إلى الفرنسيين الأربعاء في مقابلة تلفزيونية مباشرة بشأن التوترات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن إصلاح نظام التقاعد، غير أنه لا يعتزم اتخاذ أي قرار جذري يُخرج البلد من الأزمة التي يشهدها.
وأشار مشاركون في اجتماع للمعسكر الرئاسي بالقصر الرئاسي صباح الثلاثاء، إلى أن ماكرون لا يعتزم حل البرلمان أو إجراء تعديل وزاري واستفتاء على إصلاح النظام التقاعدي، غير أنه طلب منهم تقديم "مقترحات" بهدف "تغيير النهج وأجندة الإصلاحات".
وبحسب الرئاسة الفرنسية.، سيتحدث ماكرون إلى قناتي TF1 وFrance 2، في لقاء مباشر الأربعاء، بشأن التوترات الاجتماعية والسياسية الناجمة عن إصلاح نظام التقاعد.
نيران الغضب
لم تهدأ فرنسا منذ أيام طويلة، فهذا البلد الأوروبي الذي اختبر موجة احتجاجات عارمة في 2018، بات مسرح غضب متواتر بلغ ذروته مع طرح الحكومة مشروع قانون لإصلاح نظام التقاعد، الملف الرئيسي بالبرنامج الانتخابي لماكرون.
والسترات الصفراء، خرجت في البداية للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف المعيشة عموما، ثم امتدت المطالب لتشملَ إسقاط الإصلاحات الضريبية التي سنتها الحُكومة، والتي ترى أنها تستنزف الطبقتين العاملة والمتوسطة، بينما تقوي الطبقة الغنية.
أتون غضب يشتعل مجددا وسط توتر وصل أقصاه مع تمرير الحكومة لقانون إصلاح نظام التقاعد بنص على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، استنادا إلى المادة 49.3 من الدستور التي تسمح بتمرير مشروع من دون تصويت ما لم يؤدّ اقتراح بحجب الثقة إلى الإطاحة بالحكومة.
ومساء الإثنين، قام متظاهرون بقلب وحرق حاويات القمامة ونصب المتاريس وإلقاء المقذوفات على الشرطة خلال احتجاجات خرجت بشكل عفوي في جميع أنحاء فرنسا.
وتكررت مشاهد التوتر هذه في العديد من المدن الكبيرة، مثل ليون ونانت ورين وحتى في ستراسبورغ التي تظاهر فيها نحو ألفي شخص، بحسب البلدية.
من جانبها، استثمرت المعارضة الفرنسية موجة الغضب، وقدمت مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة، لكنها سقطت، في خطوة لم تساهم بتخفيف الضغط عن الحكومة، بل على العكس من ذلك.
ومساء الاثنين، قالت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن التي دعيت إلى الإليزيه مع عدد من أعضاء الحكومة وقادة الأغلبية: "أنا عازمة على الاستمرار في تحقيق التحولات اللازمة لبلدنا".
توقيفات
في دونغيس غربي فرنسا، تدخلت قوات الأمن ليل الاثنين/ الثلاثاء لفض مضربين يحتلون ميناء نفطيا منذ أسبوع، بحسب مصور وكالة فرانس برس في المكان.
وأفاد مصدر مقرب من المضربين اتصلت به وكالة فرانس برس قبل انتهاء العملية، بوقوع "اشتباكات" خلال الليل.
وندد زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون بالتوقيفات "التعسفية"، وكتب زعيم حزب "فرنسا الأبية" في تغريدة عبر تويتر يقول: "الليلة، تم توقيف عشرات الأشخاص المسالمين بشكل عنيف وتعسفي"، بينهم ناشطان من الحزب.
وأضاف "نطالب بالتوقف فورا عن الاعتقالات والإفراج عن الموقوفين".
وطيلة يوم الاثنين، تمثل الغضب في تجمعات جديدة واعتصامات وإغلاق طرق وتعطيل المواصلات، وحتى نفاد الوقود من المحطات لأول مرة منذ بداية التحركات.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDkuMTQ0IA== جزيرة ام اند امز