حكومة لوكورنو الثانية.. جسر لعبور الأزمة السياسية بفرنسا

في منعطف سياسي يُعد سابقة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، أعاد الرئيس إيمانويل ماكرون تكليف سيباستيان لوكورنو برئاسة
عاد لوكورنو البالغ من العمر 39 عامًا إلى ممارسة مهامه من خلال زيارة رمزية إلى مركز للشرطة في ضاحية لاي ليه روز، حاملًا رسالة واضحة مفادها أن معركة الأمن والنظام العام تحتل صدارة أولوياته، في وقت يشهد فيه تأييد حزب "التجمع الوطني" اليميني بزعامة مارين لوبان تصاعدًا ملحوظًا.
ورغم الابتسامة التي ارتسمت على وجه لوكورنو أثناء مصافحته لضباط الشرطة، إلا أن ملامحه لم تتمكن من إخفاء حجم الضغط الذي يواجهه، حيث لا يتجاوز الوقت المتاح أمامه 48 ساعة لتشكيل حكومة جديدة وإقرار مشروع الموازنة العامة قبل نهاية العام، بحسب صحيفة التايمز البريطانية.
وقال لوكورنو للصحفيين إن: "ليست لدي أجندة سياسية خاصة، ولا طموح شخصي سوى تجاوز هذه المرحلة الصعبة".
وأضاف بسخرية لافتة: "لا يبدو أن هناك الكثير من المتطوعين لهذه المهمة"، في إشارة إلى الصعوبات التي تواجه تشكيل الحكومة.
وأثار قرار ماكرون موجة انتقادات حادة من مختلف الأطياف السياسية.
ووصفته مارين لوبان بأنه "دليل على العجز السياسي"، بينما لم يتردد النائب اليساري فرانسوا روفان في وصف المشهد بأنه "أشبه بعرض ساخر من دمى الغينيول بلا نهاية مضحكة".
ويكمن جوهر الأزمة في المأزق الدستوري الذي يواجهه ماكرون، حيث منح رئيس وزرائه "تفويضًا مطلقًا" في وقت يبدو فيه المشهد البرلماني مشتتًا. وتظهر الحسابات البرلمانية أن 264 نائبًا فقط أبدوا دعمهم لمذكرة حجب الثقة، أي أقل بقليل من الأغلبية المطلوبة في الجمعية الوطنية التي تضم 577 مقعدًا.
وفي خلفية المشهد، تكشف مصادر مقربة من الإليزيه أن ماكرون أقنع لوكورنو بالعودة خلال عشاء متأخر مساء الخميس، مستندًا في ذلك إلى "الولاء للرئيس والدولة".
ويُعتقد أن المتابعة التلفزيونية الواسعة لاستقالة لوكورنو قد أقنعت ماكرون بأنه الرجل المناسب للمرحلة الصعبة.
ولم تنجح المحادثات المكثفة التي أجراها ماكرون مع قادة الأحزاب المعتدلة في تهدئة الأجواء، حيث غادرت زعيمة حزب الخضر، مارين تونديلييه، الاجتماع وهي في حالة غضب، قائلة: "الرئيس لم يقدم إجابات حقيقية. أنا مصدومة وقلقة للغاية".
ويحاول لوكورنو الآن تشكيل ما يشبه "حكومة تكنوقراط"، مستفيدًا من التفويض المطلق لإعادة النظر في الملفات الشائكة، وعلى رأسها قانون التقاعد المثير للجدل. وقد ألمح ماكرون إلى إمكانية تأجيل تطبيقه إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، في محاولة لاسترضاء اليسار.
يحدث كل هذا في وقت تتراجع فيه ثقة الفرنسيين في رئيسهم إلى أدنى مستوياتها، ويحذر مراقبون من أن ماكرون قد يكون في طريقه لتكرار مصير شارل ديغول الذي اضطر إلى التنحي عام 1969.
وإذا فشل لوكورنو في إنقاذ حكومته، فقد يجد ماكرون نفسه أمام خيار الرحيل حفاظًا على ما تبقى من إرثه السياسي.