فرنسا تتسلم رئاسة الاتحاد الأوروبي.. دفة بمفترق طرق
في سياق متقلب مشحون بالمطبات والتحديات تنطلق، السبت، رئاسة فرنسا طيلة ستة أشهر لمجلس الاتحاد الأوروبي.
رئاسة دورية تسلمتها فرنسا عند منتصف الليل من سلوفينيا التي كانت تترأس المجلس الأوروبي منذ الأول من تموز/يوليو الماضي، على أن تسلمها في النصف الثاني من العام إلى التشيك.
وتتسلم باريس المشعل ببرنامج طموح لأوروبا "قوية" و"ذات سيادة"، لكنه قد يتأثر بفورة الإصابات الجديدة بفيروس كورونا المستجد وبالانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/نيسان المقبل.
ويمثل مجلس الاتحاد الأوروبي مصالح الدول السبع والعشرين الأعضاء أمام المفوضية والبرلمان الأوروبيين، وتدعو الرئاسة الفصلية إلى اجتماعات الوزراء وتحدد جدول الأعمال وتقود المفاوضات.
وعلى مدى ستة أشهر، ستحظى فرنسا بنفوذ كبير للمضي قدما ببعض المسائل والتوصل إلى تسويات بين الدول الأعضاء، مع أن العملية مضبوطة وتستدعي الحياد والحنكة.
قبعات ماكرون
بتسلم فرنسا الرئاسة الدورية لأوروبا تضاف لرئيسها إيمانويل ماكرون قبعة رئاسية ثالثة، فهو الرئيس الذي تنتهي ولايته عمليا بعد انتخابات الربيع القادم، لكن في الأثناء عليه أن يواجه الجائحة ومتحورها "أوميكرون" الذي شبهه وزير الصحة الفرنسي أوليفيه فيران بـ"التسونامي"نظرا لعدد الإصابات اليومية، علاوة على ملفات داخلية أخرى لا تزال عالقة.
أما قبعته الثانية فهي رئاسة الاتحاد الأوروبي، تكتل القارة العجوز الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية في مقدمتها التهميش الاستراتيجي والجيوسياسي وعبء التعافي الاقتصادي والانقسامات الداخلية، إضافة إلى ما خلفه انسحاب المستشارة الألمانية السابقة من فراغ على الساحة السياسية الأوروبية.
وثالث القبعات خاصة بالمرشح ماكرون لولاية ثانية، فهو وإن لم يعلن حتى الآن ترشحه رسميا للاقتراع، فإن ماكينته الانتخابية جاهزة للانطلاق حالما تحصل على الضوء الأخضر.
قبعات ترفع منسوب التحديات بوجه رجل يتميز بدينامية ورغبة إصلاحية ونزعة أوروبية، ما يؤهله لدخول ويلج هذه المرحلة التي توفر له منصة استثنائية ليقدم نفسه على أنه الشخص الأكثر تأهيلا للإمساك بالدفة الأوروبية بعد ميركل، وإن كانت جميع الحسابات على مفترق الطرق، سواء محليا أو أوروبيا.
فالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في أبريل/نيسان المقبل والتشريعية في يونيو/حزيران في فرنسا ستؤثر على رئاسة باريس للاتحاد الأوروبي وتقلص الوقت المتاح، وهو ما أكدته كلير ديميسماي، الباحثة في مركز مارك بلوخ في برلين، بالقول لـ"فرانس برس" إن "ثلاثة أشهر وقت قصير للغاية".
كما سيؤثر الانتشار السريع للمتحورة أوميكرون من فيروس كورونا على برنامج الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي الذي يتضمن حوالي 400 لقاء أو فعالية في فرنسا، خصوصا خلال يناير/كانون الثاني الجاري، حيث سيقام عدد كبير من الاجتماعات عن بعد.
في الأثناء، حدد ماكرون سقفا عاليا جدا للرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، وقال في تصريحات سابقة: "ينبغي جعل أوروبا مجددا قوية في العالم وتتمتع بسيادة كاملة، وحرة في خياراتها وتتحكم بمصيرها".
مفترق طرق
تجد أوروبا نفسها عند مفترق طرق على صعيد مواضيع عدة، في مقدمتها ملف أمنها مع حشد عشرات آلاف الجنود الروس عند حدود أوكرانيا، وصولا إلى الأزمة الصحية التي تعكر مجددا الأفق الاقتصادي الأوروبي.
ويمكن لماكرون الاعتماد على دعم المستشار الألماني الجديد الاشتراكي-الديمقراطي أولاف شولتز الذي سيرأس من جانبه مجموعة السبع في 2022.
والجمعة، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في بيان، دعمها الكامل لفرنسا في رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنها تقاسم باريس هدفها التوصل إلى أوروبا "ذات سيادة أكبر".
وصرحت بيربوك في هذا الصدد "يمكن لأصدقائنا الفرنسيين الاعتماد على دعمنا من أول يوم إلى آخر يوم لإرساء الأسس الصحيحة داخل الاتحاد الأوروبي، من أجل انتعاش اقتصادي دائم وفي مكافحة أزمة المناخ وفي القطاع الرقمي، ومن أجل أوروبا ذات سيادة أكبر في العالم".
من جانبه، دعا خليفة ميركل، في أول خطاب له بمناسبة رأس السنة، إلى "أوروبا أكثر سيادة وقوة".
وحددت ثلاثة مشاريع تحظى بالأولوية خلال الرئاسة الفرنسية، وهي اعتماد حد أدنى للأجور في كل دول الاتحاد الأوروبي، ووضع ضوابط لعمل الشركات الرقمية العملاقة، واستحداث ضريبة الكربون على المنتجات المستوردة إلى أوروبا وفق تأثيرها على البيئة.
ويدعو ماكرون أيضا إلى تعديل منطقة شنغن (تضم الدول الأوروبية) التي يعتبرها "حامية الحدود الأوروبية" بشكل أفضل في وجه موجات الهجرة، وهذا الملف يشكل حجر زاوية الحملة الانتخابية الفرنسية.