ما تزال محاربة التطرف والعنصرية في قمة سلم أولويات دول كثيرة، ومن بينها الإمارات التي رعت وثيقة الأخوّة الإنسانية.
ووقعها قبل عامين كل من البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، ود. أحمد الطيب شيخ الأزهر. وقد تضمنت الوثيقة مبادئ عامة حاكمة تنظم قواعد التعامل الإنساني في سبيل الوصول إلى حياة أفضل عمادها العدل والمساواة والكرامة والأمن والسعادة بين البشر أجمعين.
كُثرٌ هم المنظرون الذين واجهوا العنصرية والتطرف وناهضوهما بدعواتهم للتحرر من ربق الأفكار الهادمة للمجتمع والقاتلة للناس، وبعض هؤلاء دفعوا حياتهم ثمناً لما يؤمنون به، ومن بينهم السياسي والمنظّر والناشط «مارتن لوثر كينغ»، الذي قال: "علينا أن نتعلم العيش معاً كأخوة أو الموت معاً كأغبياء".
إزاء هذا القول أتساءل: لماذا كلما تقدمت الحياة حضارةً غرق الكثير من الناس في فخ العنصرية، وانتهجوا طريق العنف سبيلاً لهم حتى ولو كان ذلك على حساب حيوات الآخرين؟ ولماذا كلما فتحت الدول حدودها ارتفع الشعور بالخطر لدى البعض، فضاقت عليهم هويتهم التي تضيّق بالتالي رؤاهم؟
من المعلوم أنه ولإقامة مجتمع متوازن لا بد من ترسيخ قيم الحوار الإنساني العابر للهويات الضيقة، وهو ما يدعو إليه كل عقل منفتح وناضج وكل سياسة تؤمن بضرورة تعزيز القيم الإنسانية وبعيداً عن العنصرية بجمع أشكالها وفروعها.
وبالرغم من الجهود التي تُبذل من أجل بلوغ هذا الهدف، إلا أن القوى المتطرفة تعمل بالضد منه، وتكرس جهدها لمحاربة كل ما ومن يخالفها بطرائق عدة، والأكثر من ذلك أن بعض تلك القوى تعمل بشكل علني مخالفةً أنظمة وقوانين الدول ومنظمات حقوق الإنسان، والأمثلة عديدة على ذلك. إذ لا يمضي يوم من دون أن نسمع أو نقرأ عن أحزاب أو مجموعات منظمة مناهضة لمجموعات عرقية أو لعقائد. في حين أن قوى أخرى تُبدي في العلن أنها مع حوار إنساني مناهض للنزعات العنصرية، لكنها في الخفاء تضمر العكس، وهو ما تكشفه سياساتها وتعاملاتها ونهجها.
ومن نافل القول إن عدداً من المنظمات أو الأحزاب، وفي دول مختلفة، باتت معروفة بأساليب العنف، التي تتبعها والتي تصل أحياناً إلى ضرب السلم الأهلي في العمق، وكثيرة هي الشواهد والأحداث المأساوية، التي وقعت وتقع حتى في الدول المتقدمة علمياً واقتصادياً، سواء بالاعتداء الممنهج على مجموعة أو بالقتل العمد لبعض أفرادها، وهي جرائم يقوم به "موتوترون" ومغالون في تعصبهم سواء كان سياسياً أم عرقياً أم دينياً.
لا نريد جلد ذواتنا كعرب ومسلمين، كما لا نريد الذهاب مع من يقول إن التطرف والإرهاب موجود في بلداننا فقط وكأن بقية المجتمعات خالية من ذلك. إنما من الإنصاف أن نقول إن هذين الشّرَّين موجودين في كل مكان من هذا العالم، والمسألة كلها مرتبطة بوعي الإنسان، فإن كان عقله راجحاً ابتعد عنهما، وإن سيطر عليه الجهل فإن سيصبح مصدر خطر على نفسه وعلى الآخرين.
من المؤكد أن العمل ضد التطرف والإرهاب والعنصرية في كل دول العالم يتطلب الكثير من الجهود التي لا بد أن تدعمها القوانين الناظمة لحياة الناس، بالإضافة إلى ضرورة نشر مناهج تعليمية توعوية بين الأطفال والشباب تحديداً بحيث تكون قادرة على تشكيل أفكار إيجابية لديهم من جهة قبول الآخر كائناً من كان وبعيداً عن عرقه وجنسه ومعتقده.
إن المتأمل للعالم يدرك الحاجة الملحة إلى جعل التسامح نهجاً أخلاقياً وعملياً وحياتياً، يبدأ من سياسات حكومات العالم التي عليها أن تزرع القيم والمفاهيم التي من شأنها أن ترسخ التعايش السلمي، ولا شك أننا نعول على العقول النيرة لأنها تقودنا كبشر دوماً إلى حياة أفضل وسلوكيات أرقى.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة