الحقيقة فيما تخص إيران واضحة كل الوضوح بالنسبة للولايات المتحدة، غير أنها لم تكن كذلك بالنسبة لأوروبا حتى أيام قليلة خلت.
حين يصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إيران بأنها "المصرف المركزي للإرهاب العالمي" فإن الرجل لا يهون ولا يهول، وقد سبقته في هذا الوصف السيدة كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق في زمن جورج بوش الابن.
يمكن لموقف فرنسي متقدم أن يكون قاطرة تستدعي تحركا أوروبيا مجمعا ومركزا لإجبار إيران على إعادة قراءة المشهد الأممي بصورة عقلانية عوضا عن الذهنية الأحادية التي ستقودها والمنطقة من ورائها إلى مغامرة سيدفع ثمنها الشعب الإيراني أول الأمر وآخره.
الحقيقة فيما تخص إيران واضحة كل الوضوح بالنسبة للولايات المتحدة، غير أنها لم تكن كذلك بالنسبة لأوروبا حتى أيام قليلة خلت وقبل أن تبدأ الصحوة الفرنسية في مواجهة إيران الإرهابية.
يعلم القاصي والداني أن لدى فرنسا واحداً من أمهر أجهزة الاستخبارات حول العالم سواء داخلياً أو خارجياً، وقد تبين للفرنسيين أن الإيرانيين لم ولن يتغيروا، وأن اللغة الوحيدة التي يجيدونها هي لغة الإغراق في الدم وأحادية التوجه بما يخدم أفكارهم العقائدية حتى وإن ذهب العالم من ورائهم إلى الخراب.
عرفت الاستخبارات الفرنسية مؤخراً أن فرق الاغتيالات الإيرانية التي تتنكر في زي دبلوماسيين إيرانيين في أوروبا، هي التي كانت وراء حادث مدينة فيلبانت يوم 30 يونيو/حزيران المنصرم، وخلصت المخابرات الفرنسية إلى أن وزارة الاستخبارات الإيرانية أمرت بشن الهجوم، وأن الأوامر صدرت بشكل رسمي من "سعيد هاشمي" مسؤول الاستخبارات الإيرانية في أوروبا.
المعلومات التي تحصلت عليها فرنسا دعتها لإجراءات حازمة وحاسمة تمثلت في تجميد أصول خاصة بالمخابرات الإيرانية وأخرى لمواطنين إيرانيين اثنين على اتصال وثيق بها، وهما أسد الله أسدي وسعيد هاشمي.
عدة أسئلة جوهرية تتقاطع مع الإجراء الفرنسي الأخير ربما أولاها هل تمضي فرنسا في طريق أمريكا تجاه إيران؟
يمكننا القطع بادئ ذا بدء أن الموقف الجديد الذي اتخذته باريس، من شأنه أن يعزز موقف الولايات المتحدة بشأن العقوبات التي تفرضها بشكل دوري على إيران خلال الفترة الماضية، كما أنه يأتي في وقت يستبق الفصل الثاني من العقوبات الأمريكية على إيران والمتوقع أن يكون أكثر إيلاماً للملالي.
الصحوة الفرنسية التي نتحدث عنها تمثلت في التوبيخ السري أو الخلفي الذي قام به كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان في نيويورك تجاه روحاني وظريف من الجانب الإيراني، ويقول الراوي إنهما استخدما لغة خشنة مع الإيرانيين، وإن الجانب الفرنسي أبلغ الإيرانيين أنه يتوجب عليهما توقع رد قوي على إحباط محاولة الهجوم الذي فاقم توتر العلاقات الدبلوماسية.
السؤال الآخر والأكثر أهمية هل الصحوة الفرنسية تجاه إيران الإرهابية سوف تتوقف عند إجراءات بعينها تتصل بخطط إيران لتفعيل العنف في أوروبا خاصة جماعات الموت المنتشرة هناك أم أن الأمر يمكن أن يغير من موقف فرنسا تجاه الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا – ترامب؟
يمكن استرجاع صورة من الماضي القريب فقبل بضعة أشهر حاول وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" التاثير على الموقف الإيراني الخاص ببرنامج الصواريخ الإيرانية الباليستية، إلا أن الرد الإيراني كان عبثياً، فقد أخبره الإيرانيون أنهم سيرضخون للطلب الغربي بوقف برنامجهم في حالة واحدة وهي أن تتوقف أوروبا وأمريكا عن تطوير صواريخهما، وتفريغ ما لديهما منها.
الرد العبثي الإيراني جعل لودريان يعود إلى بلاده بخفي حنين كما يقال، والآن تطور المشهد بصورة غير مسبوقة بعد قيام الإيرانيين باستخدام صواريخ من طرازي "ذو الفقار"، و"قيام" التي يصل أقصى مدى لها على التوالي 700- 800 كيلومتر، والفرنسيون يعلمون تمام العلم أن لدى الإيرانيين صواريخ أبعد مدى يمكن لها أن تطال دول جنوب أوروبا.
الاستخبارات الفرنسية بدورها لم يكن ليفوتها متابعة الحديث الذي أدلى به روحاني لقناة التلفزيون الأمريكي "إن بي سي"، حيث أشار إلى أنه من غير المستبعد أن تغلق إيران أهم شريان مياه استراتيجي وهو مضيق هرمز، وقد ربط هذا السيناريو باستمرار سياسة العقوبات الأمريكية.
مثل هذا التصريح ومع حلول فصل الشتاء القارس أوروبياً وتغير أحوال المناخ العالمي مما يجعل طقس أوروبا أكثر برودة، يعتبر بمثابة سيناريو انتقامي حتى وإن أدى إلى مواجهات عسكرية، كفيل بإثارة الرعب في قلوب الأوروبيين إذ سوف يتسبب في ذعر نفط عالمي، ما يهدد تدفق النفط إلى أوروبا، ويرفع من أسعاره بما يصيب الاقتصاد الأوروبي في مقتل.
الاستخبارات الفرنسية ذات الصلة التاريخية بمنطقة القرن الأفريقي ترصد جيداً الوجود الإيراني المسلح في منطقة باب المندب من خلال العملاء الحوثيين أولاً، وعبر بعض أفراد الحرس الثوري المنتشرين في دول أفريقية قريبة لوجستياً، والجميع أعينهم على هذا الممر المائي الشديد الأهمية وما يمكن أن تفعله إيران هناك إن أرادت إلحاق الأذى بالجميع.
قبل بضعة أسابيع كانت خلايا تفكير داخل إحدى ردهات الاستخبارات الفرنسية في باريس تجتمع في عجالة لتحليل التصريح الذي خرج عن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، لا سيما حديثه عن احتمالات تجاوز إيران للخطوط الحمر إذا تعرضت لاعتداءات مباشرة والسؤال كان ما هي تلك الخطوط؟
المجتمعون الفرنسيون من الأجهزة الاستخبارية والسياسية أشاروا إلى عدة سيناريوهات تقاسموها مع نظرائهم في الاستخبارات الأمريكية، منها محاولة إشعال المنطقة وحقول النفط في الخليج، والعودة إلى زمن حرب الناقلات، وأخيراً وليس آخر جر إسرائيل إلى مواجهة شاملة في محاولة ديماجوجية لإثارة مشاعر الشارعين العربي والإسلامي وإظهار المشهد وكأنه صراع أيديولوجي من جهة ومواجهة عقائدية من جهة ثانية، ولم يوفر الحضور تفسير الصواريخ التي أطلقتها إيران مؤخراً بوصفها رسالة لواشنطن وحلفائها بأكثر من كونها مواجهة لداعش كما قالت طهران.
عرفت فرنسا طويلاً جداً بأنها العقل السياسي المفكر والمدبر لأوروبا وقد تكون بريطانيا العضلات وألمانيا هي خزينة النقود، وعليه فهل ستغير فرنسا موقفها قريباً جداً وتنضم لأمريكا في رفض الاتفاقية النووية والمطالبة بأخرى جديدة لا سيما بعد أن تكشف لها نوايا إيران الحقيقية وإن لم تغب عن أعين استخباراتها أبداً؟
بالقطع يمكن لموقف فرنسي متقدم أن يكون قاطرة تستدعي تحركاً أوروبياً مجمعاً ومركزاً لإجبار إيران على إعادة قراءة المشهد الأممي بصورة عقلانية عوضاً عن الذهنية الأحادية التي ستقودها والمنطقة من ورائها إلى مغامرة سيدفع ثمنها الشعب الإيراني أول الأمر وآخره.
الخلاصة... الساعة الحادية عشرة تقترب من رقبة الملالي.. هل من عاقل بينهم؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة