خبير فرنسي: حظر الغاز الروسي يدفع أوروبا إلى عصر الاستقلال الطاقي بثمن باهظ
بعد توصل الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع إلى اتفاق تاريخي يقضي بمنع أي استيراد للغاز الروسي بحلول خريف 2027، اعتبر الخبير الاقتصادي الفرنسي "مارك-أنطوان إييل ميزان" أن حظر الغاز الروسي سيُغيّر خريطة الطاقة الأوروبية، لكنه لن يمر دون فاتورة ثقيلة.
وقال مدير مركز الطاقة والمناخ التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، والباحث المتخصص في تحليل الغاز الروسي وسياسات الطاقة الأوروبية، في حوار خاص لـ"العين الإخبارية"، إن الخطوة تعني أن الاتحاد يدخل مرحلة استقلال طاقي فعلي، لكن هذا الاستقلال لا يعني الراحة الفورية. وأوضح أن الأوروبيين سيحتاجون إلى إعادة هيكلة واسعة لسلاسل التوريد، والاستثمار في البنية التحتية للغاز المسال.
هل يمثل قرار الاتحاد الأوروبي فعلاً “بداية عصر جديد” كما قالت فون دير لايين؟
بالتأكيد، القرار يحمل بعدًا رمزيًا واستراتيجيًا كبيرًا؛ فمنذ ما يقارب أربعة عقود كان الغاز الروسي أحد أهم ركائز أمن الطاقة الأوروبي. والتخلي عنه بشكل كامل بحلول 2027 يعني أن الاتحاد يدخل مرحلة استقلال طاقي حقيقية، لكن الاستقلال لا يعني الحد من التحديات مباشرة. إذ سيحتاج الأوروبيون إلى إعادة هيكلة شاملة لسلاسل التوريد، وتعزيز الاستثمار في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، وزيادة الاعتماد على النرويج والولايات المتحدة وقطر.
روسيا قالت إن أوروبا "تُسرّع خسارتها الاقتصادية" لأنها ستدفع ثمناً أعلى للطاقة. هل هذا صحيح؟
جزئيًا، نعم. كان الغاز الطبيعي الروسي عبر الأنابيب الأقل كلفة مقارنة بالغاز الطبيعي المسال المستورد من الأسواق العالمية. والانتقال إلى الغاز المسال سيجعل فاتورة الطاقة أعلى خلال عدة سنوات، وربما يؤدي إلى تباطؤ صناعي في بعض الدول، خاصة ألمانيا والنمسا وإيطاليا. لكن على المدى الطويل، فإن تخفيف الاعتماد على روسيا يقلّل من الهشاشة الجيوسياسية التي استغلها الكرملين سابقًا للضغط على أوروبا.
ما تقييمكم للجدول الزمني؟
الجدول الزمني واقعي. فقد كان البرلمان الأوروبي يريد حظرًا قبل 2027، لكن عدة دول – بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا – ضغطت لتفادي صدمة في السوق. أما المدة الممتدة حتى 2027 فتوفر وقتًا للتفاوض على عقود جديدة للغاز المسال، ووقتًا لاستكمال محطات إعادة التغويز، ووقتًا لزيادة التخزين الاستراتيجي، ووقتًا لموازنة السوق وتخفيف ارتفاع الأسعار. إنه توازن بين الاعتبارات السياسية (دعم أوكرانيا) والحسابات الاقتصادية (تجنب أزمة طاقة جديدة).
وماذا عن موافقة المجر وسلوفاكيا؟
الاتحاد الأوروبي استخدم حيلة ذكية؛ فبدلًا من فرض عقوبات تحتاج إلى إجماع، قدّم اقتراحًا تشريعيًا يمر بالأغلبية المؤهلة، وبالتالي لا تستطيع المجر استخدام حق الفيتو. ومع ذلك، قدّمت بروكسل “تعويضًا سياسيًا” عبر وعد بخطة تدريجية لإنهاء واردات النفط الروسي لهذين البلدين فقط بحلول نهاية 2027. وهذا مثال واضح على أن الدبلوماسية داخل الاتحاد مزيج من الضغط والتنازلات.
ما حجم الضرر المالي على روسيا؟
في عام 2024، ما زالت أوروبا تدفع نحو 15 مليار يورو مقابل الغاز الروسي، رغم انخفاض الكميات بشكل كبير. وبحلول 2027 ستختفي هذه الإيرادات تمامًا، ما يمثل خسارة مهمة لروسيا، خاصة لقطاع الغاز الذي يحتاج إلى أسواق مستقرة وطويلة الأجل. ومع ذلك، تحاول موسكو التوجه نحو آسيا، ولا سيما الصين، رغم أن البنية التحتية الحالية غير كافية، وأن الأسعار التي تقبلها الصين أقل من الأسعار الأوروبية. كما أن خط "قوة سيبيريا 2" لم يُنجز بعد، وبالتالي فإن تعويض السوق الأوروبية لن يكون أمرًا سهلاً.
هل أوروبا مستعدة فعلاً لهذه الخطوة؟
أوروبا مستعدة سياسيًا، لكنها اقتصاديًا تحتاج مزيدًا من الوقت. فالانتقال الطاقي سيكلّف المليارات، وسيشكّل ضغطًا على بعض الصناعات الثقيلة. ومع ذلك، فإن القرار يُعد خطوة لا رجعة فيها نحو أمن طاقي أكبر، وتنويع واسع في مصادر الاستيراد، وتسريع الاستثمار في الطاقة المتجددة والهيدروجين، فضلًا عن تخفيف النفوذ الروسي على القارة الأوروبية.