الانتخابات الفرنسية.. «اليسار» يقلب الطاولة ويوقف «المد اليميني»
مع أن أحزاب أقصى اليمين الفرنسي أدخلت عددا قياسيا من مرشحيها إلى البرلمان، فإن النتيجة التي حققها مخيبة لتطلعاته..
إذ حل حسب التقديرات في المرتبة الثالثة وراء اليسار ومعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون، بعيدا حتى عن الغالبية النسبية التي حلم بها.
وحقّقت "الجبهة الشعبيّة الجديدة"، المؤلّفة من أحزاب تختلف في عدد من الملفّات، مفاجأة بحلولها في المرتبة الأولى، مع توقّع نيلها 171 إلى 187 مقعدا.
أمّا معسكر ماكرون فقد أظهر قدرة على الصمود بعد شهر على مجازفة الرئيس بالدعوة إلى هذه الانتخابات المبكرة، مع توقّع حصوله على 152 إلى 163 مقعدا، في مقابل 250 في يونيو/حزيران 2022.
ويدخل التجمّع الوطني بقوّة إلى الجمعيّة الوطنيّة الجديدة بعدد تاريخي من النواب (بين 134 و152)، إلّا أنّه يبقى بعيدا عن السلطة مع تسجيله نتيجة مخيّبة لتطلّعاته مقارنة بما سجّله خلال الدورة الأولى.
داخل صالة في متنزه فينسين في ضاحية باريس حيث تجمع أنصار لزعيمة أحزاب أقصى اليمين مارين لوبن للاحتفال، كانت المرارة واضحة بعد صدور التقديرات الأولى. وقال الناشط لوك دومون وهو متقاعد "لقد بالغوا في تضخيم الرهان، والفاشيين"، مضيفا أن "الجبهة الشعبية الجديدة (تحالف اليسار) هو تحالف المستحيل، فقط لنبذنا".
هل كان أنصار أقصى اليمين ليتوقعوا هزيمة كهذه؟ منذ مساء التاسع من يونيو/حزيران كان هؤلاء يهللون بعدما تصدر رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا نتائج الانتخابات الأوروبية مع 33% من الأصوات وهي أفضل نتيجة لهم في الجمهورية الخامسة.
وكانت لديهم آمال كبيرة بعد ساعة على كشف نتائج الانتخابات الأوروبية، عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية ورحبوا بالقرار، نظرا لثقتهم بأنه سيسرع وصولهم إلى السلطة.
والأحد الماضي، بعد الدورة الأولى، ارتسمت بسمات عريضة على محيّاهم نظرا إلى حجم المد اليميني المسجل في الانتخابات التشريعية مع حصولهم على ثلث الأصوات وتوقع حصولهم في الدورة الثانية على 250 إلى 300 مقعد بحسب معاهد استطلاعات الرأي المختلفة، أي غالبية مطلقة محتملة وهي محددة بـ289 مقعدا.
ونتيجة انتخابات الأحد، تلقي مجددا شكا حول قدرة أحزاب أقصى اليمين على الفوز بانتخابات وطنية، إذ لا تزال تتخبط باتهامات تتعلق بعدم المهنية على غرار عشرات المرشحين الذين انتقدوا بسبب تصريحات عنصرية ومعادية للسامية أو تتحدث عن مؤامرات. وقد خفف جوردان بارديلا من أهمية هذه التصريحات معتبرا أنها صادرة عن "أربعة او خمسة أعضاء غير منضبطين".
ولم تحمل الاتهامات بدعم متبادل بين معسكر ماكرون واليسار وحتى فرنسا الأبية، الناخبين على التصويت لصالح التجمع الوطني أو الامتناع عن التصويت، خلافا لرهان أنصار مارين لوبن في الأيام الأخيرة.
على نهج جورجيا ميلوني
أمام هذا الوضع غير المتوقع، ينبغي بناء كل شي من جديد مع التركيز على الانتخابات الرئاسية في 2027.
وأعلنت مارين لوبن أنها مرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة وأنها تنوي مجددا ترؤس المجموعة البرلمانية للتجمع الوطني في الجمعية الوطنية التي باتت أقوى الآن.
وقالت لوبن تعليقا على نتائج الانتخابات الأحد "نصرنا مؤجل فقط. المد يرتفع. لم يرتفع بالمستوى الكافي هذه المرة لكنه يستمر بالصعود"، مضيفة "لدي خبرة كبيرة تكفي لكي لا أشعر بخيبة أمل بنتيجة ضاعفنا فيها عدد نوابنا".
وفترة انعدام اليقين السياسي التي بدأت الآن من دون غالبية واضحة، تضعف رئيس الجمهورية والحكومة المقبلة على السواء. وقد تظهر عندها لوبن التي سبق وترشحت للانتخابات الرئاسية، كقوة استقرار إذ إن سلطتها على معسكرها ليست موضع شك مبدئيا.
وقد أثبتت في السنتين الأخيرتين مهارتها في التموضع في وسط اللعبة ولا سيما من خلال دفع نوابها إلى تأييد عدد من مذكرات حجب الثقة بعضها صادر عن اليسار الراديكالي المتمثل بفرنسا الأبية مؤكدة أن الغاية تبرر الوسيلة.
وقد سمحت خصوصا بإقرار قانون الهجرة في الفترة الأخيرة من خلال قرارها تأييد النص وهي فكرة كان يعتبرها بعض نواب التجمع الوطني غير منطقية قبل ساعات على هذا القرار إلا أن الجميع احترم التعليمات الصادرة.
وقد تبدو مارين لوبن إزاء ائتلاف مقبل مبهم المعالم أو حتى "حكومة خبراء"، كمعارضة رئيسية مع نهج جاهز تعتمده زعيمة أقصى اليمين الإيطالي جورجيا ميلوني.
فبين 2018 و2022، أحجم حزبها "أخوة إيطاليا" (فراتيلي ديتاليا) عن المشاركة في أي تشكيلة حكومية فيما مجلس النواب الإيطالي مشرذم كما حال الجمعية الوطنية الفرنسية بنتيجة انتخابات الأحد.
وفي الانتخابات التالية، فازت ميلوني في إيطاليا وتولت رئاسة الحكومة.
aXA6IDE4LjExOC4xMzcuOTYg جزيرة ام اند امز