مارين لوبان.. عرابة تعويم اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا
بسلاحي الصبر والتطور المستمر، نجحت مارين لوبان في ترسيخ أقدام اليمين المتطرف في فرنسا، ودفعه للأمام في أوروبا بأكملها.
ويحقق اليمين المتطرف في فرنسا انتصارات متتالية، فبعد فوزه في انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي، وصل حزب التجمع الوطني إلى "أبواب السلطة" في باريس بعدما حقق نتيجة تاريخية في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المبكرة يوم الأحد ليصبح السؤال الآن كيف أعادت مارين لوبان تعريف حزبها؟
في 2015، طردت مارين والدها جان ماري لوبان من الحزب تماما ويبدو أن عملية التطهير الأسرية التي قامت بها قد أتت ثمارها بشكل مذهل وفقا لما ذكرته صحيفة "تليغراف" البريطانية في تقرير طالعته "العين الإخبارية".
وحتى لو لم يتمكن "التجمع الوطني" من تحقيق الأغلبية المطلقة في جولة الإعادة المقررة الأحد القادم ستظل الحقيقة أن 10,6 مليون فرنسي أي ما يقدر بـ33% من الناخبين صوتوا لليمين المتطرف وهو ما يعد دليلا هائلا على نجاح لوبان في محو ماضي حزبها المنبوذ.
ومؤخرا، قالت لوبان لـ"تليغراف": "في غضون سنوات قليلة، انتقلنا من كوننا الحزب الأكثر كراهية في فرنسا إلى الحزب الأكثر شعبية".
والشهر الماضي، حصل التجمع الوطني على 31% من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي متقدما بفارق كبير على معسكر إيمانويل ماكرون الذي حصل على 14.6% فقط وأشارت العديد من استطلاعات الرأي إلى أن محاولات لوبان إثبات انفصالها عن ماضي حزبها المعادي للأجانب والمعادي للسامية بدأت تؤتي ثمارها تدريجياً.
وللمرة الأولى منذ عام 1984، قال 45% من الفرنسيين العام الماضي إنهم لم يعودوا ينظرون إلى حزب التجمع الوطني باعتباره "تهديداً للديمقراطية"، وذلك فقاً لاستطلاع أجرته شركة "فيريان-إيبوكا".
وقالت لوبان التي تتطلع إلى الرئاسة في عام 2027 "أنا لست المسؤولة الوحيدة، لكن ربما سأنسب لنفسي القليل من الفضل في هذا التطور".
وخلال الحملة الانتخابية، استغل المنافسون السياسيون التاريخ السام للحزب لمحاولة حشد الناخبين ضده فأعاد السياسيون اليساريون والوسطيون تذكير الناخبين بأن الحزب الذي كان يطلق عليه الجبهة الوطنية والذي شارك والد لوبان في تأسيسيه عام 1972، كان يضم في صفوفه أعضاء سابقين في وحدة عسكرية تابعة لـ" Waffen SS " تحت القيادة النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
لكن الرئيس ماكرون حذر في السابق من هذا النهج وتردد أنه قال للوزراء "لن تجعلوا أبدًا الملايين من الأشخاص الذين صوتوا لصالح اليمين المتطرف يعتقدون أنهم فاشيون"، معتبرا أن أفضل طريقة لإسقاط لوبان هو الهجوم على سياساتها وليس ماضي حزبها.
ولا شك أن ماضي الحزب ووالدها عنصري ومعاد للسامية فجان ماري المظلي السابق الذي خدم في الجزائر، أسس شركة تبيع تسجيلات للخطب النازية والأغاني العسكرية الألمانية ووصف المحرقة بأنها "مجرد تفصيل" في الحرب العالمية الثانية وقال إنه "يؤمن بعدم المساواة بين الأجناس" كما أُدين بخطاب الكراهية والطعن في جرائم ضد الإنسانية.
وعندما صدم فرنسا في عام 2002 بوصوله للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أشعل ذلك مظاهرات حاشدة في الشوارع وفاز منافسه جاك شيراك بأكثر من 82% من الأصوات.
ومع توليها رئاسة الحزب في 2011، أطاحت بالعديد من عناصره الأكثر تطرفاً وخففت من لهجته، ووضعته في إطار حزب حاكم وليس حزب احتجاج ثم طردت والدها الذي قالت إن ثوراته كانت بمثابة "انتحار سياسي".
وفي 2018، غيرت لوبان اسم الحزب إلى التجمع الوطني ورفعت قضية أمام مجلس الدولة الذي يعد أعلى محكمة إدارية في فرنسا، للمطالبة بعدم تصنيف الحزب كيمين متطرف لكن تم رفض القضية.
وخلال الحملة الحالية، اندلع جدال ساخن حول مدى مناسبة المصطلح الآن وقال ديفيد بوجاداس، المذيع المعروف في قناة LCI الإخبارية، إنه يعتقد أن الأمر ليس كذلك معتبرا أن فجوة كبية تفصل بين الحزب وبين أحزاب اليمين المتطرف الأخرى في أوروبا.
ويعد سلاح لوبان الرئيسي لتطهير سمعة التجمع الوطني هو جوردان بارديلا، زعيم الحزب البالغ من العمر 28 عاماً والذي يأمل أن يصبح رئيس وزراء فرنسا المقبل.
وبابتسامته ومظهره المثالي وصور السيلفي واستخدام تطبيق تيك توك، نجح بارديلا في جذب جيل جديد من الأنصار لكنه ظل محتفظا بمبدأ "التفضيل الوطني" الذي أعادت لوبان تسميته "الأولوية الوطنية" وهو ما يعني ضرورة إعطاء المواطنين الفرنسيين الأولوية على غير المواطنين في الوظائف ومساعدات الرعاية الاجتماعية والإسكان لكن جماعات حقوق الإنسان والدستوريين يقولون إنه مبدأ تمييزي مخالف للدستور.
ومن بين العناصر الرئيسية في برنامجها يأتي إنهاء حق المواطنة بالولادة، وعلى وجه التحديد منع الأطفال المولودين لأبوين أجنبيين على الأراضي الفرنسية، والذين نشأوا وتعلموا في فرنسا، من المطالبة لاحقًا بالجنسية الفرنسية وهو ما يقول الخبراء إنه قد يواجه عقبات دستورية.
وأعلن الحزب نيته منع مزدوجي الجنسية من تولي مناصب حساسة وهو ما أثار ضجة في ظل وجود 3 ملايين مواطن مزدوج الجنسية.
كما حافظ الحزب على موقفه المتشدد بشأن القانون والنظام، بحجة أن الجريمة مرتبطة بالهجرة حيث تريد لوبان تقديم افتراض "الدفاع المشروع" لضباط الشرطة الذين يطلقون النار.
كما تعهد بارديلا بخوض "معركة ثقافية" ضد الإسلام السياسي، والمطالبة بخصم ملياري يورو من الاتحاد الأوروبي، والحد بشكل كبير من الهجرة القانونية وغير القانونية وترحيل المجرمين الأجانب.
وفي تصريحات لـ"تلغراف" مؤخرًا، قال بارديلا "لقد قمنا بإزالة شيطانية الحزب.. والآن أريد إضفاء الطابع المؤسسي عليه"، مشيرا إلى أن ذلك تم من قبل 88 نائبا من حزبه شكلوا أكبر قوة معارضة من حزب واحد في البرلمان السابق.
اقتصاديا، يقترح حزب التجمع الوطني، خفض سن التقاعد إلى 60 عامًا وخفض ضريبة القيمة المضافة على أسعار الطاقة.
وقال جان إيف كامو، خبير حزب التجمع الوطني، إنه يشبه الأحزاب الأوروبية "غير الليبرالية" الأخرى الموجودة في المجر وبولندا والتي "تقوض نظام الضوابط والتوازنات الذي يميز الديمقراطية".
وأضاف أن لوبان مؤيدة تاريخيًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويُنظر إليها على أنها اليد القوية التي تدافع عن القيم التقليدية والجذور المسيحية، لكنها تراجعت منذ حرب أوكرانيا.
وأوضح أن الأسباب الرئيسية التي جعلت التجمع الوطني أكثر قبولا هي وضع الأحزاب الأخرى التي إما في حالة خراب أو أصبحت أكثر تطرفا.
وأشار إلى أن ماكرون "لم يكن لديه حزب سياسي حقيقي ليكون بمثابة ناقل لأفكاره، وهو الآن يدفع ثمن حقيقة أنه أراد إقامة علاقة شبه رأسية مع الشعب الفرنسي وفشل".
كما أشار إلى التراجع الكبير للجمهوريين الديجوليين لتصبح فرنسا الدولة الوحيدة التي في أوروبا التي لا يوجد فيها يمين محافظ.
aXA6IDUyLjE1LjEzNi4yMjMg جزيرة ام اند امز