ماكرون في نادي «البط الأعرج».. هل يعرقل لوبان بقدم واحدة؟
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استخرج ليلة الأحد، عضوية نادي "البط الأعرج" في الدول الديمقراطية، لكنه لا يزال يحاول عرقلة مارين لوبان.
ويواجه الرئيس إيمانويل ماكرون خيارًا مؤلمًا بمرارة: إما أن يرمي بكل ما يملكه لوقف اليمين المتطرف، وإما أن يحاول إنقاذ ما تبقى من حركته التي كانت مهيمنة على السياسة الفرنسية قبل أن تلفظ أنفاسها.
وبالنسبة لزعيم فرنسا البالغ من العمر 46 عاما، يقول مراقبون إن الانتخابات البرلمانية في الجولة الأولى يوم الأحد، بمثابة "ضربة شخصية" بعد سنوات من صعوده السريع إلى السلطة كوجه من خارج النخبة التقليدية.
ودعا ماكرون إلى الانتخابات التشريعية المبكرة بعد الهزيمة الكارثية على يد اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، بهدف واحد: وقف ترنح فرنسا نحو التطرف، لكنه حقق العكس تماما.
وأصبح ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا وقوتها الوحيدة المسلحة نوويًا أقرب الآن من أي وقت مضى إلى تشكيل حكومة يمينية متطرفة لأول مرة، بعد أن حقق حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان تقدمًا كبيرًا في المرحلة الأولى من التصويت.
"مياه مجهولة"
وإذا ما أسفرت الجولة الثانية من التصويت المقرر في 7 يوليو/تموز، عن أغلبية برلمانية للتجمع الوطني، وتشير التوقعات إلى إمكانية ذلك، فإن فرنسا ستسقط في مياه مجهولة.
إذ ستُحكم فرنسا، على الأقل جزئيًا، من قبل سياسيين صنعوا أسماءهم بالتعاطف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بينما يتعهدون بتمزيق الاتحاد الأوروبي وشن حرب على الهجرة والانسحاب من حلف شمال الأطلسي، وفق تحليل طالعته "العين الإخبارية" في مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
وعلى الرغم من أن حزب لوبان خفف من حدة بعض مواقفه المثيرة للجدل، إلا أنه لا يزال متشككًا بشدة في المواقف السياسية الغربية السائدة.
ومن شأن فوز التجمع الوطني اليميني المتطرف في هذه الانتخابات، أن يوفر دفعة قوية لفرص لوبان في الفوز بالرئاسة الفرنسية في عام 2027.
وقال برونو كوتريس، المحلل السياسي الفرنسي: "يمكننا القول بكل وضوح إن عملية صعود التجمع الوطني وصلت إلى مراحلها الأخيرة".
وأضاف: "لقد فازوا في الانتخابات الأوروبية ثلاث مرات متتالية، ووصلت مارين لوبان مرتين إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وإذا فازوا في ثاني أهم انتخابات في فرنسا [الانتخابات البرلمانية]، فقد أصبحوا التيار الرئيسي".
قريب من السلطة
ووفقًا للتحليل الذي أجراه معهد إبسوس لاستطلاعات الرأي، فإن النتائج المتوقعة لحزب لوبان تضعه على مسافة قريبة من السلطة. إذ حصل الحزب على 33.2 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، ما يمكن أن يؤهله لحصد ما يصل إلى ٢٨٠ مقعدا بعد الجولة الثانية.
وبما أن الحد الأدنى للحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان هو 289 مقعدًا، فقد يكون اليمين المتطرف في وضع يسمح له بتشكيل حكومة في غضون أسبوع، مع تولي رئيس التجمع الوطني الديمقراطي جوردان بارديلا رئاسة الوزراء.
والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان هناك أي شيء، أو أي شخص، يمكنه إيقاف زحف اليمين المتطرف نحو السطلة.
سيناريو التحالف والوحدة
اقتراب لوبان من الحصول على الأغلبية المطلقة يتوقف على رد فعل الأحزاب الأخرى وماكرون، على فوزها المدوي في الجولة الأولى، ومدى إمكانية أن يضعوا الخلافات جانبا ويتوحدوا ضد اليمين المتطرف.وفق المجلة.
والانتخابات البرلمانية هي عملية معقدة من جولتين، حيث ينتقل المرشحان اللذان يحصلان على أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى إلى الجولة الثانية.
لكن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات الحاسمة كانت عالية، وهذا يعني أنه في ما يقدر بنحو 315 دائرة انتخابية تأهل للجولة الثانية مرشح ثالث، غالبًا ما يكون مرشحًا من تحالف "معا" الذي ينتمي إليه ماكرون.
ما الخطوة التالية؟
وفي مساء يوم الأحد، كان حلفاء ماكرون يحاولون معرفة ما يجب القيام به، بعد النتائج الصادمة للجولة الأولى.
لكن حلفاء ماكرون يواجهون خيارا صعبا وضغوطًا هائلة للانسحاب من السباق في العديد من المناطق التي حلوا فيها بالمرتبة الثالثة، ونصحوا أنصارهم بالتصويت للتحالف اليساري الذي يضم متطرفين يساريين، في محاولة للتغلب على لوبان.
يمكن القول إن حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف وزعيمه جان لوك ميلانشون قد برز كخصم أكبر من لوبان بالنسبة للوسطيين بعد عام من الصراع في الجمعية الوطنية.
وأمضى ماكرون معظم الحملة الانتخابية الحالية في انتقاد سياسات تحالف الجبهة الشعبية اليساري الجديد، الذي يضم أقصى اليسار، ووصفها بأنها "بشعة" ومدمرة لفرنسا.
وفي حديثه بعد ساعات قليلة من الهزيمة، دعا رئيس الوزراء غابرييل أتال، إلى "عدم منح أي صوت للجبهة الوطنية"، لكنه ألمح إلى أن المرشحين المنتمين إلى تحالف ماكرون يجب أن ينسحبوا فقط في الحالات التي يكون فيها مرشح "القوى الجمهورية" في وضع أفضل للفوز، ما قد يثير تكهنات حول استبعاد الانسحاب لـ"فرنسا الأبية"، وفق بوليتيكو.
وجاءت أوضح إشارة من حليف ماكرون ورئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، الذي دعا الناخبين صراحةً إلى معارضة التجمع الوطني وفرنسا الأبية أيضًا.
هل تنجح التحالفات؟
يقول برونو جانبارت، وهو خبير استطلاعات الرأي: "بما أن اليسار جعل من ماكرون خصمه الأكبر، وأمضى ميلينشون وماكرون شهورًا في معركة سياسية ضخمة، فمن الصعب إنعاش التحالف الوقائي ضد اليمين المتطرف".
وأوضح جانبارت أنه غالبًا ما يمتنع الناخبون الوسطيون عن التصويت عندما يُخيّرون بين أقصى اليسار وأقصى اليمين.
وأمام المرشحين الذين تأهلوا للجولة الثانية من التصويت مهلة حتى مساء الثلاثاء ليقرروا ما إذا كانوا سينسحبون من السباق أو يواصلون المنافسة.
وفي ليلة الأحد، بدا في العديد من الدوائر الانتخابية أن المرشح الذي حصل على المركز الثالث في الترتيب، يتجه للانسحاب لمساعدة أحد منافسيه على الفوز على التجمع الوطني، بحسب بوليتيكو.
وقال التجمع الوطني إنه لن يحاول تشكيل حكومة إذا لم يفز بالأغلبية المطلقة في البرلمان.
وهو ما صرحت به مارين لوبان "بدون أغلبية واضحة، ستكون هناك دائمًا إقطاعيات قديمة وجمود متعمد ومناورات سياسية ستدمر البديل الحقيقي الذي تحتاجه البلاد".
ولكي تتمكن من الحصول على الأغلبية المطلقة، ستحتاج لوبان إلى إبرام اتفاق مع نواب حزب الجمهوريين المحافظ.
ولكن تحالف زعيمة اليمين المتطرف قبل الانتخابات مع رئيس حزب الجمهوريين إيريك سيوتي أثار رد فعل عنيف من قبل نواب الحزب من ذوي الثقل الحزبي، ما أفشل الفكرة.