فرماجو.. دم جديد "حقيقي" في شرايين السياسة الصومالية

الشارع الصومالي يعول آمالاً كبيرة على فرماجو ليكون دماً جديداً حقيقياً يسير في شرايين السياسة الصومالية التي أفسدها دم الإخوان.

25 عاماً تفصل بين طلب محمد عبد الله محمد فرماجو "55 عاماً" اللجوء السياسي لأمريكا، وبين تنصيبه الأربعاء 8 فبراير/شباط رئيساً تاسعاً للصومال بعد انتخابه من قبل البرلمان. 

واستطاع فرماجو الفوز بالرئاسة الصومالية، بعد منافسة حامية في الجولة الأولى بين 21 مرشحاً بينهم العديد من الشخصيات التي لا يستهان بها، وفى الجولة الثانية انتزع الفوز من منافسه الرئيس السابق، علي شيخ محمود، بعدما حصل على 186 صوتاً أي 56% من أصوات أعضاء البرلمان، بينما حصل منافسه على 97 صوتاً أي 28% من 329 مجموع عدد النواب.

قبل تاريخ اللجوء في 1991 وما بعده محطات فارقة في حياة فرماجو المهنية، أثقلت شخصيته سياسياً، لينجح في الحصول على ثقة الشارع الصومالي، الذي خرج اليوم يعبر عن فرحته بفوز سياسي يطمحون في أن يضخ دماءً جديداً في السياسة الصومالية.

وقال شهود عيان لبوابة "العين" الإخبارية، إن المحتفلين لم ترهبهم الإجراءات الأمنية المشددة في الشارع الصومالي، وخروجوا في مسيرات تأييد هتفوا خلالها بعبارات "يسقط يسقط.. دم جديد"، وذلك في إشاره إلى سقوط الرئيس السابق حسن شيخ محمود منافس فرماجو، الذي كانت تدعمه كوادر حركة "الإصلاح" الإخوانية، والتي تتخذ من عبارة "دم جديد" شعاراً لها.

ويرى مراقبون أن أداء الرئيس السابق لم يكن له نصيب من هذا الشعار، فيما يطمح الشارع الصومالي أن يكون فرماجو الذي لم يرفع هذا الشعار دماً جديداً بالفعل يتدفق في شرايين السياسة الصومالية.

ويحمل فرماجو تجربة ثرية رفعت من سقف طموحات الشارع السياسي، فهو إلى جانب ثقلة الأكاديمي، كحاصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة بافلو بنيويورك، لديه أيضاً تاريخ مهني في أروقة العمل السياسي، تنقل خلاله بين عدة محطات داخل وخارج الصومال.

وكانت المحطة الأولى في عام 1985، عندما تم تعيينه كسكرتير أول في السفارة الصومالية في واشنطن، لينتقل بعدها بـ4 سنوات في عام 1989 إلى نيويورك، لمواصلة دراسته في جامعة بافلو.

ومع انهيار الحكومة المركزية عام 1991، طلب فرماجو اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، فتابع دراسته في جامعة بافلو ونال شهادة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

وخلال الفترة من 1994 إلى 2009 حصل على الجنسية الأمريكية، وعمل في عده وظائف بولاية نيويورك، منها هيئة الإسكان في بلدية بافلو وفي قسم فرص التوظيف المتساوية في مقاطعة إري وفي هيئة النقل في ولاية نيويورك.

ويعود فرماجو بعد ذلك إلى الصومال، حيث عين رئيساً للوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2010 خلفاً لعمر عبد الرشيد علي شارماركي الذي استقال من منصبه بعد حدوث نزاع مع الرئيس.

وحظي فرماجو بسمعة طيبة خلال الأشهر القليلة التى قضاها رئيساً للوزراء قبل أن تتم إزاحته من السلطة بعد اتفاق بين الرئيس آنذاك شيخ شريف ورئيس البرلمان شيخ آدن.

وفي هذه الفترة القصيرة له فى الحكم اكتسب ثقة الشارع الصومالي، عبر عدة أعمال، منها إعادة هيكلة الجيش الوطنى الصومالى وتأسيس المؤسسات الحكومية وبدء الحرب على حركة الشباب المتطرفة، التي كانت تسيطر على معظم أنحاء العاصمة مقديشو وباقي الولايات.

كما يتمتع فرماجو بشخصية كاريزمية حظيت بإعجاب فئات واسعة من الشباب والنساء والمغتربين الصوماليين، باعتباره دماً جديداً فى السياسة الصومالية ومواقفه المعلنة الرافضة لتواجد القوات الأجنبية التي تقدر بنحو 20 ألفاً من الدول الإفريقية المجاورة، ورغبته في الحد من التدخلات الأجنبية المتزايدة في شؤون بلاده، وبناء جيش صومالي قوي يكون كفيلاً بحماية بلده الذي ما زال يواجه خطر إرهاب حركة الشباب، الذي لم يتوقف حتى أثناء الانتخابات الرئاسية.

ورغم القاعدة الشعبية التي أسسها فرماجو عبر هذا التاريخ السياسي، وظهرت ملامحها عندما زار مقديشو قبل أسبوع من الانتخابات، إلا أن بعض محبيه كانوا يخشون من أن تكون فرص نجاحه محدودة، لأن الناخبين ليسوا هم الشعب، وإنما هم منتخبون من قبل شيوخ العشائر، وقالوا حينها إن من يتمتع بالنفوذ داخل العشائر هم الأوفر حظاً في كسب أصوات الناخبين.

وفي مقابل هذا الرأي، رأى آخرون أن دعم قبيلته "دارود" التي كان ينتمي إليها الرئيس الأسبق محمد سياد بري، قد يكفي لفوزه، ذلك لأن فرماجو كان مرشحها الوحيد واحتشدت خلفه كل القبيلة، بينما كانت قبيلة "هوية" أصواتها منقسمة، وقد انتمى إليها أقرب منافسيه الرئيسان السابقان حسن شيخ محمود وسلفه شيخ شريف أحمد.

وجاءت النتيجة التي أعلنت الأربعاء 8 فبراير/شباط 2017، لتنتصر لأصحاب الاتجاه الثاني، ليبدأ فرماجو حقبة رئاسية جديدة سيواجه خلالها تحديات واجهها 8 رؤساء تعاقبوا على حكم الصومال قبله، وهي تحديات تتعلق بأمن الصومال وتأسيس جيشه ومؤسساته المستقلة، وسط تقاطع المصالح والمطامع الإقليمية والدولية.