ضغطة زر بالصدفة تبني إمبراطورية من الذهب في أمريكا
الأفكار التشاركية تقود شركة ذهب من حافة الهاوية إلى قمة المجد
يجتاح العالم الآن موجة تكنولوجيا الخدمات التشاركية التي تقوم على توظيف شبكة الإنترنت والاتصالات لإفساح مجال التعاون بين أكثر من طرف على تقديم خدمة واحدة، ولعل نموذج خدمات شركات نقل الركاب الأبرز عالميا الآن .. ولكن النموذج الأكثر إلهاما يعود إلى مناجم الذهب مطلع الألفية الثالثة.
روب ماكين الرئيس التنفيذي لشركة جولدن كوب الأمريكية، والتي تمتلك منجما في منطقة ريد ليك الواقعة بمقاطعة أونتاريو الكندية، قاد ثورة جيولوجية غيرت مفاهيم التنقيب عن الذهب العالم باستخدام برامج ثلاثية الأبعاد والمعروفة بالـ "3D" لتحديد مواقع الذهب بدقة عالية وسرعة فائقة.
قرب حافة الفشل
ولكن من أين جاءت هذه الفكرة التي أجرت تغييرا جذريا بعالم الذهب؟ ببساطة انطلقت من رحم معاناة ومأزق صعب كاد يقود شركة جولدن كوب إلى مصير مأزوم.
بحسب موقع فاست كومباني المتخصص في الخدمات الإعلامية بعالم الأعمال، فإن قبل 21 عاما وتحديد في 1999، حقق منجم جولدن كوب نتائج مخيبة للآمال، إذ لم ينتج سوى 3 ملايين أوقية فقط، ما يضغط على الأرباح في ظل ارتفاع تكاليف البحث والتنقيب.
في حين أنه على الجانب الآخر بلغ متوسط إنتاج 13 منجما كان يعمل في السابق بنفس المنطقة بلغ 18 مليون وقية، إلى جانب أن هناك منجما مجاورا مازال في حيز العمل وصل إنتاجه إلى 10 ملايين أوقية.
هذه البيانات خلقت يقينا لدى رجل الأعمال روب ماكين بأنه منجمه الذي يشغل مساحة 55 ألف فدان يحتوى على كميات هائلة من الذهب لم تكشف بعد، ومن ثم طالب فريق الشركة من خبراء الجيولوجيا أكثر من مرة بتحديد مواقع جديدة للذهب داخل المنجم.
بعد العديد من محاولات الاستكشاف، كانت الإجابة واحدة من الجيولوجيين بأن المؤشرات تقول إن المنجم يحتوى على 30 ضعف إنتاجه السنوي حينها والبالغ 50 ألف وقية، ولكنهم غير قادرين على تحديد مواقع الذهب.
بريق أمل نهاية النفق
هذا الأحباط لم يدوم طويلا، ففي نفس العام أثناء حضور ماكين ندوة نظمها معهد ماساتشوسيس للتكنولوجيا عن نظام التشغيل الحر ومفتوح المصدر "لينكس"، والذي أتاحه صاحبه المهندس لينوس تورفالدس الكود الخاص بنظام التشغيل على الإنترنت حتي يتيح لآلاف المبرمجين حول العالم للبناء عليه وتطوير نظام تشغيل أكثر كفاءة وسرعة.
هذه الاستراتيجية دعمت نظام لينكس بميزة إضافية عن نظام التشغيل ويندوس، لكون الكثير من المؤسسات والأفراد يفضلون الاعتماد على نظام تشغيل يمكن دعمه من خلال أكبر عدد ممكن من المستخدمين ومطوري البرامج، إلى جانب تمتعه بميزة الأمان.
قبل أن تنتهي الندوة، اتقد ذهن الرئيس التنفيذي لشركة جولدن كوب إلى فكرة تطبيق الاستراتيجية نفسها على منجمه، وذلك عبر إتاحة كافة البيانات الجيولوجية الخاصة به على شبكة الإنترنت.
وبنى الرجل فكرته على احتمالية الوصول إلى أفضل وسيلة لاستكشاف مواقع الذهب، عبر استخدام أكبر عدد ممكن من العقول والخبرات، مع تسريع وتيرة الاستكشاف أملا في تقليل النفقات.
575 ألف دولار يربحون 6 مليارات
حين طرح ماكين الفكرة على رجال الجيولوجيا لم تلق ترحيبهم، بل حذروه من الكشف عن الأسرار الجيولوجية لمنجم الذهب، والتي كانت تأتي على رأس أولويات شركات التعدين آنذاك.
ولكن تحرك ماكين على الفور في تطبيق خطته في مارس / آذار 1999بإتاحة 400 ميجا بايت من البيانات الجيولوجية على الموقع الإلكتروني على الشركة على الإنترنت، وأعلن عن تنظيم مسابقة لتقديم أفضل تكنولوجيا لتحديد مواقع الذهب بالمنجم مقابل الحصول على جائزة مالية بقيمة 575 ألف دولار.
هذه الفكرة التي وصفها الكثيرون بالجنونية، أثارت طموح قاعدة عريضة من المتخصصين الذين كونوا 125 فرقة عالمية تضم ما يربو على 1400 متخصص في علوم الجيولوجيا والهندسة والرياضيات.
وعلى مدار العام تلقت لجنة تحكيم مكونة من 5 من كبار الجيولوجيين بشركة جولدن كوب عشرات الاقتراحات ونماذج الاستكشاف، وفي عام 2000 اقتنص فريق أسترالي مكون من مجموعتين الجائزة بتقديم تكنولوجيا جديدة أحدثت انقلابا في عالم التنقيب عن المعدن النفيس.
تقوم التكنولوجيا على بناء نموذج ثلاثي الأبعاد بواسطة الحاسب الآلي، يتمتع بقدرة فائقة على تحديد مواقع الذهب، وبالفعل حقق النموذج نتائج مذهلة باستكشاف 110 مواقع للذهب داخل المنجم، قبل أن يحدد 80% من مواقع الذهب بداخله.
وجنت جولدن كوب مكاسب ضخمة إذ تضاعف الإنتاج السنوي في 2001 إلى 504 ألف أوقية بتكلفة 59 دولارا للأوقية، مقابل إنتاج لم يتجاوز 53 ألف أوقية سنويا عام 1996 بتكلفة ناهزت 360 دولارا للأوقية الواحدة.
وقدرت الشركة المكاسب التي حققتها بنحو 6 مليارات دولار للتحول من كيان على حافة الفشل إلى واحدة من أنجح شركات التنقيب عن الذهب عالميا.
aXA6IDMuMTM3LjE5MC42IA==
جزيرة ام اند امز