من الرميحي للخليفي.. كرة ثلج لفساد عابر للقارات
محاكمة الخليفي أثارت تساؤلات بشأن مصير شبكة الفساد والإفساد الكبرى المرتبطة مباشرة بالنظام القطري
"كل شيء، وكل شخص، يمكن شراؤه، بشرط أن تضع له الثمن المناسب".. هذا هو المبدأ الذي يؤمن به ويطبقه النظام القطري، كما كشف الكاتبان الفرنسيان جورج مالبرونو وكريستيان شينو في كتابهما "قطر.. أسرار الخزينة"، عند حديثهما عن حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر الأسبق، وأحد المتحكمين في سياساتها حاليا.
تلك الرؤية أعيد تسليط الضوء عليها مع بدء محاكمة ناصر الخليفي، مالك قنوات بي إن سبورت القطرية ورئيس نادي باريس سان جيرمان الفرنسي وصديق أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، في سويسرا بتهم التحريض على ارتكاب أعمال فساد ودفع رشاوى لحصول قنواته على حق إذاعة مباريات كأس العالم عامي 2026 و2030.
فالجميع بات يعلم أن الرجل الذي تلاحقه تهم الفساد في حله وترحاله لا يعبر عن نفسه بقدر ما يعبر عن السياسات العامة لقطر.
تساؤلات هامة
محاكمة الخليفي أثارت تساؤلين رئيسيين: الأول حول مصير شبكة الفساد والإفساد الكبرى المرتبطة مباشرة بالنظام القطري والمتورط فيها مستثمرون ومسؤلون سابقون و حاليون في هرم السلطة؟
السؤال الثاني يتعلق بمصير الحقوق والمميزات التي حصلت عليها الدوحة بدون وجه حق، عبر التدليس والتزوير والفساد، منها بطولة كأس العالم 2022، واحتكار قنوات بي إن سبورت حق إذاعة مباريات كأس العالم عامي 2026 و2030 ؟
الإجابة عن السؤال الأول تقتضي الإفصاح عن أبرز عناصر شبكات الفساد والإفساد والتخريب الكبرى التي تعمل في أنشطة ومجالات ومواقع مختلفة، وترتبط جميعها برأس النظام في قطر، ومن بينهم مسؤول مكافحة الفساد بقطر، التي وصفتهم مجلة فرنسية بأنهم "كبار الفاسدين".
شبكة إفساد كبرى
من أبرز الأسماء في تلك الشبكة ناصر الخليفي (مالك قنوات بي إن سبورت القطرية وصديق أمير قطر تميم بن حمد)، وحمد بن جاسم ( رئيس وزراء قطر الأسبق)، وخالد آل ثاني ( رئيس وزراء قطر الحالي)، وعلي بن فطيس المري ( النائب العام القطري)، وأحمد الرميحي (مستثمر قطري).
ناصر الخليفي.. يحاكم حاليا بتهم التحريض على ارتكاب أعمال فساد ودفع رشاوى لحصول قنواته على حق إذاعة مباريات كأس العالم عامي 2026 و2030.
ويحاكم بجانب الخليفي، الفرنسي جيروم فالكه، الأمين العام السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، بتهمة الحصول على رشوة متمثلة في فيلا بجزيرة سيردينيا الإيطالية مقابل منح القناة القطرية حق إذاعة مباريات مونديالي 2026 و2030.
وتستمر جلسات الاستماع في القضية حتى الخامس والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول الحالي.
وستوجه لفالكه تهمة قبول 1.25 مليون يورو على سبيل الرشوة أثناء عمله كأمين عام في الفيفا، لضمان نقل القناة لمباريات بطولات كأس العالم 2018 و2022 وكأسي القارات 2017 و2021 ومونديالي 2026 و2030.
ولد ناصر الخليفي في 12 نوفمبر/كانون ثاني عام 1973 في قطر، وبعد مسيرة غير ناجحة استمرت عدة سنوات كلاعب تنس، دخل الخليفي عالم الإعلام كمدير لإدارة حقوق البث في الجزيرة الرياضية منذ انطلاقتها عام 2003، ثم تولى منصب المدير العام للقناة عام 2008.
ومع توجه قطر لتعزيز قوتها الناعمة في مجال الرياضة، للتغطية على سياساتها، تم الدفع بناصر الخليفي كواجهة لاستثمارات قطر الرياضية في أوروبا، بعد حصولها على حق تنظيم مونديال 2022، والتشكيك في طريق الحصول على هذا الحق.
وبعد أن استحوذت شركة قطر للاستثمارات على ملكية نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، عام 2011، تسلم حينها الخليفي منصب رئيس النادي، رغم صغر سنه.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2013، قاد الخليفي عملية تحول الجزيرة الرياضية إلى شبكة beIN SPORTS، وأصبح رئيساً لمجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة beIN الإعلامية.
وعقب ذلك، قاد الخليفي بي إن سبورتس إلى احتكار العديد من البطولات الرياضية العالمية عبر أساليب أخرى غير شرعية بدأت بالتكشف شيئاً فشيئاً، لعل أبرزها بطولة كأس العالم في الفترة بين 2018 إلى 2030، لكن السياسة الخاطئة التي كان يتبعها مع القناة القطرية بدأت بالتكشف.
وبدأت تهم الفساد والرشاوى تتهاوى على مجموعة قنوات بي إن سبورتس، وتلاحقه رسميا 7 قضايا فساد مالي وإداري، في 3 دول هي مصر وفرنسا وسويسرا.
وتتنوع التهم الجنائية التي تلاحق الخليفي من تقديم رشاوي، والتحريض على الفساد، وتزوير الوثائق، والفساد المستتر وسوء الإدارة الجزائية المشددة، إلى جانب مخالفة قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
كما أن قضايا رشاوى الخليفي التي تم كشفها، والتحقيق بها حتى الآن في فرنسا وسويسرا فقط تبلغ 5 قضايا، من بينها رشوة قدرها 2 مليون يورو لوكيل اللاعب الأرجنتيني خافيير باستوري من أجل تسهيل انتقاله إلى باريس سان جيرمان.
فضلا عن إيداع فوري بقيمة 3.5 مليون دولار لشركة بابا ماساتا دياك، وهو ابن رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، وشراء حقوق البث مقابل تسهيل فوز قطر بتنظيم البطولة، وتقديم فيلا خاصة إلى جيروم فالكه سكرتير عام الـ"فيفا" السابق في جزيرة سردينيا لمدة 18 شهرا، كرشوة قدرتها المحكمة بقيمة 2.3 مليون يورو، وهي التهمة التي تجرى محاكمته على خلفيتها حاليا.
ومكنت الرشاوى التي تجاوزت قيمتها 10 ملايين يورو، قطر من سرقة حقوق تنظيم العديد من البطولات الرياضية التي كان أحدثها بطولة العالم لألعاب القوى، فضلا عن احتكار حقوق البث الفضائي للبطولات العالمية بين عامي عام 2018 و 2030 .
بالإضافة إلى الأحكام غير الجنائية الصادرة عن القضاء المصري والتي غرمت مجموعة "بي إن سبورت" القطرية بمبلغ 400 مليون جنيه عام 2018، بسبب مخالفتها المادة الثامنة من قانون حماية المنافسة.
أحمد الرميحي
مستثمر قطري اقترن اسمه بأكثر من قضية فساد تشهدها المحاكم الأمريكية، قبل أن يفر من الولايات المتحدة، ثم تعود صورته لتتصدر المشهد مع فتح ملف قضية جديدة مايو/ أيار الماضي استهدفت تدمير الرياضة الأمريكية.
بنظرة خاطفة على سجل الجرائم والفضائح التي تورط فيها الرميحي، يمكن اكتشاف أنه لم يكن مجرد سمسار لقطر فحسب، أو واجهة لأنشطتها غير المشروعة، بل شبكة فساد وإفساد وتخريب كبرى، استهدفت مجالات عدة في أمريكا بدءا من السياسة، مرورا بالاقتصاد، ولم تكن نهايتها عند بوابة الرياضة.
ظهر اسم الرميحي للمرة الأولى، على خلفية اتهامات برشوة كبار مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب فوزه بالرئاسة نهاية عام 2016 كمحاولة للتأثير على قرارات البيت الأبيض.
وشهد أبريل/ نيسان 2018، رفع دعوى قضائية ضد الرميحي بقيمة 1.2 مليار دولار من قبل اتحاد كرة السلة الأمريكي (Big 3)، الذي أسسه الممثل والفنان آيس كيوب وشريكه جيف كواتينيتز يتهمه فيها بالتخلي عن التزاماته وعدم دفع أموال تعهد بها بموجب عقد شراكة، ضمن مؤامرة قطرية للسيطرة على الاتحاد.
وفي العام نفسه، اتهمه رجل الأعمال الأمريكي، إليوت برويدي، أحد أبرز المسؤولين عن جمع التبرعات في حملة ترامب الانتخابية، بالمشاركة في قرصنة بريده الإلكتروني وتسريب رسائل منه وتزييفها وإخراجها من سياقها.
وعلى خلفية تلك الدعاوى القضائية، فر المستثمر القطري من أمريكا في مايو/أيار 2018، قبل أن تمنحه الدوحة حصانة دبلوماسية نهاية العام نفسه، لحمايته من المثول أمام المحاكم الأمريكية.
ومع تكشف معطيات جديدة في قضايا الرميحي القديمة، رفع اتحاد كرة السلة الأمريكي، مايو/ أيار الماضي، دعوى قضائية ضد مكتب محاماة أمريكي يعمل وكيلا للأسرة الحاكمة في قطر، بعد أن تبين له أنه كان شريكا في المؤامرة التي كانت تحاك ضده عام 2017.
خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني
رئيس وزراء قطر الحالي، متورط مع الخليفي في قضية رشوة.. تفاصيل تلك الفضيحة سبق أن كشفها موقع "ميديا بارت" الفرنسي وصحيفة "الجارديان" الإنجليزية.
وأكدا على أن خالد بن خليفة حينما كان رئيس ديوان تميم بن حمد، أمير قطر، تورط في قضايا فساد رياضية، منها شراء حقوق بثّ بطولات ألعاب العالم للقوى، مقابل منح الدوحة تنظيم نسخة العام الماضي.
وتم اتهام ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان، بتحويل مبالغ مالية إلى شركة بابا ماساتا دياك نجل لامين دياك، رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، لشراء حقوق بث المسابقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مقابل حصول قطر على التنظيم.
وأظهرت رسائل بين بابا ماساتا وخالد آل ثاني، حينما كان رئيس الديوان الأميري، بشأن تحويل مبلغ يقارب 5 ملايين دولار، يحصل منها بابا ماساتا على 440 ألف دولار أمريكي نقداً.
وحولت شركة Oryx QSI المملوكة لناصر الخليفي وأخيه 3.5 مليون دولار إلى حساب شركة في السنغال تعود ملكيتها إلى بابا ماساتا دياك.
حمد بن جاسم
رئيس وزراء قطر الأسبق، دبلوماسي ورئيس وزراء بدرجة سمسار في صفقات الفساد، استغل مناصبه ونفوذه وثروات القطريين في الحصول على عمولات من صفقات السلاح والصفقات التجارية، وكان من آخر عمولاته وهو في السلطة 400 مليون دولار في صفقة شراء متاجر هارودز في لندن، و200 مليون دولار عن مشروع جسر لم يرَ النور بين قطر والبحرين. إضافة إلى ظهور اسمه في فضيحة عمولات بنك باركليز البريطاني.
فساد بن جاسم وشرهه للمال بأي وسيلة، جعله هدفا لملاحقات قضائية عدة، كان أبرزها الدعوى القضائية التي رفعها ضده الناطق الأسبق باسم وزارة الخارجية القطرية، فواز العطية، يتهمه فيها بتعذيبه والاستيلاء على أرضه..
وبحسب فواز العطية فإن: "2 تريليون دولار ذهبت أدراج الرياح خلال قيادة حمد بن جاسم لدولة قطر"، مضيفا أن بلاده خسرت "2 تريليون دولار بسبب فساد ومغامرات وتبذير وفشل حمد بن جاسم الاستثماري".
كون بن جاسم ثروات هائلة من أموال وجيوب القطريين، قدرت بنحو 12 مليار دولار أمريكي عندما استقال من منصبه كرئيس لوزراء قطر ووزير خارجيتها في يونيو/حزيران عام 2013.
علي بن فطيس المري
كشف تحقيق استقصائي نشرته مجلة "لوبوان" الفرنسية عام 2018 عن الثروة الهائلة التي يمتلكها النائب العام القطري ورئيس جهاز مكافحة الفساد علي بن فطيس المري، مؤكدة أن لديه ثروة هائلة مترامية الأطراف.
وتساءلت المجلة، في تقريرها، "هل المدعي العام القطري علي بن فطيس المري فوق مستوى الشبهات؟".
وأشارت المجلة إلى أن المري يدير منظمة تدعى مكافحة الفساد بكل أشكاله إلا أنه يعتبر "كبير الفاسدين".
وتساءلت المجلة الفرنسية عن القدرة المالية لرئيس جهاز مكافحة الفساد بقطر حتى يتسنى له شراء عقارات بملايين الدولارات منها جزء من فندق مكون من 3 طوابق في 86 شارع "إينا" الرئيسي بباريس ويقع على بعد خطوات من "قوس النصر" وذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2013، بمبلغ 9.6 مليون يورو.
وبحسب ما ذكر الكاتب الفرنسي، إيمانويل رزافي، في كتابه "قطر الحقائق المحظورة"، تساءلت المجلة من أين تلك الثروة الهائلة لذلك الموظف القطري؟
وكانت "لوبوان" طرحت هذا التساؤل على المري خلال رسالة بريدية، إلا أنه رفض الإجابة عن هذا السؤال.
aXA6IDMuMTIuMzQuMTkyIA== جزيرة ام اند امز