هنا يلتقي زعماء "السبع".. تاريخ جامح مكثف في قلعة
خلف قمم مغطاة بالثلوج، تقف قلعة "شلوس إلماو" كنصب تذكاري لتاريخ جامح، تكثف تقلبات موازين القوى خلال قرن مضى.
وبدأ زعماء مجموعة السبع منذ أمس الأحد قمتهم التي تستمر حتى يوم غد الثلاثاء، في القلعة البافارية التي شهدت ذات يوم احتفاء صاحبها بزعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، وسقطت في يد رفاق الرئيس جو بايدن من الجنود الأمريكيين الذين خاضوا غمار الحرب العالمية الثانية.
وعلى نحو مفارق، قرر الفيلسوف الألماني يوهانس مولر بناء قلعته مع بداية الحرب العالمية الأولى، لتكون ملاذا لاتباعه، قبل أن تتحول في وقت لاحق إلى معسكر عطلة عسكري نازي، ثم ملاذا للناجين من المحرقة.
وتستضيف اليوم زعماء ما كان يعرف بـ"العالم الحر" وفق أدبيات منتصف القرن الماضي، فيما يقف عالم على حافة حرب عالمية ثالثة، تستعير مجددا من قاموس ذلك الزمن تعبيراته لترسم حدود صراع حول موازين قوى تتشكل عالميا.
والقلعة التي أصبحت الآن فندقا فخما لا تزال مملوكة لعائلة مولر، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، على الرغم من نزع ملكيتها مؤقتا خلال عملية مكافحة النازية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؛ على خلفية موقف مؤسسها المؤيد لهتلر.
ويقول ديتمار مولر إلماو، للصحيفة الأمريكية حفيد الفيلسوف المؤسس ومالك الفندق الحالي إن جده أراد أن "يخلق مكانًا للعيش المشترك حيث يمكنك الهروب من نفسك، كانت الفكرة هي تمكين التحرر من الذات ومن روح الفردية التي أشاعتها الرأسمالية في ذلك الوقت".
قبل قراره بناء القلعة كان بين عامي 1914 و1916، يملأ قاعات المحاضرات في جميع أنحاء ألمانيا. وقد اجتذب أتباعا من الطبقة الأرستقراطية ونخبة رجال الأعمال والجالية اليهودية في ألمانيا.
وتوافد محبو مولر المعروف بانتقاداته للفردية والمادية والرأسمالية، وكذلك الكنيسة المسيحية، على القلعة حيث انغمسوا في حفلات كان نجومها سياسيين بارزين وشخصيات ثقافية في جمهورية فايمار (الحكومة الألمانية بين عامي 1919 و1933).
ومع صعود الرايخ الثالث، كان لمولر ما وصفته الحكومة الألمانية في عام 2014 بأنه "موقف متناقض تجاه النظام النازي".
وبينما أشاد الفيلسوف بهتلر باعتباره "زعيم ثورة وطنية للصالح العام على المصلحة الذاتية"، رأى أن سياسات هتلر المعادية لليهود كانت "وصمة عار لألمانيا".
وقال مولر إلماو الحفيد إن جده برر موقفه المتناقض بالحجة القائلة بأن تولي هتلر غير المتوقع للسلطة لا يمكن تفسيره إلا على أنه "قدر أراده الله".
ووضع مولر خصومه كما مؤيديه في مأزق حينما عارض معاداة السامية وحظر التحية النازية في شلوس إلماو، وكانت صلاته هي ما وفرت له الحماية في نهاية الأمر.
ومع ذلك، كان مولر تحت مجهر الجستابو (الشرطة السرية لألمانيا النازية)، حيث جرى استجوابه أكثر من مرة، وفي النهاية تم حظر أعماله - على الرغم من أن ذلك لم يزعج إيمان مولر بهتلر.
في عام 1942، في محاولة لمنع مصادرة القوات الخاصة للقلعة، المجموعة شبه العسكرية النازية، قام مولر بتأجير القلعة إلى الجيش الألماني النازي، كمنتجع لقضاء العطلات للجنود العائدين من الجبهة.
وبعد عامين، وضع مولر قيد الإقامة الجبرية وتحولت قلعة شلوس إلماو إلى مستشفى عسكري للجنود الألمان. في العام التالي، عندما استسلم النازيون، سيطر الجيش الأمريكي على إلماو، وأصبحت لفترة وجيزة معسكرا للجنود الذين كانوا يتلقون العلاج هناك، ثم مدرسة تدريب عسكرية.
ورغم انتهاء الحرب، ظل موقف مولر المتناقض تجاه الرايخ الثالث يمثل مشكلة.
ويرى المؤرخ والمؤلف الألماني مايكل برينر إن قلعة شلوس إلماو تعكس قدر التعقيد في التاريخ الألماني كما تلقي بالضوء على جهود البلاد للتصالح مع ذلك التاريخ.
ويقول إنه "في بلد مغرم بالأسماء المركبة، هناك بالطبع كلمة لتلك التسمية"Vergangenheitsbewältigung" أو "التصالح مع الماضي"، بحسب "واشنطن بوست.
ولم تبق القلعة بعيدة عن أسرة مولر لفترة طويلة، خوفًا من مطالبة العائلة بتعويضات بسبب الاستئناف المتوقع لإدانته.
وأجرت حكومة ولاية بافاريا القلعة لأبناء مولر في عام 1951. وبعد عقد من الزمان، أصبحوا المالكين القانونيين لها، نفس العام الذي ألغي فيه حكم ضد مولر، بعد 12 عامًا وفاته عام 1949.
وفي عام 1997 أعاد مولر الحفيد تأسيس القلعة باعتبارها "ملاذا ثقافيا"، على الرغم من تجنبه لفلسفة جده.
وقال إن "تقطيع طاولات الطعام المشتركة كان رمزيًا بقدر ما كان انعكاسا لشعار الفندق الجديد: حرية الاختيار".
وأوضح "في السابق، كانت القلعة مجتمعا قسريا، بالنسبة لي، الأمر كله يتعلق بالفردية".
وجاءت فرصة إجراء أكبر التغييرات في عام 2005، عندما اندلع حريق في المبنى. كان لا بد من هدم معظم الفندق وإعادة بنائه.
ويتابع مولر إن "رؤية الفندق مشتعلًا كان مصدر ارتياحا كبيرا.. كان أفضل شيء يمكن أن يحدث لي لم يكن علي أن أضع نبيذا جديدا في زجاجات قديمة بل يمكنني الآن صنع زجاجة جديدة لنبيذ جديد. يمكنني تصميم إلماو كمكان للكوزموبوليتانيين".
اليوم، تقام حوالي 220 حفلة موسيقية في القلعة كل عام، حيث تواصل جذب أكبر الأسماء في الموسيقى الكلاسيكية من جميع أنحاء العالم.
وبفضل موقعها المعزول اختيرت القلعة لاستضافة قادة العالم في قمة G-7 لهذا الأسبوع.
وسبق أن عقدت القمة في القلعة نفسها عام 2015، حيث كانت مسرحًا لصورة مميزة بشكل خاص، فعلى مقعد خشبي جلس الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مسترخيًا وذراعاه ممدودتان فيما كانت أمامه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على خلفية الجبال الشامخة.
قال مولر إلماو إن "كل سياسي، كل ضيف يأتي إلى هنا يريد أن تلتقط صورته على ذلك المقعد".