الغابون بين "الانقلاب" و"ثورة القصر".. مفتاح الحكم في دولاب العائلة
لم يكمل الانقلاب في الغابون أسبوعه الثاني، حتى نصّب الجنرال بريس نغيما، نفسه رئيسا انتقاليا، وأنشأ برلمانا جديدا، وأطلق سراح السجناء السياسيين.
ففي اليوم التالي للانقلاب الذي أطاح بالرئيس علي بونغو بعد 14 عاما من الحكم سبقها 42 عاما لوالده، كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن نغيما خصص وقتا للقاء السفير الفرنسي لدى الغابون، ألكسيس لاميك، ووعد بتعزيز العلاقات مع باريس.
لقاءٌ يقول محللون إنه يكشف بشكل واضح أن المؤسسة القديمة في هذا البلد الواقع في وسط أفريقيا لا تزال تتولى زمام الأمور.
إذ يطلق مراقبون سياسيون على ما وقع، اسم "انقلاب القصر"، كون نغيما هو ابن عم بعيد للرئيس المعزول علي بونغو، وقضى حياته المهنية داخل الدائرة الداخلية والقريبة للرئيس، وعمل كمساعد عسكري لوالده.
ويعتقد فرانسوا كونرادي، المحلل السياسي في مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس أفريقيا، في حديثه مع "فورين بوليسي"، أن عائلة بونغو الممتدة التي حكمت الغابون لمدة 55 عاما "توقعت اضطرابات عامة كبيرة وضغوطا دولية لاحقة بسبب انتخابات مزورة بشكل واضح".
وأضاف: "وبدلاً من التصديق على النتيجة، يبدو أن العائلة قررت إزالة بونغو من السلطة والاستمرار في النظام الذي لا يزال يفيدها".
والغابون هي ثالث أغنى دولة في أفريقيا من حيث نصيب الفرد من الدخل، لكن أكثر من 30 في المئة من مواطنيها فقراء بسبب ما يقال إنه "الفساد النفطي".
إجراء وقائي
وفي هذا الصدد، يرى أوفيجوي إيجويجو، محلل سياسات في مركز أبحاث، أن الانقلاب كان "إجراء وقائيا". وأن "فئة النخبة هي التي تتنافس ضد نفسها".
واتهم ألبرت أوندو أوسا، مرشح المعارضة في الانتخابات الأخيرة والذي يشتبه الكثيرون في فوزه بالانتخابات بالفعل، شقيقة بونغو باسكالين بالوقوف وراء الانقلاب.
وقال أوسا في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية "إنها ثورة القصر، لذلك ليس هناك انقلاب عسكري".
في هذه الأثناء، أعلن متحدث باسم المجلس العسكري أنه تم إطلاق سراح الرئيس المعزول علي بونغو، من الإقامة الجبرية، مشيرا إلى أن بإمكانه طلب العلاج الطبي في الخارج إذا رغب في ذلك.
وهناك دلائل تشير إلى أنه من المتوقع أن يذهب بونغو إلى المنفى. في حين لا يزال ابنه الأكبر نور الدين رهن الإقامة الجبرية.
وفي هذا السياق، يعتقد فرانسوا كونرادي، المحلل السياسي في مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس أفريقيا، في حديثه مع "فورين بوليسي"، أن "نور الدين قد ينتهي به الأمر في المحكمة، وسيكون بعد ذلك كبش فداء لكل ما حدث من خطأ”.
العلاقة مع فرنسا
ويختلف الانقلاب في الغابون بشكل صارخ عن ما حصل في النيجر ودول أخرى في منطقة الساحل، من حيث العلاقة مع فرنسا.
ففي حين يرى البعض أن العلاقة بين فرنسا والغابون من المرجح أن تظل دون تغيير، يقول آخرون إن المشاعر المعادية لباريس موجودة بين الجمهور الغابوني.
إذ لا يوجد ما يشير إلى أن نغيما سيبدأ في إعادة كتابة عقود الموارد الفرنسية أو إثارة الاحتجاجات العامة ضد فرنسا كما فعلت الحكومات العسكرية في منطقة الساحل.
وقال كونرادي: "هذا ليس مثل النيجر أو بوركينا فاسو، حيث العلاقات مع فرنسا وجميع الاتفاقيات مع باريس موضع شك".
وكان نظام بونغو قد بدأ بالابتعاد عن فرنسا، حيث التقى الرئيس المعزول بالملك تشارلز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد انضمام الغابون إلى الكومنولث.
كما وعد بكين بإنشاء قاعدة بحرية في البلاد، وهو العرض الذي تم تعليقه فعليا الآن.
وحول هذه الجزئية، يقول أوفيجوي إيجويجو: "إذا كان هناك أي شخص يرغب في الابتعاد عن فرنسا، لكان أوندو أوسا هو الرجل الذي قام بذلك".
وجوه تقرأ الانقلاب
ويتكون جزء كبير من برلمان نغيما الجديد من أعضاء سابقين في الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم، الذين اختلفوا في وقت ما مع بونغو.
والأهم من ذلك أنه لا يضم أيا من الشخصيات الرئيسية في حزب المعارضة في الغابون.
وعين رئيس المرحلة الانتقالية، الاقتصادي ريموند ندونج سيما رئيسا جديدا لوزراء الغابون.
وكان ريموند ندونج سيم، قد شغل منصب رئيس وزراء علي بونغو من عام 2012 إلى 2014 قبل أن يتنافس ضده في الحملات الرئاسية لعامي 2016 و2023.
واعتبر كونرادي أن تعيين الرجل في هذا المنصب "يصقل أوراق اعتماده كشخص يتواصل مع المعارضة المناهضة لعلي بونغو، ولكن في الوقت نفسه، كما اعتقدنا أنه سيحدث، فإنه سيحتفظ بمعظم آلة الحزب الحاكم هناك".