فخ "الانقلابات العائلية" بأفريقيا.. صراع أولاد العم في الغابون وغينيا
يعيد شهر سبتمبر فتح جراح انقلاب غينيا الذي وقع قبل عامين، بالتزامن مع ضرب انقلابات أخرى منطقة غرب ووسط أفريقيا، آخرها النيجر والغابون.
ومن بين أسباب سقوط عدة دول في "فخ الانقلابات" تبرز "عوامل عائلية" أو ما وصفه خبراء لـ"العين الإخبارية" بـ"الانقلابات العائلية"، كأحد أهم سيناريوهات الاستيلاء على السلطة، فضلا عن الصراعات على السلطة والموارد.
وقال هؤلاء الخبراء إن هناك عوامل أخرى لتفسير أنماط الانقلابات الأخيرة، بينها انسداد أفق الانتقال السياسي، وتورط دول كبرى في الانقلابات الأفريقية أو دعمها.
وقبل أسبوع، وصل قطار الانقلابات في أفريقيا إلى محطة الغابون، بعد أقل من شهر على انقلاب النيجر، وموجة انقلابات سابقة خلال الـ3 أعوام الأخيرة، شملت عدة دول، بينها مالي وتشاد وغينيا وبوركينا فاسو.
وفي الانقلاب الثامن في غرب ووسط أفريقيا خلال 3 سنوات استولى ضباط من الجيش الغابوني بقيادة الجنرال بريس أوليغي نغيما على السلطة في 30 أغسطس/آب الماضي، فور إعلان فوز علي بونغو بولاية ثالثة في الانتخابات.
وقبل عامين من الآن أعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية في الخامس من سبتمبر/أيلول 2021 اعتقال الرئيس ألفا كوندي والسيطرة على العاصمة كوناكري، وكذلك "حل" مؤسسات الدولة.
وقال قائد القوات الخاصة اللفتانت كولونيل مامادي دومبويا، في مقطع فيديو في حينه، "لقد قررنا بعد القبض على الرئيس الذي بات حاليا في أيدينا، حل الدستور الساري وحل المؤسسات وقررنا أيضا حل الحكومة وإغلاق الحدود البرية والجوية".
الاعتبار العائلي والعرقي
الخبير الموريتاني المختص في الشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك رصد، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، العامل العائلي والعرقي كمحفز في حدوث انقلابي الغابون وغينيا.
ويقول ولد السالك إن انقلاب الغابون يدخل في جانب كبير ضمن "الانقلاب العائلي"، إذ إن والدة قائد ومنفذ الانقلاب الجنرال بريس أوليغي نغيما تعد ابنة عم الرئيس علي بونغو أونديما، الذي جرت الإطاحة به، كما أنه ينحدر من قبيلة "الفانغ" التي ينتمي لها أول رئيس للبلاد ليون مبا، الذي تولى الحكم في ستينيات القرن الماضي.
أما عن "انقلاب غينيا" فأكد السالك أن خصوصيته تتمثل في أنه جاء من أحد المقربين جدا من الرئيس الغيني ألفا كوندي، وهو العقيد مامادي دومبويا، حيث أسند الرئيس المعزول للعقيد قيادة مجموعة نخبة القوات الخاصة، وحاز ثقته بشكل كبير قبل الانقلاب.
عوامل مشتركة
الأكثر من ذلك تحدث الخبير في قضايا الساحل الأفريقي عن عوامل مشتركة أخرى بين الدول التي شهدت انقلابات عسكرية خلال الـ3 أعوام السابقة، موضحا أن "انقلاب غينيا الذي أطاح قبل عامين بالرئيس ألفا كوندي يشبه انقلاب الغابون الذي أطاح بعلي بونغو، إذ حدث الانقلابان عقب فوز الرئيسين المخلوعين بولاية ثالثة مرفوضة شعبيا على نطاق واسع".
وتابع "الرئيسان تقريبا أيضا حكما نفس الفترة الزمنية، فعلي بونغو الذي ورث السلطة عن والده حكم لمدة 14 عاما، وكوندي الذي يعد أول رئيس مدني منتخب في بلاده حكم 11 عاما".
ومضى قائلا "كما يشبه انقلابا غينيا كوناكري والغابون انقلابَ تشاد، إذ أُعلن مقتل إدريس ديبي بعد فوزه بولاية سادسة، وتولى نجله الجنرال محمد إدريس ديبي السلطة، بدلا من تسليم السلطة لرئاسة البرلمان، وأوقف العمل بالدستور".
وبحسب قانون تشاد كان يجب أن تنتقل السلطة مباشرة لرئيس البرلمان، إلا أن المجلس العسكري تدخل وحل البرلمان لـ"ضمان الاستقرار".
أما باقي الانقلابات التي جرت في مالي وبوركينا فاسو والنيجر فإن عاملها المشترك هو مناهضة الوجود الفرنسي، وفشل الأنظمة المتعاقبة في القضاء على التحدي الأمني، وفقا للخبير الموريتاني.
الخبير في الشؤون الأفريقي يرى أنه من غير المستبعد حصول انقلابات أخرى لاحقا، لكنها لن تخرج عن خانة الأنظمة الحاكمة منذ فترة طويلة، والأنظمة التي فشلت في إحلال الأمن والاستقرار.
يضاف إلى ذلك، وفق ولد السالك، ضعف آليات التصدي للانقلابات، حيث لم يتم إفشال أي من الانقلابات الثمانية التي شهدتها القارة الأفريقية منذ 2020.
انقلاب القصر
ولم يختلف تقدير اللواء محمد عبدالواحد الخبير المصري في الشأن الأفريقي عما طرحه زميله الموريتاني، إذ يشير في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إلى أن "ما جرى في الغابون هو انقلاب داخلي من أسرة بونغو شبيه بانقلابات القصر".
ويفسر عبدالواحد "قائد الانقلاب من عائلة بونغو ومن قبيلته، وكان الرجل القوي في السلطة والذراع اليمنى لعلي بونغو، وعندما أصيب الأخير بالسكتة الدماغية وتدهورت صحته في 2019 استدعوا نغيما حتى يكون ملازما له".
وتابع أن "انقلاب الغابون بعيد عن الجيش تماما، ويمكن وصفه بانقلاب القصر، لأن من قاد الانقلاب هو المسيطر على الجيش ورجل قوي، إضافة إلى أن عم قائد الانقلاب الرئيس الأسبق عمر بونغو، نجح خلال فترة حكمه التي استمرت أكثر من 42 عاما، فصل الجيش عن الحياة السياسية تماما".
الانقسامات العرقية
حمدي عبدالرحمن، أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة، رصد دور "الانقسامات العرقية" في وقوع عديد من الدول الأفريقية في "فخ الانقلابات".
ويقول حمدي عبدالرحمن لـ"العين الإخبارية" إن "هناك مشكلة في السياسات والجيوش العرقية الراسخة، حيث تناضل دول شهدت انقلابات حديثة -مثل غينيا والنيجر- مع إرث من الجيوش العرقية التي تريد الحفاظ على نفوذها السياسي والمالي".
ويضرب المثل بانقلاب عام 2021 في غينيا الذي قاده شخص من نفس الجماعة العرقية التي ينتمي إليها الرئيس، إذ كان كل من مامادي دومبويا وكوندي من قبيلة مالينكي.
هيمنة عائلية
كما يروي جانبا من كواليس الصراع العائلي داخل دائرة الحكم بالغابون، قائلا: "عندما توفي الأب عمر بونغو الذي حكم البلاد لفترة طويلة، حاولت الحكومة إخفاء وفاته عن الشعب، بهدف التمكين من إدارة معركة الخلافة خلف الأبواب المغلقة، حيث كان الصراع بين ابنته الكبرى باسكالين، التي كانت رئيسة أركانه، وشغلت منصب كبير موظفي القصر الرئاسي، وابنه علي الذي كان وزيراً للدفاع وكان رئيساً لمكتبه".
وتابع "نحن أمام نخبة عائلية أوتوقراطية حكمت البلاد باعتبارها شأناً عائلياً لمدة تزيد على نصف قرن من الزمان، لذلك لم يكن مستغرباً أن يفرح الناس ويعلنوا أنهم تحرروا مرة أخرى من هيمنة عائلية أدارت شؤونهم رغماً عنهم".
ومن بين العوامل الأخرى للانقلابات -وفق حسن- صعوبات الانتقال السياسي، بالنظر إلى تجدد الاضطرابات في عملية التحول الديمقراطي، و"مشاكل الديمقراطية" الناشئة، موضحا "في الغابون زعم الجيش أنه يقوم بالرد على تزوير الانتخابات، وطموح علي بونغو في الحصول على ولاية ثالثة".
الخبير المصري قال أيضا "كما يمكن تحليل الانقلابات العسكرية في أفريقيا من خلال منظور الاستعمار الجديد، إذ الضعف الاقتصادي والعسكري المستمر للدول الأفريقية الحديثة يجعلها عرضة للتهديدات المحلية والخارجية منذ الاستقلال، ويتفاقم هذا الضعف بسبب تورط القوى الأجنبية في الانقلابات".
إرث سياسي
بدوره، يقول الأكاديمي الموريتاني والباحث في شؤون الساحل وغرب أفريقيا عبيد إميجن، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن الانقلاب العائلي أو العرقي ليس سوى انعكاس واضح لحكم الإثنيات والقبائل، ومحاولة منها للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة على حساب المجموعات العرقية الأخرى".
ويلفت إلى أن "حدوث مثل هذه الأوضاع غير الديمقراطية بالمرة يؤكد عدم نضج الحياة السياسية في عديد الدول الأفريقية".
ويوضح أن "الانقلابات هي جزء من الإرث السياسي لدى الأفارقة، وهي ليست وليدة اليوم، والانفكاك من هذا الإرث الراسخ في أدمغة بعض كبار الضباط الذين يحاولون انتهاز أي فرصة للمشاركة في الانقلابات، يؤكد أن الثقافة الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة غير متجذرة في الوعي السياسي والمدني".
aXA6IDE4LjIxOS4yMDkuMTQ0IA== جزيرة ام اند امز